2019-06-18 08:56:40


علي حسين فيلي/ على الرغم من انه في نظر الاغلبية، يجب ان يكون للتاريخ رواية واحدة، ولكن في الحقيقة الامر ليس كذلك، حتى بشأن حدث واحد ثابت هناك رؤى متنوعة تتفتق عنها، وفي هذا الصدد، هناك انموذج واضح وحي يتحدث عن زعيم امتنا الملا مصطفى بارزاني، فهل ان الصديق والعدو والكورد وغيرهم يتحدثون عنه بالتساوي؟
والان ونحن على ابواب تشكيل الحكومة الجديدة لإقليم كوردستان نرى ان الاهم هو تغيير الرؤى الخاطئة حول سكان المناطق خارج الاقليم والايدلوجية المذهبية والدينية وحتى لهجاتها اكثر من الاشراك الشكلي للمكونات في الحكومة والعمل السياسي.
فمثلا منذ سنوات طويلة يُطحن الكورد الفيليون بين مطرقة المذهب وسندان القومية من دون ان يسأل احد عن معاناتهم ومشكلاتهم الرئيسة او ان يسعوا الى قراءة حقيقية لهذه المشكلات.
نتائج السياسات الخاطئة التي تمت ممارستها بعد سقوط النظام السابق والتي اولت الدور للمذهب فضلا عن القومية لتصبح اكبر واكثر الادوات تأثيرا  في صياغة خارطة الطريق السياسية وتوزيع سلطة القرار في البلد.
بالنسبة للشعب الكوردي، وبعيدا عن مشكلاته السياسية والجغرافية، بحكم تعدديته الدينية والمذهبية، ومن دون ان يستفاد سياسيا وقوميا من نفوذ الدين والمذهب كالأمم الاخرى، في مجال تشكيل الكيان المستقل او الدولة، لحد الان هي المتضرر الاكبر. وفي المستقبل تصبح المشكلات الايديولوجية الطائفية والدينية المهيمنة داخل البيت الكوردي، فضلا عن المشكلة الجغرافية، اكثر خطورة من الرؤى المختلفة المتغيرة في الميدان السياسي، مثل استخدام ادوات طائفية مختلفة في العملية السياسية، ليس فقط لا تقوي المكانة القومية الكوردية بل تلحقها عقوبات المكونات ذات المذاهب المختلفة وبطبيعة الحال ستشدد التهميش والاقصاء لابناء هذه المكونات وبلا مبرر.
بلا شك ان بروز المظاهر الطائفية السياسية احدث بكثير من الوعي القومي لدى الكورد ولا نستطيع ان ننسى ان من المنظور التاريخي، عندما بدأ النضال القومي في القرن العشرين الميلادي، كان الفيليون والكورد الساكنون ببغداد على حد تعبير الاسلاميين بحكم (الانصار) بالنسبة (للمهاجرين) القوميين السياسيين الذين ظهروا في بغداد!
وعلى الجانب التاريخي للكلام، لا يمكن انكار انه قبل الصراع الحالي بين القوميين والدينيين والطائفيين، وعندما تأسس الحزب الشيوعي العراقي وبدأ بممارسة نشاطاته انضم اليه نخبة من الكورد الفيليين ولم يستطع هناك احد ليعاتبهم على مشاركتهم في حركة شاملة سياسة علمانية!
وعندما تأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبدأ بممارسة نشاطاته انضم اليه نخبة من الكورد الفيليين جنبا الى جنب بقية المذاهب والمكونات، ولم يستطع احد ان يلصق بهم تهمة خيانة مذهبهم! كون تفتيش العقائد المذهبية والدينية لم يكن لها وجود في العقلية الثورية التي تناهض الظلم.
وبالتزامن مع جريمة الابادة الجماعية لقوميتنا، استأنف الشعب الكوردي في جنوب كوردستان ثورته من جديد، وبعد مشاركة عدد من نخب الكورد الفيليين، لم يتحدث احد عن غيابهم وتقصيرهم القومي، لان الابادة الجماعية (الجينوسايد) كانت قد حطمت عمودهم الفقري، بتواجدهم الاقتصادي والسياسي والديموغرافي، ولم يبِد ذلك شعورهم وتوجههم القومي لصالح المذهبية.
بشكل عام شارك -الفيليون- في جميع التحركات والحركات التقدمية والديمقراطية والاممية، ولكن عندما تم تحويل الدين والمذهب الى ساحة للنشاط السياسي وجذب عواطف الاعضاء، بخاصة في بدايات ثمانينيات القرن الماضي حيث اصبحت ظاهرة عالمية، ليس فقط للكورد الفيليين ولكن للجميع تم تحليل النشاط تحت ظل الاسلام السياسي ولم يتم تعريفه بانه مضاد للقومية. ولا شك ان الفيليين شاركوا في الحراك الاسلامي الشيعي مثلما شارك الكورد من المذهب السني في الحركة السياسية الاسلامية.
التاريخ والحوادث التأريخية لم يكن لها تفسير واحد ورواية واحدة. فجرائم صدام تعدت كل الحدود ولم تعف اي دين او مذهب، ولكن اذا قيل ان الفيليين تمت ابادتهم بسبب كونهم شيعة، فهذا يعني ايجاد ذريعة طائفية للقتل الجماعي الصدامي. وهذا النوع من الكلام والتفكير يسوّغ للقاتل قرار المجازر والانفال ضد شعب كامل.
النشاط السياسي من منطقة الى اخرى لديه اساليب وتوجهات مختلفة متأثر بالبيئة المجتمعية المحيطة بساكنيها، ومنطقة تواجد الكورد الفيليين ليست باستثناء، اما بالمعايير الداخلية لكوردستان المعمول بها فعليا، يتم تقييم المواقف السياسية وفق توجهاتها المذهبية وبخاصة للكورد خارج الاقليم وهذا مسار خاطئ، فعلى سبيل المثال لم نشهد فعليا والى الان تلك الهالة المحيطة بالكورد الفيليين من جهة ثقلهم بالخارطة السياسية الشيعية مثلا، فالفيليون كما البقية لديهم توجه قومي ومذهبي، متأثرا بكل ما ذُكر.
والحقيقية الدائمة، فان التوجه الكوردي الانساني كان ولازال معطاءً لبقية المكونات والمذاهب، على العكس من التوجه "الطائفي" فكان سبباً كبيراً بنخر الجسد القومي ولذلك امثلة عديدة يؤسف عليها.
لقد حان الوقت الذي يتم فيه تعريف المكونات بنظرة انسانية، وليس بالطعن والاتهام، والا فان اي فرد كوردي ملتزم بالأديان والمذاهب لا ينكر ولا يستحي من افكاره الدينية والمذهبية؛ ولكن قيادة الحركة القومية والسياسية الكوردية يجب ان تسعى، مع هذه الحقيقة، ان يفتخر كل فرد كوردي بوجوده القومي.