شفق نيوز/ ما ان تنزوي تحت ظل شجرة او تتلحف بظل منزل طيني فهو يوم سعدك، واذ تتحصل وعائلتك على خيمة بالية تقيك من حرارة الصيف فانت من المحظوظين، هكذا هي الحياة في بلدة الهول السورية قرب الحدود العراقية، حيث روى سعد ناصر الفار من الموصل احداثها. وارتفعت في الاونة الاخيرة اعداد الفارين من الموصل "عاصمة الخلافة" التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية داعش منذ العاشر من حزيران 2014، ومع شن القوات العراقية وبيشمركة ومقاتلين محليين عمليات تحرير قرى بمحيط الموصل. وما ان فر الالاف صوب اراض سورية ليستقر بهم الحال في بلدة الهول التي تخضع لسيطرة مقاتلين كورد في سوريا، وهي اخر نقطة قبل الوصول والدخول مجددا الى الموصل عبر ناحية ربيعة الحدودية 110كم غرب الموصل والتي تخضع لسيطرة البيشمركة. ويقول سعد ناصر 35 عاما لشفق نيوز، "لم يقتصر الحال على النازحين في منطقة الهول وكنا نعتقد ان تجاوز هذه النقطة قد ينهي معاناتنا لكننا بعد ان ادخلتنا قوات اليبكة السورية عبر منفذ اليعربية تفاجئنا بمنعنا من قبل قوات الامن الكوردية (الاسايش) وعدم السماح لنا بدخول الناحية العراقية ربيعة عبر منفذها الحدودي المعروف. هناك 200 عائلة علقوا بين منفذي اليعربية وربيعة لا الجانب السوري يسمح لهم بالعودة ولا الجانب العراقي يسمح لهم بالدخول فضلا عن وجود الالاف ينتظرون مصيرنا يتواجدون في بلدة الهول". وتقول قوات الامن الكوردية، ان اعداد النازحين الكبيرة التي استقبلتها السلطات في كوردستان، دعاها لعدم استقبال المزيد، اضافة الى خشيتها من تسلل عناصر من داعش مع افواج النازحين. ويقع المخيم في ناحية الهول (منها اشتق اسمه) بمحافظة الحسكة السورية، ويبعد عن الحدود العراقية نحو ثلاثين كم، أنشأته الأمم المتحدة لللاجئين العراقيين أثناء حرب الخليج الثانية 1991 وهو مهجور منذ عام 2007. ويقبع اكثر من مليون ونصف المليون شخص تحت سطوة التنظيم الذي يحكم المدينة بقبضة من نار منذ عامين ويحاول ان يقمع اي تمرد قد يظهر على الساحة في الموصل فالاعدامات من الامور التي قد تكون سهلة لدى المتطرفين. اكثر من اربعة الاف شخص وبحسب منظمات انسانية اعدمهم التنظيم منذ سيطرته على الموصل غالبيتهم من المدنيين والجيش والشرطة وقد تكون التهمة الاقرب لمن يريد التنظيم تصفيته هو التخابر. وكبت التنظيم على حرية السكان وبات يتدخل في ادق التفاصيل من مأكل وملبس ومسكن، بحسب سكان محليون تحدثوا لشفق نيوز عبر الهاتف. وقالوا ان الفارين ينسقون مع متخصصين لقاء مبالغ مالية للهروب من الموصل او المناطق المحيطة بها، وهو امر قد يكلف الطرفين حياته. ويروي فهد النجار قصة فراره من الموصل ومن ثم الحياة الصعبة التي امضاها في مخيم الهول ثم وصوله الى منفذ ربيعة الحدودي لكنه لم يسمح له حتى الان بالدخول الرسمي الى الاراضي العراقية. ويقول النجار لشفق نيوز، "ندفع على كل شخص (1500) دولار عن قيمة تهريبنا من الموصل الى سوريا، نخرج من طرق عديدة لا نستطيع ذكرها لاننا نخشى على اشخاص اخرين ان يتضرروا من بعدنا، يجري تسليمنا من شخص لاخر، عوائل تصطحب اطفالها ونساءها وعند حلول الليل نمضي مشيا على الاقدام لنجتاز حاجزا امنيا لليبكة-المقاتلون الكورد في الطرف السوري- بحدود 10كم. ويكمل النجار روايته بشيء من الحسرة والالم "نمشي على الاقدام في حقل الغام لكننا نتبع خطوات المهرب خشية وقوعنا بلغم ارضي سرنا مسافة خمس ساعات على الاقدام حتى وصولنا الى حاجز صليبي لانرى بعده الا صحراء قاحلة لاماء ولا طعام ولا خيام، الافاعي والعقارب كانت جليسا لنا في ترحالنا، امضينا قرابة ثمانية ايام تحت اشعة الشمس المحرقة". ويضيف "وصولنا الى مخيم الهول فتلك لم تكن النهاية