تحقيق ـ عبد الصمد اسد ـ الجزء الاول..
تاريخ قِدَمْ الرياضة، مثلها مثلُ قِدَمْ جميع اشكال تاريخ وجود العلوم والابتكارات واصول الشعوب وحضاراتها، ولايمكن التوثيق الكامل بان اي من تلك الحضارات، كانت هي اول من اوجدتها في كل التاريخ البشري، كما تدعي بحوث عديدة، ومتعددة المصادر كتبها علماء دول صاحبة الحضارات القديمة مثل: سومر، مصر، اليونان، وغيرها من الحضارات القديمة.
وعلى الرغم من كل تلك الادعات، الا انها تؤكد على ان الرياضة، قديمة قدم العصور، والحضارات المختلفة، وكانت تقتصر ممارستها حينها على الجري وتنمية القوة الجسمانية وركوب الخيل والرماية من اجل الصيد والحروب، وتطورت وتنوعت مع مرور الزمن.
واما الحديث عن البداية الحقيقية لممارسة انواع الرياضات الحديثة، فيبدأ على اقل تقدير صعوداً من تأثير الرياضة البريطانية والقواعد المقننة التي بدأت تنتشر في جميع انحاء العالم ومنها العراق بعد الحرب العالمية الاولى وانهيار الخلافة العثمانية.
وموصولا بذلك، حين تم تأسيس الدولة العراقية العام ١٩٢١، اثر الاحتلال البريطاني للعراق صارت انواع الرياضة الحديثة تمارس في المعسكرات والملاعب الترابية والمدارس، ثم انتشرت بشكل كبير في جميع انحاء العراق.
ففي العام ١٩٤٦تم تأسيس اول جمعية ومدرسة للكورد الفيليين من قبل التجار والمثقفيين في بغداد، وفي العام ١٩٥٦ تشكل اول فريق شعبي لكرة القدم وبعده في العام ١٩٥٧افتتح الكورد الفيليين اول نادي رياضي، واما في العام ١٩٥٨تم تأسيس مدرسة ثانوية بدعم ذاتي ايضاً، دون مساعدات مالية من الحكومة.
وبما ان الرياضة اصبحت من ضمن الدروس والواجبات المدرسية بشكل عام في المدارس، وينال الطالب الدرجة اسوة ببقية الدروس في الامتحانات، تشكلت فرق مدرسية ومنها في مدرسة الاكراد الفيلية الابتدائية التي تعتبر من اوائل المدارس الاهلية التي تأسست في العراق.
وقد اشتمل النشاط الرياضي على رياضة، كرة القدم.. السلة.. الطائرة .. كرة المنضدة،اضافة الى العاب القوى، وتنافست على المراكز الاولى في بطولة كأس وزارة المعارف التي كانت تسمى في العهد الملكي، وكان الاستاذ عبد الامير سعداوي هو اول معلم يشرف على الرياضة في المدرسة نهاية الاربعينات واوائل الخمسينات.
وبفضل تلك النشاطات الرياضية المتقدمة برز جيل موهوب من طلاب مدرسة الفيلية، اضافة الى ظهور عدد اخر مثلهم في منطقة عكَد الاكراد، الذي تأسس فيه فريق شعبي بكرة القدم، صار له شأن كبير في الملاعب الشعبية، مما اهل العديد منهم ان يصبحوا نجوماً لامعة من خلال تمثيلهم لفرق المؤسسات والاندية البارزة والمنتخبات في العراق لعدة عقود.
وبناءً على ذلك، كما يقول شيخ ورائد الرياضيين الكورد في العراق اللاعب والمدرب السابق بدري علي شمه، حين تم في عامي ١٩٥٦ و ١٩٥٧تأسيس أول نواة رياضية للكورد الفيليين على مستوى اوسع ايضاً في بغداد، واجهتنا صعوبات في استحصال الموافقة من وزير الداخلية حين ذاك “سعيد قزاز”، بناءً على تقارير سياسية كانت ترفع له من الاجهزة الامنية، ورغم ذلك حين وافق على منح الاجازة صار هو اول رئيس شرف للنادي.
وعن هذا الحدث الرياضي الهام في تاريخ الكورد الفيليين اكد الرائد الرياضي بدري على ان النادي وكما المدرسة اعتمد على التمويل الذاتي من التجار والميسورين الفيليين، وان لهاتين المؤسستين دور كبير وفعال دون تمييز في تخريج واعداد جيل ثقافي وعلمي ورياضي وسياسي من معظم الانتماءات العرقية والدينية التي ساهمت في النهضة العراقية منذ اوائل تأسيس الدولة العراقية الحديثة..
ففي مجال الرياضة، يستحضر من ذاكرته الوقادة وهو على سلم الثمانينات من عمره المديد تفاصيل كثيرة واحداث كبيرة من المعوقات التي اعترضت تشكيله لفريق شعبي ونادي يصعد به الى دوري الدرجة الاولى في ظل ظروف سياسية محلية ودولية معقدة، فيقول “ بغض النظر على الوقائع يمكن رياضياً أن نطلق عليه العصر الذهبي لابطال الفيليه في أغلب المسابقات والبطولات المحلية للنشاطات الرياضية المدرسية الفردية والفرقية، وبروز عدد من المواهب من بينهم، على الساحتين المحلية والدولية من خلال تمثيل العراق ضمن المنتخبات الوطنية في البطولات والدورات العربية و الاسيوية و الاولبية وتحقيقهم الكثير من الاوسمة المتنوعة و خاصة الذهبية منها.
