شفق نيوز/ يضع الإيزيدي العراقي، رزكي جوقي، ابنه "نزار" في حضن "كريف" (صديق) من ديانته أو الديانات الأخرى بينها المسلمة، عند بدء عملية الختان، وبمجرد أن تنزل نقطة دم على منديل الصديق، يصبح هذا الأخير "أخ الدم"، في طقس يعبر عن التعايش السلمي والتسامح الأخوي لدى هؤلاء.
وتُمثل "الكرافة" أو "الختان" طقساً اجتماعياً إيزيدياً، يهدف إلى ترسيخ العلاقات مع المكونات الأخرى، حيث يتخذ من خلاله الإيزيدي إلى جانب أحد أبناء مكونه، شخصاً آخر من بين الديانات الأخرى (مسيحياً، مسلماً) ليتعايش معه عن طريق رابطة الدم التي تُلزم الطرفين بالدفاع عن بعضهما البعض إذا ما وقع أحدهما في محنة، ويصل الأمر حتى الموت دفاعاً عنه.
ولا يملك أحد من المهتمين بالشأن الإيزيدي المعنى الحقيقي لكلمة (كريف)، لكن هنالك من يقول إنها مصطلح بلغاري بنفس النطق، وتعني "الدم"، وفق تقرير للاناضول اطلعت عليه شفق نيوز.
ويقول رزكي جوقي، "عندما فكرنا بختان نزار، ومعه 3 من أبناء أشقائي، قررنا أن نتخذ كريفاً لكل منا من الإخوة المسلمين، كي نثبت لداعش ومن والاهم، أن علاقاتنا التاريخية والاجتماعية مع جيراننا المسلمين أقوى من إجرام هذا التنظيم الإرهابي".
ويضيف: "كان لدينا جاراً مسلماً في بلدتنا حزاني التابعة لناحية بعشيقة (17 كلم شمال شرق الموصل)، وكنا وما زلنا نرتبط بعلاقات اجتماعية وأخوية وطيدة، نساعدهم ويساعدوننا، نفرح لفرحهم، ونحزن لحزنهم، ويبادلوننا نفس المشاعر، فقررنا أن ندعوهم للمشاركة بحفل ختان أطفالنا، وعقب اتصالنا بهم عرضنا عليهم الفكرة فوافقوا فوراً".
ما قام به جوقي، يعتبره "رسالة محبة وتآخي بتوقيع إيزيدي ومسلم، مفادها نحن نعيش على أرض واحدة وفي بلدة واحدة، ولا يمكننا أن نستمر معاً وهنالك كراهية أو بغضاء بيننا، فمستقبلنا واحد، وداعش هو تنظيم غريب، ولا يمثل أحداً سوى الإرهابيين أنفسهم الذين وفدوا إلينا من كل بقاع الدنيا، والتحق بهم الخونة من أبناء بلادنا الذين لا يمثلون وطنهم".
الصديق المسلم، خير الدين حسن رحو، عبّر عن سعادته بالقيام بدور "الكريف"، قائلاً: "أنا سعيد جداً لأقوم بهذا الدور مع عائلة إيزيدية نرتبط معها بعلاقات طويلة من المحبة والتآخي، علماً أن أبي وأعمامي قاموا بنفس الدور من قبل، وأنا هنا أستمر ببناء هذه العلاقة التي سأورثها لأبنائي أيضاً".
ويستطرد: "الكرافة تقليد منذ مئات السنين، وهو عامل قوي على تماسك العلاقات الاجتماعية بين أهالي المنطقة الواحدة، بغض النظر عن معتقدهم الديني".
ويُشير رحو إلى أن "الكريف" يحضر يوم الختان، بصحبة عائلته، ويقوم بوضع الطفل المختون بحضنه لحظة ختانه، وعليه أن يجلب معه منديلاً أبيضاً، يوضع تحت الطفل المختون وتسقط عليه بعض من قطرات الدم، كتذكار للتعايش بين المسلم والإيزيدي، والذي يصل أحياناً إلى المشاركة في الدفاع عن الآخر إذا تعرض لاعتداء من قبل أي طرف آخر".
أما سعيد جوقي، شقيق رزكي، ووالد أحد الأطفال المختونين، فقال : "بعد عام من نزوحنا من مناطقنا، بنينا شبكة علاقات مع أصدقاء جدد، وأثناء استعداداتنا لختان أطفالنا الأربعة، قررت أن أتخذ كريفاً لي من بلدة سرسنك (40 كلم شمال دهوك)".
وتابع: "نعمل على إعادة علاقاتنا بمحيطنا، ونحن جزء من مجتمع متعدد الانتماءات الدينية والقومية، وينبغي أن يكون لنا علاقات متوازنة مع الجميع، ولا سبيل أمامنا للعيش بسلام ما لم يكن هنالك تآخٍ وتعاون ومحبة، والكرافة مع المختلف دينياً، تعزز هذه المفاهيم".
يشار إلى أن هناك الكثير من الإيزيديين ممن لا يفضلون كريفاً، وذلك لأن عائلة "الكريف" تصبح وفق معتقداتهم، محرمة على الإيزيدية، ويصل الأمر إلى تحريم الزواج بين العائلتين لمدة زمنية قد تصل إلى سبع أجيال قادمة، لأن هذا الصديق يصبح أقرب للعائلة من الآخرين لنسائهم.
وكان تنظيم "داعش"، اجتاح قضاء سنجار(124 كلم غرب الموصل) الذي يقطنه أغلبية من الكورد الإيزيديين في الثالث من شهر آب/ أغسطس، العام الماضي، قبل أن تتمكن قوات البيشمركة المعززة بغطاء جوي من التحالف الدولي من تحرير الجزء الشمالي من القضاء، وفك الحصار عن الآلاف من العائلات والمقاتلين الذين حوصروا بجبل سنجار في منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
وتتحدث تقارير صحفية وناشطين إيزيديين عن قيام "داعش" بارتكاب جرائم بشعة، من قتل وخطف وسبي الآلاف من الإيزيديين النساء والرجال، وهو ما لا يعقب عليه التنظيم.
والإيزيديون هم مجموعة دينية يعيش أغلب أفرادها قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار، ويقدر عددهم بنحو 600 ألف نسمة، وتعيش مجموعات أصغر في تركيا، وسوريا، وإيران، وجورجيا، وأرمينيا.
وبحسب باحثين، تُعد الديانة الإيزيدية من الديانات الكردية القديمة، وتتلى جميع نصوصها في مناسباتهم وطقوسهم الدينية باللغة الكوردية.