علي حسين فيلي/ كبر ارض العراق، يجعل ضياع شيء فيها شبه الاستحالة ايجاده، وبطبيعة الحال الامر طرديا ينطبق على ساكنيه الذين وبكل برودة شدوا الرحال وتواروا بضباب المدينة ومنهم من فقد داخل عاصفة القومية او غرق بسيل مطر الطائفية، او ارتضى لنفسه التحرك برياح السياسة، فيكتمل المشهد باكتساء لغربة الانسانية، والمتبقي، موطئ قدم لذكريات من الممكن ان نحييها كل عام.
دلائل التاريخ المجتمعية والسياسية والثقافية وحتى الاقتصادية جعلت من حيث نعيش اشبه بكانتونات -ادارات- مغلقة، فقدرة وامكانية الحوار وما تحويها من مهارة وقابلية فقدت من يدينا، واصبحت كل فئة تلجأ الى عالمها الخاص، ونتيجة حتمية لذلك، اكبر المظلومين المتبقين ومن ضمنهم الفيليون في هذا البلد الذي تناسى ان يوما ما ابناء هذه الشريحة اثروا الثقافة وبناء المجتمع واصبحوا من كفاءاته ويعتريهم طموح لا حدود له.
هذه الشريحة وبالرغم ان احدا لم يسألها أهل انقلاب عبد الكريم قاسم قرار صائب أم لا؟ فهم فردا فردا دفعوا ضريبة مضاعفة، وبنسخة كربونية للحال اليوم لم يأخذ احد رأيهم عن طبيعة الحكم في العراق الجديد، وهنا لا اريد ان اذكر مجددا بما عانوه، فقد اصبحوا اكثر شريحة بلا تكلفة، فلم يقدم الكثير على شكرهم صوب تضحياتهم، فهم مجبورون على الاستمرار.
واليوم بدأت تبرز "ماركة" العرق والطائفة والقبيلة، وادى ذلك لتهافت المواطنين على تسجيل ماركاتهم الخاصة، وقدموا الولاء والبيعة لها وهذه حقيقة لا تنكر بسهولة ولن تتغير.
هذه الظاهرة اصبحت هوية، كالقطاع الخاص الذي تتنافس فيه جودة الماركة، لكن ماذا لو طبقناها على الفيليين؟، فهم التصقت بهم المظلومية والمعاناة وهذه بطبيعة الحال لها تاريخ استهلاك ونهاية، بالرغم من كلفته ووقعه المر وتبعاته المادية والمعنوية فليس من السهولة ان تتناساه، فإلى اليوم مصطلح التبعية لازال ساري المفعول في العراق، ماذا.. أهذه ماركتنا المسجلة؟ يبدو ذلك، فالشعارات لم تعد مؤثرة فهي نسخة مستمرة منذ عقود.
الحقيقة المرة، الى 2003 اكثر المعترفين المتمسكين بفيليتهم هم من المهجرين، ومن المتبقين داخل العراق ممن استفاد من ماركة القومية والقبيلة وسلخوا عن اصالتهم وكانوا مجبورين على ذلك، فأصول ماركتهم غير معترف بها وكما اشرنا مكلفة وضريبتها باهظة.
كشخص امضيت اكثر من ثلثي حياتي في مجال الاعلام، اعترف القول ان اسلوب التعامل فيما بيننا من نخب وبقية العوام يعود لعقود مضت فالشعارات هي عينها مع تقديم وتأخير البعض عليها، والانكى من ذلك نحن بعد 13 سنة في العراق الجديد مازلنا بطور تصميم طرحنا والنتيجة الى الان غير مكتملة، وهذا شجع الا تنافس بيننا بل واصبح منعدم الوجود.
وابرز مثال على ذلك لتفعيل ملف جينوسايد الفيليين اوساط الشريحة خالية من البيانات او التبليغات، وهذه فاجعة، فابناء اليوم من الفيليين لم يلقنوا جيدا او يعوا بالكامل ما هي اهدافهم او بماذا يجب ان يلموا، او كيف تكون ماركتهم، فالعمل يكون من داخل بيتنا، ويجب الا تصبوا اعيننا على الاخرين، فالسيناريو الموضوع مبني على منظرين متناقضين، اما يعتليه التشاؤم او باحث عن التفاؤل، فالأول واغلبهم من الحرس القديم، يكون متخوفا من فقدان ارث هو في الحقيقة غير مدرج في البورصة الحديثة، وعلى الطرف الثاني هناك من يبحث عن احياء وتفعيل الملف وطرحه من جديد لكن من الناحية النظرية فقط لأنه غير قادر على ان يجمع اراء وإمكانية خمسين + 1.
بالابتعاد عن موضوعة التشاؤم والتفاؤل، فاننا نستطيع احداث التغيير، فيجب مجرد القول اننا فيليون تكون ماركة مسجلة بظروفها المختلفة لخصوصيتنا، يجب الا نجعل من تشتت بيتنا الداخلي انعكاسا على مشهدنا الخارجي.