شفق نيوز/ أثيرت عاصفة من التحليلات والتساؤلات عما اذا كانت تغريدة المرشد الايراني علي خامنئي على "تويتر" حول "صلح الحسن ومعاوية"، تمهد لتطورات سياسية تجري خلف الكواليس مع الاميركيين، بعدما تكاثرت الاشارات بين الطرفين باحتمال انفراج مفاجئ بين الغريمين.
والتغريدة الصادرة بالفارسية في التاسع من شهر ايار الجاري على الموقع الرسمي لمرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتابعتها وكالة شفق نيوز نصت على التالي :"أعتقد أن الإمام الحسن المجتبى هو أشجع شخصية في تاريخ الإسلام، حيث قام بالتضحية بنفسه وباسمه بين أصحابه المقربين منه، في سبيل المصلحة الحقيقية، ليحقق الصلح، حتى يتمكن من صون الإسلام وحماية القرآن وتوجيه الأجيال القادمة في التاريح في وقتها".
ولم تكن التغريدة على حساب السيد خامنئي باللغة العربية مطابقة، اذ غرد قائلا "أبارك للجميع ولادة الإمام الحسن المجتبى، الذي وصفه النّبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله) بأنّه تجسيدٌ للمحاسن. وهو أمرٌ بالغ الأهميّة والعظمة أن يطلق الرّسول الأكرم اسم حسن على هذا الطفل المبارك".
ومهما يكن في كلمة "الصلح" التي أشار اليها في التغريدة الفارسية هي التي فتحت أبواب التكهنات، بخاصة ان شخصية الامام الحسن في الموروث الاسلامي عموما، كانة ضحية الالاعيب السياسية التي مارسها معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد، لازاحته عن خلافة المسلمين، وضحية تخاذل الكثيرين حوله عن نصرته عندما هب لمحاربة معاوية في بلاد الشام. وتتفق الروايات التاريخية على ان الامام الحسن بن علي، آثر في النهاية مصالحة معاوية حقنا لدماء المسلمين مقابل اتفاق سياسي في العام 41 للهجرة (661 ميلادي).
ومهما يكن، فسرعان ما اعادت التغريدة التذكير بالانفراج المفاجئ في العلاقات الايرانية -الاميركية العام 2015، خلال عهد الرئيس الاميركي باراك اوباما، والتي أثمرت اتفاقا نوويا، ساهمت سلطنة عمان وقتها في ترتيب كواليسه وقاعاته الخلفية، بعيدا عن أعين الاعلام والعواصم السياسية في المنطقة والعالم.
وتبدو الاشارات والوقائع سواء في ما يتصل بايران نفسها، او في خط اميركا-ايران، مشجعا على القول بأن أمورا ما تجري خلف الكواليس، وأخرى ظهرت للعيان، بأن تلك المفاجأة لا تبدو خيارا مستحيلا.
ولعل من أبرز تلك الاشارات، كانت "رقصة التانغو" الواضحة التي شهدتها كواليس السياسة في العراق، مع انتخاب حكومة مصطفى الكاظمي، بتوافق مع قوى سياسية مرتبطة بعلاقات وثيقة من طهران.
كما يمكن لبعض القراءات السياسية، ان تضع سياق الموقف الاميركي من الضربات الصاروخية الايرانية لقواعد عسكرية اميركية في عين الاسد وغيرها، بعد اغتيال قاسم سليماني وابومهدي المهندس في بداية العام 2020، والذي تميز بالاكتفاء باحصاء الخسائر، مع تراجع لهجة التهديد والوعيد التي انتهجتها ادارة دونالد ترامب في الفترة التي سبقت تلك الضربات، بأنها مؤشر أميركي واضح على الرغبة في "احتساء الكأس المرة" اضطراريا تجنبا لتصعيد كبير مع الايرانيين في المنطقة.
مؤشرات أخرى يمكن التوقف عندها، من بينها العرض الاميركي الذي تكرر أكثر من مرة، بمساعدة ايران لمواجهة وباء كورونا، برغم رفض الايرانيين له. وهناك أيضا الاستثناء الممدد الذي منحته واشنطن للعراق لتلقي مساعدات الدعم بالغاز والكهرباء من ايران.
وما زال كثيرون يذكرون كيف ان ترامب غرد شاكرا الايرانيين عندما جرى تبادل سجناء في كانون الاول الماضي قائلا "شكرا لإيران على تفاوض منصف للغاية... انظروا، يمكننا أن نتوصل إلى صفقة سويا".
تعزز تلك الاحتمالات، الوضع الاقتصادي الخانق الذي يمر به الايرانيون بفعل العقوبات الاميركية التي شلت صادراتهم النفطية، فيما تسبب فيروس كورونا في تعطيل دوران العجلة الاقتصادية الداخلية. وفي المقابل، يبحث ترامب جاهدا من أجل تسجيل انتصارات في سياسته الخارجية، لعله يعزز رصيده السياسي المتدهور، عشية الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني المقبل.
وفي هذه الاثناء، تدور تكهنات اسرائيلية تتناول الوجود العسكري الايراني في سوريا، وهو من بين ابرز ملفات الخلاف مع الادارة الاميركية، وتتحدث عن أكبر انسحاب إيراني من سوريا منذ 2011. لكن لم يتسن التأكد من ذلك من مصادر مستقلة. لكن موقع "جادة ايران"، المقرب من دوائر صنع القرار في طهران، فقد نقل عن مصادر في دمشق وطهران قولها ان الايراني لم يغير من آلية عمله في سوريا، من دير الزور الى حلب وصولا الى الجنوب عند الحدود مع الأراضي المحتلة. بل تؤكد المعلومات عن تثبيت طهران لقواعدها وتدعيم مقراتها الحساسة في سوريا".
