شفق نيوز/ شتّت التركيزُ على سوريا، وخاصةً الموقف المريع الذي امتدَّ على مدار الأسابيع القليلة الماضية بحلب، الانتباهَ عن التطوُّرات التي يُحتمَل أن تكون أخطر في العراق.
فبعد 10 سنوات من إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، و5 سنوات من خروج القوات الأميركية الرسمي الذي كان يُفترَض أن يكون نهاية النزاع الذي بدأ مع غزو العراق عام 2003، ما زالت العراق منطقة حرب.
قتال المستميت
توضِّح هجمات القصف التي لا تنقطع على كلٍّ من الأهداف العسكرية والمدنية، استماتة المسلَّحين المتشددين. بينما تتصاعَّد معركة استرداد مدينة الموصل الاستراتيجية الواقعة شمال العراق -والتي يسيطر عليها تنظيم داعش منذ 2014- تصير المخاطر كبيرة جداً، ولن تشكل نتائجها مستقبل العراق فحسب،؛ بل مستقبل سوق النفط الدولية كذلك، وفق تقرير نشرته صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية.
وشهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة مكاسب اكتسبتها قوات الحكومة العراقية ببطءٍ وجهدٍ شديدين مع تقدُّمها في شمال الموصل وشرقها ومحيطها المباشر. ولكنَّ التكلفة كانت مرتفعة؛ إذ يعيش 115 ألف مدني نازحين في مخيمات أو ملاجئ مؤقتة ووسط دمار مادي منتشر على نطاقٍ واسعٍ.
كما تدمَّرت 4 جسورٍ من بين الخمسة الواصلة بين جانبي المدينة عبر نهر دجلة، في جهدٍ متعمَّد أحياناً من أجل قطع الإمدادات عن داعش.
لم يتراجع المقاتلون المسلَّحون تراجعاً سلبياً. في أكتوبر/تشرين الأول 2016، أشعلوا النيران -في مناورةٍ "الأرض المحروقة" الكلاسيكية- في آبار النفط ومصنع كبريت المشرق قرب ناحية القيارة جنوب الموصل. وكثَّفوا في الأسابيع الأخيرة حملة هجمات القنص والتفجيرات الانتحارية الموجَّهة لبغداد.
وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، قُتِل مئات المدنيين العراقيين وأُغلِق الطريق الرئيسي نحو الشمال المتَّجه من بغداد إلى الموصل؛ وهو أحد طرق الإمدادات الرئيسة للقوات العراقية. جعلت هذه الأحداث إجمالي عدد القتلى المدنيين في النزاعات في أنحاء العراق في عام 2016 يبلغ 6800 شخصٍ تقريباً، وفق الأمم المتحدة.
وتخطط الحكومة العراقية لاسترداد الموصل بأكملها بحلول مارس/آذار 2017. والخطر هو أنَّه مع اشتداد حدَّة القتال، ستُلحِق داعش المزيد من الضرر مع تناثرها في أنحاء باقي العراق وأجزاء أخرى من المنطقة.
النفط في خطر
وتقع الموصل قرب مناطق إنتاج النفط شمال العراق، بكركوك (الواقعة الآن تحت سيطرة الكورد) وفي اقليم كوردستان نفسها. ومن ثم فإن منشآت الإنتاج، وعمَّال حقول النفط، وشبكات الأنابيب الواصلة بين شمال العراق وتركيا، معرَّضة للخطر.
يشتهر الكورد بكونهم مقاتلين أقوياء، ولكن يصعب جداً الدفاع عن التمديدات وخطوط الأنابيب التي تمتد على مساحة مئات الأميال من الأراضي البعيدة ضد عدوٍ همجي مستعد لاستخدام مفجِّرين انتحاريين.
ترتفع كذلك احتمالية وقوع كارثة بيئية، فضلاً عن الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد العراقي الهشّ بالفعل إذا قُطِعت طرق البنية التحتية التي تنقل النفط من أجل التصدير لأي فترة من الوقت.
