2015-06-08 11:45:30
عبد الخالق الفلاح/ يعتبر الكورد الفيليون شريحة مهمة ومكون من مكونات الشعب العراقي وعنصر أساس وحيوي من الأمة الكوردية بشكل عام.
حيث شاركوا بكل امكاناتهم منذ تأسيس الدولة العراقية في بناء هذه الدولة وقدموا بعمل دؤوب وحيوية متميزة كفاءات علمية في جميع المجالات وشخصيات قل نظيرها وكانوا من عناصر نمائها ورفاهها من اجل سموا ورفعت بلدهم وتقديم الغالي والرخيص وليكونوا نموذجاً للوفاء والاخلاص وسقوا شجرة الحرية بدمائهم وارواحهم ، و دورهم الوطني كان بارزا في اغلب المناسبات و الاحداث الوطنية التي شهدها التاريخ السياسي و الاجتماعي العراقي خلال القرن الماضي.
فهم لم يبخلوا لا بالمال و لا بالجهد و لا بالدم في سبيل بناء وطن ينعم فيه الجميع بالعدل و الرفاه فقدموا في سبيل ذلك و نصرة لقضايا عموم ابناء المجتمع العراقي عشرات القرابين والشهداء.
لقد ساهمت هذه الشريح الكوردية المظلومة في بناء اقتصاد البلد وتطويره واغنائه وتحريك أسواقه، فخبراتهم ونزاهة تعاملهم وقدراتهم الفذة في ميادين التجارة و المال وتنشيط الاقتصاد كانت لا تضاهى، وعليه فقد شهد الاقتصاد العراقي واسواقه انتكاسات كبيرة وفقدت حيويتها ونشاطها المميز مع تصاعد و تواصل الحملات العنصرية الظالمة التي مورست بحقهم من قبل الحكومات العراقية وخاصة فترة حزب البعث المجرم من حجب حقوق المواطنة عنهم ومن تسفير وابعاد قسري لهم عن الوطن ونهب ومصادرة اموالهم وممتلكاتهم والتي كانت نتاج جهد ومثابرة اعوام طوال من الكسب الشريف والنزيه.
ولهم دوراً مهماً في تنمية وتطوير كافة المجالات والميادين السياسية والأجتماعية والثقافية والأدبية والفنية والرياضية..الخ وبرز بينهم الكثيرون من العلماء والأدباء والمفكرين والفنانين والرياضيين والاطباء المشهود لهم عراقياً ودولياً نالوا ثقة المجتمعات التي عملوا ويعملون فيها لاخلاصهم وتفانيهم في العمل والجد في الانتاج . ولكن هذا المكون المسالم والخدوم لحق به من الظلم والحيف لم يكن له مثيل مدى التاريخ . لقد حاول نظام البعث ازالتهم من جذورهم الضاربة بعمق التاريخ والحضارة الاصيلة من خلال ابادة الالاف من شباب هذه الشريحة الشريفة دون ذنب ولا يعرف مصيرهم ان هذا القتل الجماعي الواسع النطاق الذي شمل هؤلاء الابرياء وذلك الظلم الذي عانت منه هذه الامة جعلت منهم مثالاً للشعوب الصبورة والمتجرعة لكوؤس المرارة والالم لتبقى دون ساند لقضيتهم المشروعة لمعرفة مصير ابنائهم المغيبون إلا بمساعي خجولة لم تفضي الى اي شيئ.
لقد تنوعت اساليب تصفية هؤلاء المظلومون في اقبية السجون والمعتقلات البعيدة مثل سجن نقرة السلمان والقريبة مثل دهاليز الامن والمخابرات وابي غريب والتي تعتبر من الجرائم المنظمة التي اقترفها النظام البعثي المقبور بالذات ضد هذه الامة وتعرضهم الى اقسى انواع التعذيب وتعرضهم الى شتى انواع الغازات السامة وتعتبر من الجرائم التي تدخل ضمن الابادة الجماعية . لقد غيب النظام البعثي الحاقد طليعة مجدة من الكفاءات العلمية والطبية والطاقات الخلاقة المشهودة وكانوا مشاريع لخدمة العراق.
