لم يأت ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة التركية بجديد في ظل الأزمات الاقتصادية المتصاعدة عالميا تحت تأثير انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، لكن اللافت في الارتفاع الأخير تجاوزه عتبة الـ7 ليرات منذ يوم الجمعة الماضي للمرة الأولى بعد أزمة سعر الصرف خلال عام 2018.
وكان سعر صرف الليرة التركية قد شهد استقرارا نسبيا خلال الأشهر الستة الأخيرة، حيث أغلق عام 2019 على سعر صرف 5.94 ليرات، لكنه ارتفع بمقدار 1.06 ليرة هذا العام، وهو ما يمثل نسبة 18% خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام.
وتظهر المعطيات الرسمية التركية ارتباطا شديد الصلة بين انخفاض سعر الصرف الحالي وبين تأثر البلاد بانتشار فيروس كورونا بالنظر إلى الطبيعة البنيوية للاقتصاد التركي المتعطش للعملة الصعبة.
انكماش الصادرات
ويقول الباحث في الشؤون الاقتصادية عبد الله حرب إن تركيا تعتمد بشكل كبير في توفير العملة الأجنبية على الصادرات التي يتم تصنيع جزء كبير منها من خامات شبه أولية تستوردها من الخارج، خاصة من جنوب شرق آسيا كالصين والدول المجاورة لها.
ويرى حرب أن التراجع الكبير في الواردات جراء الانخفاض الحاد في حركة التجارة الدولية وتعطل معظم سلاسل التوريد نتيجة إغلاق الأسواق تسببا في صعوبات في استيراد المواد الخام للتصنيع، مما زاد مشاكل التصدير.
وتظهر المعطيات الرسمية التركية انخفاضا كبيرا في مخزون المواد "شبه المصنعة" في الأسواق التركية، خاصة فيما يتعلق بالمنتجات البتروكيميائية ولوازم الصناعات الإلكترونية.
وأوضح الباحث في جامعة "قدير خاص" بإسطنبول أن توقف حركة النقل والشحن والطيران بين تركيا والعالم يهدد بانكماش الصادرات وانخفاض قيمة العملات الصعبة، ولا سيما من الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الشريك الأهم في التبادلات التجارية مع تركيا، والذي استقبل في العام 2019 نحو 50% من صادراتها.
وأشار في حديث للجزيرة نت إلى أن تراجع التجارة الخارجية أضعف احتياطات خزينة البنك المركزي من الدولار فزاد الطلب عليه وزاد وتيرة الضغط على الليرة التي تراجعت بشكل حاد مجددا.
السياحة وديون الشركات
ويؤكد حرب أن تراجع السياحة التي تعتمد تركيا عليها كثيرا كمورد للعملات الصعبة لتحريك عجلة الاقتصاد جراء إغلاق الحدود وضوابط الحركة الخارجية قد زاد الضغوط على العملة المحلية.
وخلال العام 2019 زار تركيا 52 مليون سائح، وبلغت عائدات السياحة نحو 34.5 مليار دولار تمثل قرابة 12.1% من الناتج الإجمالي التركي، وهي مؤشرات يصعب تعويضها حتى لو تم فتح المجال للسفر والتنقل مجددا لاعتبارات تتعلق بضوابط التحرك ومحدوديته وقدرة السياح على استئناف أنشطة السفر.
كما يرى حرب أن العملة الصعبة في تركيا لها ارتباط وثيق بديون الشركات التركية التي تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 450 مليار دولار، ثلثها تقريبا مستحق السداد في العام 2020، مما يجعلها بحاجة لتوفير العملة الصعبة، الأمر الذي يزيد الطلب عليها مقابل الليرة.
ارتفاع الدولار
ويوضح حرب أن ارتفاع قيمة الدولار بشكل عام يمثل الجانب الآخر من أسباب ارتفاع سعر صرفه مقابل الليرة التركية، قائلا إن الدولار ارتفع مقابل معظم العملات منذ بداية أزمة كورونا وتفاعلاتها.
وأشار إلى أن ذلك يرجع لأسباب لها علاقة بتوجه المستثمرين خلال الأزمات وشيوع المخاوف إلى شراء الدولار وتخزينه والاحتفاظ به احتياطا للمستقبل باعتباره العملة العالمية الأولى.
وقال إن "هناك ثقة بأن الدولار بات مخزنا للقيمة يستخدمه الناس للادخار وحفظ المال باعتباره عملة آمنة تحافظ على الجزء الأكبر من قيمتها في أي أزمة، وهذا زاد الطلب عليه في مواجهة كافة العملات -ومن بينها الليرة التركية- فأدى لتجاوزه حاجز سبع ليرات مجددا".
الآفاق والحلول
وتشير تقارير اقتصادية تركية إلى أن خيارات الحكومة التركية في التعامل مع هذا الارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة محدودة نظرا إلى أن الأمر يتعلق في شق منه بارتفاع عالمي للدولار، ولصعوبة التكهن بموعد عودة الحياة إلى طبيعتها.
وأشار تقرير اقتصادي في صحيفة "سوسجو" التركية إلى أن الحكومة لجأت إلى تخفيض أسعار الفائدة لمواجهة التضخم الذي عاد للصعود، في حين ارتفعت البطالة جراء التدابير التي اتخذتها للحد من انتشار فيروس كورونا.
وقال التقرير إن خفض سعر الفائدة يمثل إجراء تحفيزيا للمستثمرين لضخ السيولة وإقامة المشاريع الاستثمارية التي تشغل الأيدي العاملة في ظروف الكساد والانكماش الطبيعي، مشيرا إلى أن الحكومة نجحت في تخفيض مستوى التضخم الذي بلغ 25% العام الماضي بهذه الطريقة لكن ذلك لا يبدو ممكنا في ظل أزمة عالمية كالتي نعيش اليوم.
وكان البنك المركزي التركي قد خفض الأسبوع الماضي سعر الفائدة الرئيسي بواقع 100 نقطة ليصل إلى 8.75% على أساس سنوي، في مسعى لمواصلة تحفيز الاقتصاد والحد من تبعات جائحة فيروس كورونا.
وهذه هي المرة الرابعة التي يخفض فيها البنك المركزي التركي سعر الفائدة منذ بداية العام، حيث تم خفضه في يناير/كانون الثاني الماضي إلى 11.25% ثم 10.75% في فبراير/شباط، ثم إلى 9.75% في مارس/آذار، قبل أن يصل إلى 8.75%