سد الموصل.. كارثة محتملة
لا تقتصر المخاطر على النفط فقط؛ فإلى شمال المدينة، يوجد سد الموصل، وهو أحد أهم المشروعات الهندسية في المنطقة. ويعيق السد نحو 11 مليار متر مكعب من المياه. يقف السد حالياً في أرضٍ تسيطر عليها الحكومة العراقية والقوات الكوردية، ولكنَّه يحتاج إلى إصلاحات.
يوضِّح دكستر فيلكينز، في مقالٍ ساحرٍ في أحدث أعداد مجلة The New Yorker، هذا التحدِّي. فالسد في أمسّ الحاجة إلى قدرٍ كبير من العمل؛ من أجل الحدِّ من خطر تسبُّب مواطن الضعف المُحدَّدة في أساسه في حدوث انهيارٍ كارثي. ويحتاج إلى ترميمات قد تصل حتى استبدال بنيته التحتية، ولكن هذه المنطقة واقعة حالياً تحت سيطرة داعش.
وإذا تحطَّم السد بالفعل، فقد يُحدِث ارتفاع مدٍّ غير مسبوق، يُحتمَل أن يغمر الموصل ومنطقة كبيرة من جنوبها. وبالطبع، قد تحاول داعش عند انسحابها تحطيم السد، مضيفةً الفيضان إلى منهج الأرض المحروقة الذي تتَّبعه، وفي أثناء ذلك تُضعِف كلاً من الظروف الاجتماعية والاقتصادية أكثر.
لا استثمار مع القتال
فقد بدأت عودة انتشار العنف على نطاقٍ واسعٍ بالعراق في تثبيط المستثمرين حتى في المناطق الواقعة جنوب بغداد والتي كانت منيعة نسبياً حتى الآن ضد الهجمات؛ إذ ارتفع إنتاج النفط العراقي المدعوم بتكنولوجيا وتمويل دوليين على مدار العامين الماضيين من 3.2 مليون برميل يومياً في عام 2014 إلى 4.8 مليون برميل يومياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ولكن الآن، توجد علامات على تباطؤ الاستثمار مع زيادة التقديرات السلبية للمخاطر المادية والسياسية.
ربما تكون داعش مطرودة من الموصل في الشمال، ولكن لا توجد علامة على سلامٍ طويل الأمد، فالمقاتلون المسلَّحون الذين ينجون، سيتجمَّعون ثانيةً في مكانٍ آخر.
كما لا توجد علامة واضحة كذلك على أي صفقة بين الحكومة العراقية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان بخصوص مشاركة أرباح صادرات النفط.
والنتيجة أنَّ الشركات العاملة في إقليم كوردستان تحيا على الوعود ولن تُسهِم على الأرجح بالمزيد من رؤوس الأموال حتى تنمو ثقتها بالأرباح المستقبلية. وتبدو آمال ارتفاع الناتج العراقي إلى 6 ملايين برميل يومياً أو أكثر ضئيلة جداً.
وعلى المدى القصير، فإنَّ الوضع الأمني يستنفد كل الجهود، ويبدو أنَّ نصف الوعد الذي قطعته الحكومة العراقية لمنظمة الدول المصدِّرة للبترول (الأوبك) بتخفيض الإنتاج بـ200.000 برميل يومياً بدءاً من الشهر الجاري يناير/كانون الثاني 2017- قد نُحِّي جانباً.
ما زالت الحكومة متعهِّدة اسمياً بالتزاماتها الموضَّحة، ولكن وفق مُنتجين مثل شركة النفط الروسية، "لوك أويل"، التي تدير حقل غرب القرنة-2، لم تصدر تعليمات بخفض الناتج.
وترفض السلطات الكوردية بالفعل المشاركة في خفض الإنتاج، بينما سرَّبت مؤخراً وثائق تلمح إلى أنَّ لدى حكومة بغداد خطط لزيادة القدرة على التصدير على المدى القصير في جنوب البلاد.
ربما يكون العراق ثاني أكبر دولة منتجة للنفط من بين دول الأوبك، ولكنَّ حرصها الأساسي ما زال على الصراع اليومي من أجل البقاء. فالحاجة إلى النقود هو الدافع المهيمن على سياسات الحكومة. ومن سخرية القدر، أنَّ القوة الوحيدة التي من المحتمل أن تخفِّض إنتاجها من النفط بالعراق في العام الحالي هي داعش.