ان بشاعة الجريمة التي لا يمكن للكلمات ان تصفها ولا يمكن للزمن ان يمحو اثارها التي ارتسمت على وجوه الضحايا ممن قضوا عشرات السنين مسلوبي الهوية ومغيبين قسراً عن وطنهم وممن ضمتهم عشرات المقابر الجماعية المنتشرة في عموم ارض العراق، وما يقدم لهم إلا وفاءاً لتضحيات هذا المكون الاصيل وتسليط الضوء على ما تعرض له ابناؤه من جريمة ابادة جماعية على يد النظام البعثي الفاشي، وبشاعة الجريمة التي ارتكبت ضد الكرد الفيليين. وهم جزء من المحن التي مر بها العراقيون بمختلف طوائفهم ومكوناتهم على يد النظام الدكتاتوري المباد طيلة عقود من الزمن لن تغيب عن ذاكرة الشعب العراقي وستكون مدعاة فخرهم واعتزازهم وتوحيدهم.
ومنهم الدكتور شهاب احمد عزيز من الاطباء الاوائل لاجراء عمليات الجراحة وترقيع قرنية العيون .
ولد الشهيد السعيد في مدينة بغداد محلة سراج الدين (الصدرية) من عائلة متوسطة الحال سنة 1940واكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية فيها وكان مجداً في جميع المراحل الدراسية ومتميزاً ودخل كلية الطب عام 1959 وكان من المتفوقين طيلة سنوات الدراسة الجامعية ونال حب اساتذته وزملائه في الجامعة لسموا اخلاقه و مواظبته واجتهاده في الدراسة. واعتقل في سنة 1963 اثر الانقلاب الذي اطاح بالرئيس عبد الكريم قاسم بوشاية من احد عملاء النظام في الكلية (المجرم سالم نوح) وعذب في النادي الاولمبي في الاعظمية من قبل الحرس القومي ثم تم اطلاق سراحة حيث استمر في دراسته وتخرج من الكلية في سنة 1964 وكان من المتفوقين في الدور الاول وبعد تخرجة التحق بكلية الاحتياط ومنح رتبة ملازم احتياط وبعد قضاء فترة الخدمة العسكرية تدرج بالعمل في عدة محافظات مثل نينوى والمثنى وواسط وبغداد حيث نسب الى المستشفى الجمهوري (مدينة الطب حالياً) ومارس الاختصاصات الطبية اثناء فترة الدرج الطبي ولكن طموحه لم يتوقف حيث تم منحه زمالة دراسية وقبل في احدى الجامعات البريطانية في مدينة دبلن للحصول على شهادة الاختصاص في طب العيون بعد ان عشق هذا التخصص وكان اماله ان يعمل من اجل شفاء المرضى وحصل على الاختصاص بفترة زمنية قياسية ومارس العمل في كبرى المستشفيات الانكليزية ونال احترام المشرفين علية من الاساتذة وعرض عليه مغريات كبيرة للبقاء في انكلترا إلا انه رفض ذلك بشدة ومنها بعض بلدان الخليج (المملكة العربية السعودية) عن طريق احد امرائها المعروفين وبحوافز كبيرة مغرية لكنه رفض الشهيد السعيد واصر على العودة الى بلده العراق العزيز ليخدم المحتاجين وكان اختصاصة من الفروع النادرة وهي (ترقيع قرنية العين) لحاجة وطنه الى ذلك وعاد وعمل في مستشفى النور ( الشعلة حالياً ) ثم انتقل الى مدينة الطب في باب المعظم وابلى بلاءً حسنا في مجال اختصاصة وكان عوناً للفقراء والمحتاجين.
وقد افتتح الشهيد عيادة خاصة له في منطقة المنصور واشتهر بالاخلاص وكان جل مراجعيه من المحافظات التي عمل فيها وزادت شهرته لحسن اخلاقه وتعامله وصدقه مع المرضى وعظم شأنه ووجاهته حتى فتحت دوائر الامن عينها لمراقبته وتم استدعائه الى دوائر الامن لعدة مرات بسبب الغيرة من بعض ضعفاء النفوس من الاطباء الفاشلين وتحينوا الفرصة للاطاحة به وفعلاً تم اعتقاله ( احتجازه ) في في اواخر عام 1980 مع تسفير عائلته المتكون من زوجته واثنان من اطفاله الى الجمهورية الاسلامية الايرانية وحسب الوثيقة التي عثر عليها في دهاليز الامن والتي تشير الى اعدامه في عام 1983 وذهب الى ربة شهيداً مظلوماً محتسباً وقد تم الاستيلاء على عيادته من قبل احد جلاوزة النظام وهو الدكتور فخري الحديثي احد اقرباء مدير امن بغداد وعضو شعبة في الحزب في ذلك الوقت.
رحم الله شهدائنا الابرار وتحية اجلال واكرام لارواحهم الطاهرة.