على حسين فيلى/ منذ أمد بعيد تجذّر اعتقاد بان مكانة الإنسان تصبح مهمة حينما يختار عمله بحرية، ومن هذا المنطلق فان الشعراء والأدباء هم رواد الفكر والنتاج الحر، بلا شك فان الشاعر يعبر عن احترامه لذاته عبر دعوة ضيوفه إلى مأدبته باستخدام أجمل الكلمات والجمل، وأجلى مميزاته انه لا يختار الصمت لأنه يدعو المقابل إلى تبني رؤاه ومعتقداته.
الإنسان الخائف وحده الذي يوجه الانتقادات وإلا فان المبدع يهب إبداعه، وإذا كان الفيليون لا صوت لهم (نثرا) وهم متجهون إلى التلاشي، إلا انه لا يمكن أن يلاموا في الشعر والنظم كما يذهب إلى ذلك "عباسي آرام" الذي لم يتسلل الخوف إلى قلبه من إطلاق العنان لأشعاره لعظم وغزارة ثروته من الكلمات الأصيلة للهجته لدرجة انه كان على الدوام يجعل التناغم بينه وبين الشعر لوحة مزينة ليقدمها للقراء.
وتبدأ القصة من حيث إن محمد خليل بهادري الذي يعد واحدا من شعراء إيلام المعروفين يصر، بشأن أوضاع الأدب الكوردي في إيلام، على إن شمس اللغة والأدب الكوردي الجنوبي (الفيلي) مشرفة على الغروب وان الذين بقوا على مشارف هذا الغروب هم فقط نحن، ولأننا نحن أصحاب هذه الثروة يجب ألا نعتقد بان الأدب واللغة الكوردية حية فقط لان الناس يتحدثون بها في الأزقة والشوارع والبيوت!
ومع الأسف فان اغلب اهلنا لا يتكلمون باللغة الكوردية الأم وإذا استمرت الأحوال هكذا فيجب أن نقرأ السلام على هذه اللغة وأدبها؛ لان الكتب والمخاطبات باللغة الكوردية نادرة أو معدومة، ولا شك فقد جاء الوقت الذي يتوجب فيه الاهتمام بالكتاب والشعراء ومجموع النتاجات المكتوبة بهذه اللغة.
ويذهب بهادري إلى أن معاني أشعار الشاعر الفيلي المعروف عباسي آرام وثقلها تكمن في تطرقه في نتاجاته الشعرية إلى تقلبات الأيام ومسرات الماضي ويخلط بين ذكريات وأقوال الوجهاء والقيم والمعاني الاجتماعية والدينية وعموما فانه واثق من المعنى الاجتماعي عندما يقوم الشاعر بمنح قراءه مساحة لاختبار الحسرة والحزن.
كما يقول أيضا أن الشعر من منظور الشعر والأدبيات عاش بسيطا ومحليا وكورديا واكسب ذلك لنتاجاته الأدبية، فخلاصة تجربته كتبت بلغة سهلة ونقية وفي قالب مثنوي استخدمه كسلاح مؤثر ليوصل رسالته إلينا بحرفية عالية.
ويقول الشاعر الفيلي الدكتور بهروز سپيد نامه عن أشعار آرام: الإنسان معرف في أشعاره وتم تحديد المكان والزمان والله سبحانه بعظمته له وجود ومنح الهوية والتعريف للطبيعة، وفي الوقت الذي تم فيه تعريف الوقت والمكان للقارئ فانه يمنح معنى آخر وخصوصا للطبيعة في إيلام الفيلية.
وحسبما يذهب اليه بهروز فان عباسي آرام كان من انجح شعراء الكورد الايلاميين المعاصرين ويعيد سبب نجاحه الى اختلاطه وعلاقته المتينة مع جميع شرائح وطبقات المجتمع وان اشعاره مستمدة من ذكريات الناس اذ ان هناك توازيا وتطابقا بين ما قاله الشاعر والذي يردده الناس.
دعونا لا ننسى بان الاستاذ ظاهر سارايي الذي يعد من رواد الادبيات الكوردية الجنوبية وصاحب القلم والنتاج المتفرد كون الشاعر مزامنا وساكنا واستطاع بجمعه تلك الاشعار وكتابة مقدمة ثرية ازال فيها السحب المظلمة التي تحجب عن القارئ فهمها وتجعلهم يتذوقون لذة تلك المعاني.
ويشاطرنا محمد جليل بهادري الرأي بهذا الصدد عندما يقول: ان الاستاذ ظاهر سارايي بجمعه اشعار المرحوم عباسي آرام وتحديد مفاهيمه وطبعها الامر الذي منح الخلود مرة اخرى لذلك الشاعر ونتاجاته، لانه اصبح مصدرا موثوقا ومليئا بالمعلومات عن الادب الكوردي باللهجة الفيلية لهذا الجيل والاجيال المقبلة ايضا.
ويضع سپيد نامه النقاط على اخر الحروف بالقول: لم يستطع احد غير سارايي اكتشاف هذا الكم من الاسرار من زوادة نتاجات الشاعر الكبير المرحوم عباسي آرام ويفهمها بهذا الشكل العميق ويوصل معانيها الى القراء.