شفق نيوز/ يرى مراقبون ومحللون انه برغم تزايد شعبية القادة حول العالم خلال جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن ارتفاع نجمهم ليس سوى ظاهرة مؤقتة، والتاريخ خير شاهد على أنهم سيخضعون لحسابٍ قاسٍ بعدما يضع الفزع أوزاره، وتهدأ عاصفة الأزمة؛ حسبما يخلُصَ إليه تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية لرئيس مراسليها الدبلوماسيين في أوروبا، ستيفن إيرلانجر.
يبدأ ستيفن تقريره قائلًا «وصل الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي لم يحظَ مطلقًا بشعبية كبيرة، إلى أعلى مستويات التأييد في فرنسا منذ ظهور فيروس كورونا. وفي إيطاليا المنكوبة، حقق رئيس الوزراء جوزيبي كونتي نسبة تأييد ملحوظة بلغت 71% بزيادة 27 نقطة. حتى في بريطانيا، حيث تخبط رئيس الوزراء، بوريس جونسون، في اتخاذ استجابة قوية، ثم مرض هو نفسه بشدة نتيجة إصابته بالفيروس، إلا أن حكومته هي الأكثر شعبية منذ عقود».
يتابع الكاتب: لا شيء يجعل الشعوب بشتى أطيافها تلتف حول قادتهم مثل أزمة مواتيه. فعندما يشعر الناس بالارتباك والخوف، فإنهم يميلون للثقة بحكوماتهم؛ لأن الاعتقاد بأن السلطات نفسها مرتبكة وخائفة، ناهيك عن كونها ليست كفؤة، أكثر مما يستطيعون احتماله. والسؤال هو: هل يستمر ذلك بعد أن تهدأ حدة الأزمة، ويشتعل لهيب الانتقادات، وتُستأنف السياسة الطبيعية؟ عادة، لا تستمر هذه الحالة طويلًا.
يكمل معد التقرير: سرعان ما تتوالى التحقيقات الرسمية بشأن الأخطاء والسقطات الحتمية، ويأخذ الناخبون إذا سُمح لهم بثأرهم حتى من أكثر القادة فاعلية. ويمكن أن نقول ونحن مطمئنين إن أولئك الذين تشهد شعبيتهم ارتفاعًا في الوقت الحاضر، كانوا أقل من فاعلين؛ نظرًا للخسائر الفادحة التي خلّفها فيروس لديه مناعة ضد تهديدات السياسيين، ولا يغفر الأخطاء.
قد تظهر أوجه عدم اليقين جلية في الولايات المتحدة؛ حيث حصل الرئيس ترامب، في سنةٍ انتخابيةٍ مشحونةٍ للغاية، على دعم بسيط لم يستمر؛ نظرًا للتناقض واسع النطاق بشأن كيفية معالجة البيت الأبيض لهذه الجائحة.
يقول مارك ليونارد مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «رد الفعل الغريزي الأوليّ هو الالتفاف حول الراية (الدعم الشعبي المتزايد قصير المدى للرئيس خلال فترات الأزمات أو الحروب)؛ لأن عدم القيام بذلك يظهر وكأنه مخالف للوطنية وبلا فائدة. ولكن لا يمكن حشد المجتمعات إلى الأبد، بل ستصل حتمًا إلى نقطة الإنهاك، وسيطرح الناس أسئلة أكثر صعوبة».
وهذا ما يقوله صراحة الأمين العام السابق للناتو ووزير الدفاع البريطاني، جورج روبرتسون: «يلتف الناس فعلًا حول القيادة، ولكنهم ينفضون بسرعة».
يتابع التقرير: ولكن في الوقت الراهن في الأقل، شهد معظم قادة الحكومات زيادة في الدعم الشعبي، فيما يجابهون جائحة طبيعية مدمرة، حتى وإن تفاقمت الأمور أحيانًا بسبب تقاعسهم أو سوء تقديرهم. ولكن المرء يتوقع بأن تستفيد الحكومات المؤهلة أكثر، وهذا ما كان عليه الحال بالفعل في بعض البلدان، خاصة بلدان شمالي أوروبا، التي فرضت إجراءات صارمة في وقت مبكر؛ ما سمح لها بإعادة الحياة إلى طبيعتها تدريجيًا هذا الأسبوع.
