علي حسين فيلي/ هناك درس صعب يجب ان نتعلمه لأهميته وهو ان اخطاء الانسان في بداية مشوار حياته يمكن ان نشبهها بعابر سبيل وثم مع الوقت تصبح ضيوفاً مألوفة وبعدها تتحول تلك الاخطاء فتصبح من اصحاب الدار، واليوم اخطاءنا اصبحت صاحبة القضية.
الاخرون يقولون ان نظرة الفيليين فيها الم عظيم، وحقيقة هناك الكثير من تفاصيل معاناتنا لم تذكر ولم يتطرق اليها حتى في محكمة الجنايات العليا، ونحن وبعد كل هذا الوقت مازلنا نبحث عن فرصة حتى نبين حجم هذه المأساة وهذا خطأ كبير، وكما يقول سقراط "الحياة غير المدروسة ليس لها قيمة للعيش". إن اي فعل او قرار يمكن ان يضرنا اذا لم يكن مدروساً، وان مشكلتنا تكمن في ان اسلوب طرح القضية ومتابعتها وخير دليل على ذلك بين الحين والآخر يطرح شخص او اشخاص محددون جانب من جوانب القضية وعندما يصطدمون بأي عائق يتراجعون ويشعرون باليأس ويترك ذلك الملف طي النسيان، لذا ظهور العشرات من المنظمات والجمعيات وحتى الاحزاب الفيلية برغم انها ظاهرة صحية لممارسة الحق حسب قناعات ورؤى تلك الجهات كأمر حضاري يمثل ثمرة من ثمرات الحرية، ولكن ذوبانها او انتهائها لاي سبب يبقي اثاراً سلبية لمدة طويلة وتدون الذاكرة اسمها وعنوانها في خانة المحاولات الفاشلة مهما كان سببها.
ونستغرب استمرار بعضنا على بعض النهج وهو تأسيس وهدم وهكذا لتكرار المحاولة من دون الاستفادة من الاخطاء او تقديم مشروع جديد ينقل شريحتنا من واقعها.
انا اعتقد ان هناك ارشيفا لجهود فردية حول قضيتنا ولكن العمل الجماعي كان متلازماً مع اليأس، وبصورة اوضح هناك مسميات كبيرة لكنها غير مثمرة وبدون رأي مسبق وبحيادية ومهنية لابد ان نسأل كيف تأسس مجلساً للشيوخ والعشائر وانت بلا عشيرة؟ ناد بدون لاعب، ولواء بدون مقاتل، ومركز ابحاث بدون باحث، لذا من المؤكد ان النتيجة ستكون لاشيء. وبدون اساءة للاسماء التي ذكرنا نقول ان شريحتنا زاخرة بالامكانيات والطاقات البشرية المهنية لكن ليس هناك ايمان بالمشاركة والحضور وانجاح هكذا مشاريع، ولو نشبه سقوط صدام بالمعجزة التي احيتنا، ولكنها للاسف لم توحدنا.
اليوم نحن اصحاب مقاعد الحزن الدائم ومازلنا لانميز بين الهجرة الطوعية وبين الابعاد القسري والعمل الطوعي الذي يخصنا والعمل الوظيفي، بعد ان ادمنا مصطلحات الهوية والمظلومية والتضحية والوفاء والايثار وهذه هي ثروتنا الوحيدة كخزين الوثائق التي نستخدمها في احياء قضيتنا في ظل المسار القانوني والاداري وليس مجرد طرح الاراء بالشكل المعتاد الذي يؤدي الى رسم صورة مفادها ان الفيليين ليسوا قادرين على خلق اجواء لاتخاذ القرارات التي تنتج اساساً لثقافة تلم الشمل وتوزع الادوار في تحمل المسؤولية وليس التخلي عنها.
انا لا اشعر بالاستغراب لو ان حكومة اوباما لاتتطرق الى قضيتنا ولاتعرفها اصلا، ولو ان هناك سفيرا عراقيا محترما حاملا لقب "فيلي" وهذا ينطبق على بقية الدول، فالملف الفيلي ليس ضمن اجنداتهم لان موضوع الابادة الجماعية للكورد الفيليين لم يأخذ طابعا دوليا بسبب كون العراق ليس عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وحتى الامم المتحدة اجدها قد سهلت علينا الامر بعدم ذكر الفيليين فأنطبق علينا الوصف اننا شريحة بلا وطن وهذا الوصف يطلق رصاصة الرحمة على اصل القضية.