ويضيف شمه“ البداية كانت العام ١٩٥٦، فبعد انتشار لعبة كرة القدم وتشكيل فرق شعبية، رغبت بتشكيل فريق بكرة القدم، وبتشجيع محبي الرياضة الصديقان كامل كرم المعلم في مدرسة الفيلية، ومحمد عبد الحسين، بادرت الى تحقيق ذلك من شباب المنطقة، ولم يقتصر فقط على الفيليين بل انضم عدد من الاخوة العرب والتركمان ايضاً الى الفريق، وصادف توقيت ذلك مع العدوان الثلاثي على مصر فأطلقنا على الفريق اسم بور سعيد تيمناً بصمود المدينة المصرية، وتكون الفريق من المرحوم شوكت صادق، والاخوان صاحب ومحمد مشهدي، خليل ابراهيم شمه، محمود اسد، قيس مصطفى، فريد شمه، جلال عبد الرحمن، ابراهيم مرزه، اسماعيل الاسود، محمد رحيم، جبار محمود، المرحوم كاظم مجيد، جواد عنتر، المرحوم اسكندر محمد علي، عباس منجل، وعلي محمود نادر”.
وبعد عام من تشكيل فريق بور سعيد وبروز الاسم بشكل ملفت كما اضاف السيد بدري “ راحت اجهزة الامن والشرطة ترفع تقارير تشكك في وجود غاية سياسية من تأسيسه، باعتبار ان شباب ورجال منطقة (عكَد الاكراد) شيوعيين وقوميين كورد، لذا اضطررنا الى تغيير الاسم الى فريق الطليعة الاهلي”.
واما عن تأسيس نادي الفيلية في العام ١٩٥٧، حسب قول السيد بدري علي شمه، تحقق بناءً على “رغبة وطلب مجموعة من شخصيات ووجهاء الكورد الفيليين وشباب المنطقة منه، لتأسيس نادي باسم ( نادي الفيلية الرياضي)”، وللتاريخ كما اوضح السيد بدري ان الفضل في ذلك “يعود الى الرعيل والرموز الاوائل في ايجاد ذلك المشروع الرياضي ودعمه مادياً ومعنوياً وهم السادة:ـ محسن فيض الله..عبد الرزاق العلي .. نعمان مراد.. محمد حسن برزو..شعبان نور علي..جبار مصطفى..محمود عبد الرحمن..حسين علي مراد.. ومسلم عبد الله.. مصطفى مرتضى.. وعبد الله علي الادهم الذي انتخب من بينهم كرئيس لاول هيئة ادارية للنادي، دون مشاكل او غش او مناورات وحساسية كما يحصل اليوم في جميع الاندية في العراق.
وحين تأسس النادي كعادة الكورد الفيليين ووجودهم واختلاطهم بمختلف شرائح الشعب العراقي انظم الى فريق النادي، من الاخوة العرب، ملك التغطية المرحوم عبد كاظم، الذي كان بداية انطلاقته الكروية منه، وكذلك ملك الرمية الجانبية الطويلة الكابتن باسل مهدي، اضافة الى الحكم الدولي المرحوم صبحي اديب، وخاضوا اول مباراة رسمية معه في دوري الدرجة الاولى.
اما بقية اعضاء فريق النادي تألف من حامي الهدف المعروف انور مراد، بدري علي شمه، ولي مسلم، فوزي محمد مهدي نياز، فيصل درويش، جواد رحيم الحيدري، عبد الرزاق علي حيدر، عبد جان، عبد الرزاق بادي، جمال قادر فاضل علي، فؤاد لفته درويش، كامل عباس”،
وفي العام ١٩٦٣، وكعادة حقد البعثيين الشوفينيين تجاه الكورد واليسار، تم غلق النادي فور استلامهم الحكم، انتقاما وخوفاً من نشاطاتهم كونهم من المناصرين والمدافعين عن ثورة ١٤ تموز.
وفي ظل العودة البعثية المشؤمة الى الحكم في العام ١٩٦٨، اقدموا بعد عامين، اي في العام ١٩٧٠ بتهجير حوالي مئة الف عائلة من الكورد الفيليين الى ايران بحجة التبعية الايرانية واعقب تلك الجريمة غلق المدرستين ايضاً في العام ١٩٧٤،وفق قرار تأميم المدارس الاهلية في العراق، ولم يعد لهما وجود، وبعد زوال حكم البعث الصدامي العام ٢٠٠٣، تم فتح النادي من جديد، ولكنه مع الاسف ليس بالمستوى السابق في نشاطاته الرياضية. وفي الجزء الثاني من هذه المحطات المشرقة في تاريخ الكورد الفيليين سنستكمل بقية المحطات المشرقة كي تتعرف الاجيال على بعض من المحطات العديدة التي برع وساهم فيها الاجيال التي سبقتهم في المشاركة في بناء عراق العصر الحديث