بل كانت الكارثة حيث يتم استقبالك وادخالك المخيم من قبل اليبكة، في المخيم لاتوجد اية مقومات للحياة الطبيعية، امضينا اياما بدون ماكل ومشرب ومرافق صحية وجدنا اناسا امضوا 35 يوما في المخيم ولا يوجد من يطالب بهم". ويتابع النجار روايته "كانت القوات الكوردية تقوم بادخال الفارين من الموصل بنظام الكفالة لكنه توقف العمل مؤخرا بهذا النظام". ويجمع هؤلاء الذين فروا الى الاقليم منذ بادئ الامر الاموال الكافية لتهريب عوائلهم من الموصل وانقاذهم من بطش داعش لكن هذه المبالغ قد لا تفي بالغرض المطلوب في بعض الاحيان ويطبق اقليم كوردستان قوانينه بصرامة تجاه الوافدين اليه من مناطق تخضع لسيطرة داعش. ماهر الجبوري الجندي الذي يقاتل في صفوف الجيش العراقي ضد داعش في مناطق جنوب الموصل مؤخرا اضطر لترك زوجته وطفلين صغيرين بالموصل منذ العاشر من حزيران 2014 "لكن اقرباء لي ساعدوني بعد ان ارسلت لهم مبلغا من المال بالعملة الصعبة لغرض تهريبهم من الموصل لكني صعقت حين علمت بانهم لا زالوا في مخيم الهول" يقول الجبوري لشفق نيوز. ويضيف ان "طفلي يتناولان الحلاوة بدلا من حليب الاطفال بسبب صعوبة الحصول عليه واتفقت مع اشخاص اخرين لادخالهم الى ربيعة عن طريق التهريب ايضا بمبلغ 1200 دولار لكن ذلك لم يجد نفعا". وتابع الجبوري "اتصلت باكثر من شخصية ليساعدوني في ادخال عائلتي حتى اني انسحبت من جبهات القتال بسبب الحالة النفسية التي امر بها لكن لاحلول حتى الان فعائلتي ضمن الالاف في مخيم الهول". وتقول روايات اخرى لفارين من الموصل يتواجدون حتى الان في مخيم الهول ان وجبة غذائية واحدة توزع عليهم يوميا وان منظمات انسانية لم تصلهم حتى الان للوقوف على معاناتهم وان البعض منهم يفترشون الارض ليلا دون اغطية. ويستخدم النازحون مخيم الهول كنقطة عبور من الحدود السورية باتجاه العراقية ويضم المخيم طلبة جامعة تحاول الوصول الى محافظة كركوك لاداء امتحاناتهم النهائية الخاصة بجامعة الموصل حيث مقرها البديل بعد عدم اعتراف الحكومة العراقية بالشهادات والدراسات التي تمنحها داعش. وأعلن النائب عن محافظة نينوى نايف الشمري، وفاة أربعة من نازحي نينوى في مخيم الهول داخل سوريا بعد هروبهم من سيطرة تنظيم "داعش"، داعيا رئيس الوزراء حيدر العبادي الى التدخل شخصيا لتوفير أماكن للنازحين داخل العراق. وقال الشمري لشفق نيوز، إن مخيم الهول فيه أكثر من خمسة آلاف نازح عراقي بينهم نساء وأطفال وكبار بالسن يمرون بظروف انسانية صعبة وبحاجة الى الدخول عبر الحدود العراقية لانهاء معاناتهم". ويقر محافظ نينوى نوفل حمادي السلطان الذي يدير اعماله من مدينة اربيل عاصمة اقليم كوردستان بوجود الالاف علقوا بين بلدة الهول السورية وفي منفذ ربيعة الحدودي ويقول السلطان لشفق نيوز، "تلقينا وعودا من وزير الدفاع العراقي لفتح جسر جوي ونقل العالقين اما بفتح مخيم لهم في ناحية ربيعة،غرب الموصل،والمحررة على اليد البيشمركة او نقلهم الى مدينة تكريت لكن كل ذلك بالتنسيق مع حكومة اقليم كوردستان وتحديدا وزير الداخلية كريم سنجاري واجرينا معه عدة اتصالات حول الموضوع". ولم تصدر اية جهة رسمية بالارقام الحقيقية عن المتواجدين في مخيم الهول لكن النائب عبد الرحيم الشمري الذي ينحدر من قضاء البعاج غرب الموصل قرب الحدود العراقية السورية وصل الى مخيم الهول واطلع على اوضاع النازحين وقال لشفق نيوز، "ان هناك 6500 عالق من اهالي الموصل واخرين من مدن اخرى لم يسمح لهم بالدخول عبر الاراضي العراقية". واضاف الشمري "العالقون يمرون باوضاع انسانية صعبة والحصور على المساعدات الانسانية اصعب بكثير داخل المخيم المهمل وعلينا ان نخجل من انفسنا نحن كسياسيين ان لم نستطع ان نجد حلا لهؤلاء".