في النمسا، حيث يُطلب من العمّال العائدين إلى وظائفهم ارتداء الكمامات، ارتفعت نسبة تأييد المستشار سيباستيان كورز إلى 77% بزيادة 33 نقطة عن السابق. وبالمثل حظي رئيس الوزراء الهولندي، مارك روتي، على تأييد بنسبة 75% بزيادة 30 نقطة. ومع عودة بعض الأطفال إلى مدارسهم وتحضير حكومتها الدنماركيين لعودة تدريجية للحياة الطبيعية التي قد تستغرق عدة أشهر، ارتفعت نسبة دعم رئيسة وزراء الدنمارك، مته فريدريكسون، 40 نقطة لتصل إلى 79%.
وتمكن الفيروس حتى من إنعاش حكومة البطة العرجاء (مصطلح سياسي يطلق على الحكومة في السنة الأخيرة من عهدها) في ألمانيا، التي كانت تخسر الدعم لصالح كل من حزب الخضر واليمين المتطرف. وارتفع دعم المستشارة أنجيلا ميركل، التي لقي أداؤها استحسانًا داخل البلاد وخارجها، 11 نقطة ليصل إلى 79%.
ولكن حتى في البلدان الأكثر تضررًا من الفيروس، لقي الزعماء أيضًا تأييدًا يظهر للوهلة الأولى غير منطقي تمامًا. إذ شهد تأييد السيد كونتي ارتفاعًا في إيطاليا، برغم أن لديها أكبر عدد من الضحايا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وظهرت حكومتها متعثرة في استجابتها المجزّأة، وكانت دائمًا متأخرة بخطوة عن الفيروس.
ينقل الكاتب عن ناتالي توسي، مديرة معهد الشؤون الدولية في إيطاليا قولها «في وقت يشبه الحرب، فأنت تريد أن تثق بمن يحكمك، وهذا ينطبق على القادة السيئين والأكفاء. لكن حدسي يقول لي إن الأمور ستنكشف على حقيقتها في النهاية».
وهناك بالفعل إشارات تدل على انزلاق بعض القادة من ذروة شعبيتهم مع بدء نفاد صبر الشعب. ففي حالة السيد ماكرون الذي اعترف بأخطائه عندما أعلن تمديد الحظر هذا الأسبوع، أظهرت استطلاعات الرأي تراجع تأييده إلى 43% عن الـ59% التي حصل عليها في 13 مارس (آذار)، وهو أعلى معدل حصلت عليه حكومته.
يوضح كريستيان ليكيسن – أستاذ السياسية في ساينسز بو – أن ماكرون لم يحظّ إطلاقًا بتأييد أكثر من 25%، مستشهدًا باحتجاجات حركة السترات الصفراء، وعدم رضا النقابات عن الإصلاحات الاقتصادية، والتصور الشائع بأن ماكرون هو رجل الاقتصاد أكثر منه رجل الشعب.
ويضيف ليكيسن «بدأ الفرنسيون بالتركيز على الخيبات، مثل: نقص الكمامات، وما إذا كنا مستعدين لمواجهة مثل هذه الجائحة. أنا متأكد من أنه ما إن ينتهي الحظر حتى تُطرح هذه الأسئلة على الفور في النقاش العام، وسيكون من مصلحة أحزاب المعارضة إلقاء اللوم على الحكومة».
يدلل ليكيسن على ذلك بخصم ماكرون الرئاسي الافتراضي مارين لوبان – من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف – التي كانت هادئة إلى حد كبير في وقت صدمة وطنية كهذه، «ولكنها عندما تتحدث، فهي تشدد على مسألة الكمامات، وعدم القدرة على إدارة الوضع، وتجادل بأنه كان علينا إغلاق الحدود تمامًا».
أنتجت الأزمة التي أحاطت بفيروس كورونا النمط نفسه الذي تنتجه الصراعات الأكثر عنفًا؛ عندما تطفو مظاهر الدعم فورًا على السطح، لكنها تكون أيضًا سريعة الزوال، بحسب الكاتب.
ففي تشرين الأول عام 1979، حصل الرئيس جيمي كارتر على نسبة تأييد 31%. ولكن بعد حصار السفارة الأمريكية في إيران بلغ تأييده 58% في كانون الثاني 1980. ثم هُزم السيد كارتر على يد دونالد ريجان في تشرين الثاني من نفس العام.
