علي حسين فيلي/ نحن اصحاب الراديو "الشهيد"، كنّا وفي منتصف كلّ عام- قبل الفاجعة المالية التي حلت بنا- نحتفل بمناسبة تأسيس ذلك الراديو، الوحيد الذي يمثل لهجة حيّة لشريحةٍ مفقودة في الماضي وفي الحاضر، وفي هذه السنة لم نحيي هذه المناسبة كما كنا مشاركة ابناء الاطياف جميعها، بل وقفنا على اطلال غلفت بكفن، واستذكرنا ما قدمناه من خدمة.
ونود ان نقول ان هناك نسبة وتناسباً بين الاحياء واللغة التي يتكلمون بها وفي حال عدم الاهتمام بهوية قوم ولغتهم التي تعد هي الاساس لاثبات الانتماء فلا يبقى هناك قدسية للكفاح عن وجودهم، وكنّا نتوقع في هذه المناسبة التي اصبحت ذكرى ان نسمع اصوات ابناء شريحتنا تنادي بالفقيد وهو "راديو شفق"، وكنّا نفكر دائماً ان الاحياء من اصحاب القضية وهم كثر ماضون على ما عليه الراحلون المضحون لها، ولكنّه وبرأيي أن النوائح من شريحتنا اللواتي يقصدن مقبرة وادي السلام على الراحلين هن أكثر المهتمين بتلك اللغة من مدعي الثقافة واصحاب القضية والمتصدين لها كل وحسب هواه في هذا الوقت.
نحن نؤمن ونعتقد ان راديونا كان اكبر بكثير من هذا المصطلح لما يحمله من خصوصية اعلامية لأنه كان صرحاً لبناء اللهجة المغدورة التي اندثرت معالمها بمرور الزمن، اكثر من شهرين مضيا على اغلاقه، وهذه المرّة لم يظلمنا احد ولكنّ كنّا لأنفسنا ظالمين بهذا السكوت الثقيل والمفزع واللامبالاة على ترك هذا الصرح ينهار امام اعيننا ونقف امامه متفرجين وكأننا مشتركون بالحفر لوأده بايدنا، وهذا يدل على نسبة الالتزام والتضحية من اولئك الذين طالما ابرمونا بالحديث عن مظلومية هذه الشريحة وهم ليست لديهم القدرة للحفاظ على المكتسبات المتحققة لهم سواء كانت بايدهم ام بايدي غيرهم.
راديو شفق أكثر من عقدٍ بالثواني والدقائق والايام والاسابيع والشهور التي مرّت به اثبت وبحجم الاذان الصاغية في العاصمة بغداد ان للفيليين وجوداً وثقلاً تراثياً وادبياً وسياسياً واجتماعياً، وفي أكثر من عقد وبالسراء والضراء كان الراديو يواكب مع مستمعيه فسحة الأمل لهذه الشريحة، ولا نبالغ ان قلنا ان الراديو اصبح عروة اخاء ومحبة ورسول سلام للتعايش بين جميع البغداديين بمختلف اديانهم وطوائفهم وقومياتهم وانتمائتهم.
ومن الجميل أن يتعرف النّاس وعن طريق هذا الراديو على شريحة الكورد الفيليين، وهناك سؤال يطرح نفسه هل هناك شعب او مكون او شريحة في العالم تعتز او تفتخر بالتخلي والاستغناء عن لغتها مثلما نرى عليه شريحتنا بالسكوت والصمت المطبق؟ بكل صراحة وصدق وبعيداً عن اية مجاملة اخاطب جميع منظمات وجمعيات الكورد الفيليين ومع تقديرنا وشديد اعتزازنا بجهود المخلصين منهم فالنتوجه الى محرك البحث على الانترنت ولنبحث عن مواقع تلك المنظمات والجمعيات ولنرى حالياً ما هو حجم نتاجها للشريحة؟ ولتكون البداية باللغة الام وننتهي باي مسمى اخر له حضور ملموس على ارض الواقع في ظل هذا الكم الواسع والذي يحتوي العالم بأسره بلا قيود ولا اجبار فسنجد اننا قد حرمنا انفسنا من هذا ايضاً فلم نعزز وجودنا داخل هذا المتاح للانسانية جمعاء.
واخيراً هناك ثلاثة حروف وهي (شفق) تمكنت من ان تؤسس تاريخاً لها بالالتزام مقابل اولئك الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه لغتهم وحقوقهم وبما يمتلكونه من اعتزاز بالهوية على الرغم ممن يذكرها او من الذين اعتادوا الصمت والتناسي لتلك الجهود المبذولة، او حتى من الطرف الاخر الذي نستمع منه المديح لما فعلنا ودون تاريخيا فلا يكفي ذلك بل لم يعد له محل من الاعراب ان لديك شيء تريد قوله ففعل وساعد بدل القاء الحروف والخطب، اقدم على حملنا لانقاذ ما يمكن انقاذه واعادة الحياة لشفق.