يوسف محمد الفيلي/ منذ سنين ومزاج العراقيين يميل إلى القضايا الطائفية أكثر منه إلى القومية او المدنية، وحتى بالنسبة للفيليين ينطبق هذا الامر عليهم كما هو الحال في إقليم كوردستان ايضاً كلّما نرى مجموعة من الأحزاب السياسية وثقل الإسلام السياسي فيها خاصة التابع لمذهب معين يغطي مساحة أوسع بشكلٍ ما، فهناك 16 نائباً في برلمان إقليم كوردستان ينتمون إلى هكذا أحزاب وتشكيلات طائفية بامتياز على الرغم من وجهة نظرنا كامر طبيعي هكذا ممارسات، وهذا يبين انه ليس الانتماء القومي بل الانتماء المذهبي هو الفيصل بالنسبة لهؤلاء، ودليل على ما نقول لا يوجد شخص واحد في تلك الأحزاب من الشرائح الكوردية الأخرى، وهم (الايزديون، الشبك، الفيليون، الكاكائيون)، وهذه رسالة واضحة تدلل مضمونها بأنه ليس هناك رأي ومعتقد آخر سائد بين تلك الأحزاب، وهم أيضا غير مطلعين او لا يعترفون على واقع الحال من حولهم.
بالماضي القريب الايدلوجيات كانت تقدمية ويسارية وقومية، وكان لها رونقها وكل حسب توجهه، وبما يخصنا نحن الكورد كان انتماؤنا القومي واضحاً بالنسبة للانتماءات الأخرى من حولنا، اما اليوم وبعد الحروب التي خاضتها الأنظمة الشوفينية، وبعد اضمحلال المعسكر الاشتراكي هناك بديل قوي برز على الساحة باسم الإسلام السياسي بطابعه الطائفي، وذلك جراء حرمان النّاس من الديمقراطية والحرية والرفاه الاجتماعي والامن والعدالة، وهذه الأمور دفعت الى الانعطاف للتوجهات الطائفية والايدلوجيات العنفية المتمردة التي دفعت الى تشكيل جماعات متطرفة، ومن الذين لا يؤمنون بهذا الكم الهائل من التحولات، اقترح عليه على صفحة (غوغل) في شبكة الانترنت ويبحث في الصور عن ملابس العراقيات في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، والتي لا يمكن لاحد الآن ان يتصورها، وممّا يؤسف له ان هذه الظاهرة تسببت بانفكاك اللحمة العراقية بكل شرائحها.
واما القومية فكانت هي التي تجمعنا نحن الكورد، وأصبحت اليوم الطائفية هي من تباعدنا وتعزلنا وتفككنا، وهذا الامر في العاصمة العراقية بغداد واضح وجلّي جداً فالشيعة يصوتون للشيعة وكذلك السنة مع تراجع الديمقراطيين واللبراليين والتوجهات اليسارية وغيرها.
النّاس اليوم لا يهمهم مَن يكونون، وأين يعيشون بقدر ما يحتاجون إلى نظام سياسي، ومجتمع يقدم لهم مفهوم الحياة والعيش الكريم، مثال على ذلك شعبنا الكوردي وبكلّ وضوح يفهم معنى النضال والتهديد والخطر، والسعي وراء تحقيق العدالة، واما الشعوب الأخرى في المنطقة شعروا بما كنّا نعاني من اجله عندما تعرضوا الى الخطر وبشكل مباشر داخليا كبروز التنظيمات المتطرفة، وخارجيا وفود المقاتلين والدعم لتلك التنظيمات.
الكورد والشيعة والسنة يدركون جيداً ان تنظيما مثل داعش هو الخطر الحالي والمستقبلي لهم، ولا ننسى ان هناك حقيقة مرّة وهي ان ضحايا الحروب الجارية يلجأون إلى اية بقعة تحويهم مع تقبل جميع المخاطر التي تحدق بهم اثناء رحلة الخلاص، وهم ايضاً مستعدون لكي يتمّ تسهيل امورهم ان ينكروا هويتهم ويزورن الدين والمعتقد والقومية ويتعدى ذلك الى الالتصاق بوطن اخر، وهذه الحقيقة المؤلمة هي المخرج الوحيد لقبولهم وبقائهم في البلدان التي يتوجهون إليها. وهذه الكذبة الكبيرة التي يعيها الطرفان، لكن للاطر الانسانية قد تكون تلك جواز المرور للمبتغى.
كلما بقيت المشاكل الرئيسة على ما هو عليه تصبح مفاتيح الحلول صعبة المنال والاقفال تزاد إحكاماً، والفيليون بفقيرهم وغنيهم يعيشون في بلد لم يجدوا فيه الخير والأمان فهل يبقى للنضال والدفاع عنه شيء؟
في هذا المجال لسنا بصدد الترويج الى نوع معين من الالتزام، لان مفهوم التوجه القومي والالتزامات السياسية لديها تفسيرات واسعة تؤدي في بعض الاحيان الى اصتدامات واسعة بين متضادين على مستوى الاشخاص المجتمعية والشرائح، لذا لدى الفيليين معنى ومفهوم للالتزام يحمل مجموعة من مدلولات والاعتبارات المروهنة بالواقع البيئي ومستوى الوعي لان حتى الالتزام بالايدلوجيات غير واضحة المعالم بسبب تعدد المرجعيات.
ونودّ هنا ان نقول من هو الرابح؛ المهاجرون الذين تركوا البلاد ام الباقون، ام ذلك الذي يفكر بالعقل والمنطق ام ذاك الذي هو باقٍ بالأمل ويعيش هواجس التشريد والتشرذم، وهنا يجب ألا نخدع انفسنا فإن قضيتنا مثل (صخرة سيزيف) كلما رميتها للخلاص عادت الى مكانها السابق، لا بد الا ننسى اولئك السائرون برحلة العمر، هم مواطنون انسانيون يجازفون بحياتهم ويتركون كل شيء للوصول الى بر الامان، وحتى هذه الرحلة فرضها الواقع المرير وكالمعتاد فالاختيار حق مسلوب منا.