وارتفعت نسبة تأييد جورج بوش من 58% في يناير 1991 إلى 87% بعد أن دحر القوات العراقية من الكويت. ثم خسر في 1992 أمام بيل كلينتون. كما حصل الرئيس جورج دبليو بوش على نسبة تأييد بلغت 51% في استطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب قبل 11 أيلول 2001 مباشرة. ومع نهاية الشهر كانت قد ارتفعت النسبة إلى 90%. ومع ذلك، فبالكاد حصل على مدة رئاسية أخرى بعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ.
أما التأييد الي حصل عليه السيد ترامب فكان أقل من المتوقع، فبينما حصل قادة العالم على مستويات تأييد عالية تصل إلى 70%، تراوح معدل تأييده بين 40 -45%؛ الأمر الذي يعكس قاعدته القوية، ولكنه يعكس أيضًا الانتقاد واسع النطاق لأدائه.
تقول السيدة توكي بأن أحد النتائج «الإيجابية» للفيروس هو: التشكيك في الشعبوية، وعودة الثقة للخبرة والحكومة الأكثر عقلانية. وأشارت إلى أن الطفرة القومية الشعبوية كلها كانت مرتبطة بلحظة تاريخية حين كان يمكنك اللعب بالنار. لكن الوضع الآن سيئ للغاية وأخطر بكثير، والناس لا يريدون الهراء السهل الذي يردده الشعبويون الماهرون في الكلام الإعلامي.
وتستشهد باستطلاعات رأي تُظهر أن ماتيو سالفيني، وهو شعبوي إيطالي صاخب، مستمر في خسارة دعم اليمين. في حين أن رجل المعارضة اليميني المتطرف، جورجيا ميلوني، «في اليمين العقلاني والهادئ الأعصاب وغير الشعبوي» كان أداؤه أفضل.
يقول الكاتب: ربما يعتمد الكثير من رد الفعل العام في نهاية المطاف على المدة التي سيستمر بها الشعور بالأزمة، وعلى كون هجمة الفيروس مفتوحة النهاية وغير مؤكدة. فكسر الحظر سيكون بحد ذاته محفوفًا بالمخاطر السياسية.
يقول نيكولاس دونجان الباحث في المعهد الأطلنطي المقيم في باريس «على الرغم من أننا نرى هؤلاء القادة يتخذون القرارات، لكنهم يتخذونها ليس من موقف قوة، بل من موقف ضعف وعدم يقين. فهم لا يقودون بقدر ما هم يديرون، وحالما يعود الناس إلى حياتهم العادية ولا يعودون موقوفين على أداء واجبهم؛ سيطلق الناس العنان لغضبهم بقوة، وسيؤدي ذلك إلى مزيد من عدم الاستقرار».
ويشير أستاذ الحكومة في كلية لندن للاقتصاد، توني ترافرز، إلى أن وينستون تشرشل كان مُعَظّمًا؛ لأنه ترأس الانتصار على هتلر، ولكنه أُقصي عن السلطة دون سابق إنذار عام 1945. وأضاف: «كسب الحرب ليست وصفة مطلقة للبقاء في المنصب. فعندما يختفي التهديد بالمرض، فإن نتائج الحماية من التهديد ستكون مختلفة تمامًا».
سيتعين على الحكومات أن تقرر كيف ستتدرج في العودة إلى الحياة الطبيعية نسبيًا، وكيف ستتعامل مع القضايا الحساسة المتمثلة في عدم المساواة والبطالة ومسألة الديون التي ستصعد إلى مقدمة النقاش السياسي.
يختم الكاتب بكلام مدير معهد أبحاث السياسة الخارجية البريطاني تشاتام هاوس، روبين نيبليت، الذي يقول فيه: عندما نخرج من هذا، سيبدأ الحساب. عندما يدرك الناس حجم التكاليف، ستكون هناك أسئلة حول من سيدفع الضرائب؟ وما مقدار ما تمتلكه الدولة؟ وكم سيعارض الناس الضوابط والقيود. لا تزال الكثير من الأمور غير واضحة حول العالم، ولكن هناك إمكانية لأن تهب رياح سياسية إقصائية خطيرة، وسيكون أمام القادة وقت صعب للغاية حتى حلول الخريف عندما يحين وقت سداد الفواتير.