صحيح اننا بسبب التهجير القسري والطوعي وبسبب انتمائنا الى قومية غير عربية قد مورس بحقنا اسلوب الصهر القومي وبسبب انتمائنا الى مذهب مظلوم ومضطهد على مدى مئات السنين صدرت ونفذت بحقنا احكام الجائرين، وهذا كله زرع الخوف في قلوبنا من ذكريات مؤلمة وبرأيي هكذا نظرة وطريقة في التعامل سببت سلب الارادة والثقة. انها اكبر تراجيديا انسانية كوننا لانستطيع ان نمارس حقنا في الحياة وقد اوصلنا هذا الى طريق مغلق يحف به وادي الكآبة والانفعال والعصيان والتمرد المعنوي والكلامي والانتحار في مذبح القتل بلا هوية.
استغرب من عدم قدرة ذوي آلاف الشهداء والمغيبين من اثبات اعداد الشهداء بتقديم الادلة الدامغة، اذ برغم الجهود الحثيثة للمنظمات والجمعيات الفيلية والجهات الحكومية والاحزاب المعنية فان اسماء الشهداء والمغيبين الموثقة لم تتجاوز الخمسة آلاف فقط وهذا ما يخلق شرخا بين الآراء حول تعداد الشهداء، وانا شخصياً متأكد ان عدد الشهداء هو اكثر بكثير من الخمسة آلاف. ولكننا نحتاج إلى ادلة ووثائق مثبتة لاسماء الشهداء، وللاسف هذه الثقافة الخاصة بالتدوين والارشفة الخاصة لم تصلنا او نستوردها بعد بالرغم من عقود من معاناتنا، ونعي جيدا ان اكبر القضايا الانسانية عبر التاريخ تمت عبر ادلة دامغة.
فمن الممكن ان يتم تعويض ما خسرناه ماديا، لكن هل ذلك يسترجع الشهيد، لا اعلم البخل الذي اصابنا لماذا زحف الى هذا الملف الحساس.
على ضوء ما اوضحنا لابد ان نقول ان موت اي انسان فيلي يدفن معه جزء من ارشيف وثقل قضيتنا، اذ لم نتمكن ان نجعل حجم شهدائنا المضحين رأس مال يتقارب مع مستوى التضحيات. وهنا اذكر في محكمة الجنايات العليا رئاسة المحكمة والمدعي العام آنذاك وبكل صراحة قالوا لنا "مع الاسف الشديد ان فريق دفاعكم ليس بمستوى هذا الملف الكبير والمهم"، ونحن نعلم ان آراء الشارع والجهات المعنية كانت كلها متعاطفة مع هذا الموضوع. وهذا الفريق لحد اليوم لم يتمكن من تدوين سيناريو او صورة واضحة لما جرى خلال جلسات المحاكمة في تلك الفترة المهمة من المليئة بالادلة والوقائع والافادات والذكريات وشهود العيان.
للتاريخ نذكر ان رجال القانون من المحامين الفيليين المحترفين قد رفضوا تشكيل فريق لمتابعة وتولي هذا الملف واذكر آنذاك السيدة جنار سعد وزيرة الشهداء والمؤنفلين في حكومة اقليم كوردستان قد خاطبتني مرات عديدة حول ضرورة مساندة ما اقترحنا بتشكيل فريق من محامي الكورد الفيليين لتولي هذا الملف، ولكن في النهاية شخصان فقط من ابناء شريحتنا استجابوا الى هذا الطلب وهذا امر يستحق التقدير والثناء بعيدا عن موضوع حرفيتهم ومدى تجربتهم. حالنا حال الاخرين ليس هناك سبورة مكتوب عليها مصيرنا، بل نحن قادرون ان نكتبه وهذا يقع على عاتقنا وليس على الاخرين.
نحن اصحاب ثلاثة توجهات: الاولى اننا موالون للقومية حسب الانتماءات السياسية والثانية اننا اتباع المذهب حسب معطيات الواقع والثالثة هناك من وضعهم لامذهبي ولاقومي وعندهم قناعات اخرى وجميعنا حائرون بسبب التشظي السياسي الذي صنعته ايدولوجيا المكونات الرئيسية الخانقة، وكلنا نتعرض للابتزاز من هذا الطرف او ذاك من دون ان نحصل على حقوقنا. طرف يريد تذويبك والاخر يريد استغلالك من دون الاخذ بالاعتبار خصوصيتنا التاريخية ويريدون ان نصبح كثيري الحذر والشكوك حتى لانجرحهم او نحملهم عبئا اكبر.