ومهما يكن، فانه برغم أجواء الاحتقان التي تسود العلاقات بين طهران وواشنطن منذ عقود، والصدام في أحيان كثيرة، الا ان الطرفين "دبلوماسية البينغ بونغ"، المنسوبة الى هنري كيسنجر، ظلت تحكم الكثير من مفاصل العلاقة بينهما.
ولم تكن مفاوضات سلطنة عمان – ثم فيينا في وقت لاحقا - والتي رعاها وزير الخارجية الاميركية السابق جون كيري ونظيره الايراني محمد جواد ظريف، بعيدا عن أعين الحلفاء الاقليميين لواشنطن، الا بمثابة تأكيد على سياسة المناورة والمراوغة بينهما، لتحصيل المكاسب الأكبر من جانب كل منهما، على حساب الطرف الآخر، وأحيانا على حساب الحلفاء الاقليميين.
ولهذا تكتسب تغريدة السيد خامنئي معنى أكبر لانها اعادت فورا الى الذاكرة، تصريحه الشهير في عام التفاوض الاميركي -الايراني قبل خمس سنين، عندما قال "هناك سمة أخرى للمهارة الدبلوماسية وهي المرونة البطولية، والتي يعتبر سلام الإمام الحسن المجتبى من أعظم الأمثلة التاريخية عليها".
لقد كان مصطلح "المرونة البطولية" ايذانا بمباركته لمسار التفاوض السري الذي جرى مع ادارة باراك أوباما، مثلما يرى البعض ان مصطلح "تحقيق الصلح" في التغريدة الجديدة، يمثل تمهيدا محتملا لكسر القطيعة الدبلوماسية القائمة مع واشنطن منذ ان مزق دونالد ترامب الاتفاق النووي قبل عامين تماما.
ومعلوم ان ذلك الاتفاق النووي الذي الغاه ترامب من جانب واحد بداية، ثم بدأت ايران بالتخلي تدريجيا عن التزامتها بنوده، خلق أزمة دبلوماسية عالمية، بسبب وجود دول ضامنة للاتفاق هي بالاضافة الى الاتحاد الأوروبي، روسيا والصين.
وقد بدا ان الافق صار مسدودا بين الايرانيين والاميركيين، بعدما وضع وزير الخارجية مايك بومبير لائحة 12 شرطا على طهران الالتزام بها، مقابل تطبيع علاقاتها مع واشنطن. وصار هذا الافق اكتر قتامة بعد بدء البريطانيين والاميركيين الضغط على شحنات النفط الايراني، شريان الحياة بالنسبة الى طهران، ثم الرد الايراني بالتحرش بشحنات نفط في الخليج، وصولا الى قصف المنشآت النفطية في السعودية.
لكن الغيوم السوداء اصبحت أكثر قتامة بعدما اغتال الاميركيون قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، ثم الانتقام الصاروخي الايراني على قواعد عسكرية في العراق. الا ان هذه الأزمة لم تنفجر، بل سرت خيوط التفاهمات حول مرحلة ما بعد حكومة عادل عبدالمهدي، وتولي مصطفى الكاظمي الذي كان من بين أول نشاطاته الحكومية، استقبال سفيري الولايات المتحدة وايران في بغداد، وهو المقرب من البلدين، لدعوتهما الى الكف عن تصفية الحساب على أرض العراق.
فهل هي اشارة اخرى التقطها الكاظمي، بحكم تموضعه الوسطي بينهما، لتعزيز ابواب التهدئة المفتوحة والتي عبرت عنها تغريدة خامنئي؟
وليس ببعيد عن خلطة العطار، عندما قرر الكاظمي إعادة الفريق أول عبد الوهاب الساعدي لقوات مكافحة الإرهاب في العراق، بخاصة بعد ان كانت تقارير سابقة قد تحدثت عن ممارسة فصائل موالية لإيران "ضغوطا" لتنحية الساعدي، ومسؤولين امنيين وعسكريين على اعتبار قربهم من واشنطن.
وتأكيداً لهذه الرؤى يقول حنين القدو النائب عن كتلة فتح بزعامة هادي العامري لوكالة شفق نيوز، إن "التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية حالياً، ليس من صالح القوى المعارضة للتواجد الامريكي في العراق"، عازيا ذلك الى "امتلاك الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، علاقات جيدة مع واشنطن".
وأوضح القدو أن "اغلب الوزراء والقيادات العسكرية في حكومة الكاظمي لديهم تواصل وعلاقات جيدة مع امريكا"، موضحا أن "الظروف الاقتصادية والأمنية والصحية وغيرها، التي يمر بها العراق سوف تدفع القوى المعارضة للتواجد الامريكي بتقبل الواقع والعلاقات الجديدة مع واشنطن خلال المرحلة المقبلة".
وحدها الأيام القادمة ستكشف الاحتمالات المستورة، وعما اذا كانت سياسات حافة الهاوية التي اتبعها الطرفان، ليست أكثر من استدراج عروض التفاوض والتسويات؟ وبالنهاية، ألم يفاجئ السيد الخميني العالم عندما أعلن "تجرع كأس السم" بموافقته المفاجئة على وقف اطلاق النار مع العراق لانهاء الحرب العبثية التي استمرت ثمانية اعوام بين البلدين؟ ان سخونة مياه الخليج عودتنا دائما على المفاجآت.