شفق نيوز/ ظاهرة اقتصادية لافتة للنظر تشهدها بعض الدول الاقليمية في المرحلة الحالية، وهي ايران، سوريا، لبنان وتركيا، تتمثل في انهيار عملاتها الوطنية لأسباب تكاد تكون متشابهة، أمام الدولار الاميركي، ما ينذر بتداعيات سياسية – اجتماعية كبرى، ما لم تعالج بحكمة وسرعة.
ويتفق الخبراء على ان سعر عملة أي بلد تحدده معادلات العرض والطلب على هذه العملة، وكأنها سلعة ما في السوق، بينما تتحدد قوة العملة، اي عملة، بالميزان التجاري للبلد، فكلما كانت صادراته أكبر من الواردات، كلما كانت العملة أكثر قوة واستقرارا من خلال الطلب عليها، والعكس صحيح.
وبطبيعة الحال، فأن قيمة أي عملة تتحدد بالثروات والموارد الطبيعية كالغاز والنفط والمعادن كالذهب وغيرها التي يمتلكها وعلى حجم الاحتياطات النقدية التي يتمتع بها وقدرات البلد في الانتاج والتصدير. لكن من المهم الاشارة الى ان عناصر سياسية واقتصادية بالاجمال، تتحكم ايضا بقوة العملة ومكانتها في وطنها وفي الخارج.
ومن الممكن ان يتحول التضخم الى سلاح مدمر لقوة العملة، اذ ان من المتعارف عليه انه كلما ازداد التضخم، ازداد اقبال المواطنين على شراء العملات الاجنبية الأكثر استقرارا، حتى لا يشاهدون مدخراتهم من العملة الوطنية تتلاشى قيمتها، وهو ما يؤدي الى تراجع قوتها وربما انهيارها، وهو ما يحدث بشكل واضح في تركيا وسوريا ولبنان وايران.
لكن الدول الاربع تلتقي أيضا عند ظاهرة أخرى خطيرة وهي انها لا تشكل استقطابا مشجعا للاستثمارات بسبب الاضطرابات السياسية التي تعيشها، فبسبب هذه المخاوف واحتمال ان يؤثر ذلك على حرية حركة رؤوس الاموال في الدخول والخروج الى اقتصاديات هذه الدول، يصبح المستثمرون أكثر حذرا في الاستثمار فيها وتحريك عجلة الاقتصاد واضفاء قوة على العملات الوطنية المتداولة.
وتواجه الدول الاربع بشكل او بآخر، تدخلات خارجية قوية تؤثر في مناعتها الاقتصادية واستقرار عملاتها الوطنية. وسبق للرئيس التركي رجب طيب اردوغان ومرشد الجمهورية الايرانية السيد علي خامنئي والرئيس السوري بشار الاسد، ان اعلنوا مرارا وتكرارا ان بلادهم تتعرض لحروب اقتصادية، ولعقوبات اميركية او دولية مباشرة، كما في الحالات الايرانية والسورية، بالاضافة الى اللبنانية، الى جانب تأثر تركيا بالعقوبات الاقليمية الطابع، مثلما يجري مثلا بالنسبة لعقوبات ايران، وهي مؤثرات تخلف تداعيات قاسية على العملات الوطنية لهذه الدول في ما يشبه تأثير "الدومينو الاقليمي" اقتصاديا.
ايران
الريال الايراني سجل هبوطا حرا قياسيا بوصوله الى عتبة ال200 الف ريال مقابل الدولار، بعدما كان يعادل 32 الف ريال عندما ابرام الاتفاق النووي مع الغرب قبل خمسة اعوام.
وتجد الحكومة الايرانية نفسها أمام خيارات ضئيلة لمواجهة هذا الانهيار الذي تعززت ملامحمه بعد خروج الرئيس الاميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي بشكل أحادي، قبل نحو عامين.
فبعد سلسلة من العقوبات الاميركية، اصيبت صادرات ايران النفطية بشلل شبه شامل، وهي المورد الرئيسي للعملات الاجنبية، وشريان حياة الايرانيين وارتباطهم اقتصاديا بالعالم الخارجي. ومؤخرا، قال النائب الأول للرئيس إسحاق جهانغيري إن عائدات النفط الإيرانية تراجعت إلى 8 مليارات دولار من 100 مليار دولار في العام 2011.
ثم جاء وباء كورونا، ليوجه ضربة لا تقل قساوة بتعثر حركة التجارة الخارجية المحدودة التي كانت لا تزال تجلب بعض العملات الاجنبية الى الاقتصاد الايراني. ولهذا، فانه مع نقص كمية الدولار الذي تحتاجه الدولة والتجار لاستيراد السلع الضرورية، ازداد التهافت عليه، وارتفعت اسعار السلع الحيوية بشكل جنوني، في حالة تضخم مؤذية، وضعف الاقبال على الريال الايراني.
وفي تقديرات صندوق النقد الدولي، فان الاقتصاد الايراني معرض لانكماش نسبته 6 بالمئة هذا العام، مقابل 7.6 بالمئة في العام 2019، وان يبلغ التضخم 34 بالمئة بعدما سجل اكثر من 41 بالمئة العام الماضي.
وقد تراجعت قيمة الريال بدرجة دفعت الايرانيين التهافت على ما يتوفر من دولار، والى البحث عن ملاذات آمنة لاموالهم المتلاشية بالعملة الوطنية من خلال الاقبال على شراء المعادن الثمينة أو العقارات التي بدورها جن جنونها مؤخرا، بحسب ما كشفت وزارة الاسكان والطرق الايرانية قبل ايام عندما تحدثت عن ارتفاع اسعار العقارات في العاصمة طهران بنسبة 23 بالمئة خلال شهر مايو/ايار الماضي وحده، وبنسبة 42 بالمئة خلال الفترة الممتدة من 21 مايو إلى 20 يونيو/حزيران من هذا العام، إذا ما قورنت بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ومثلما أشرنا سابقا، فان انهيار قيمة العملة الوطنية، مثلما يجري في ايران حاليا، يتسبب في انهيار مواز بالقدرة الشرائية للمواطنين حيث ذكر المركز الإحصائي الإيراني مؤخرا، انها تراجعت بنسبة 34 بالمئة في العقد الماضي، بسبب الانخفاض الكبير الذي طرأ على سعر صرف العملة المحلية بفقدانها قيمتها بنسبة أكثر من 60 بالمئة.
وفي محاولة لمواجهة هذا الانهيار، اعلن في ايران قبل اسابيع قليلة ان البرلمان وافق على مشروع قانون يسمح للحكومة بحذف أربعة أصفار من الريال، على ان تبدأ الحكومة خلال عامين اجراءات التخلي عن الريال إلى عملة التومان، والذي يساوي 10 آلاف ريال، وهي محاولة لتعزيز العملة الوطنية من قيمتها امام الدولار الاميركي
سوريا
تعيش الليرة السورية حالة تراجع واضحة منذ نشوب الحرب الاهلية – الاقليمية فيها العام 2011، لكن التراجع أخذ منحنى أكثر قوة في الاسابيع القليلة الماضية، بعدما لامس الدولار سعر 3 الاف ليرة للمرة الاولى، فيما كان يسجل قبل عشرة أعوام نحو 47 ليرة فقط.
وتجتمع عدة عوامل في "التآمر" – ان صح التعبير - على الليرة السورية، من بينها وبما أهمها "قانون قيصر" الذي بدأت الادارة الاميركية بتطبيقه كعقوبات جديدة على سوريا، تعزز قبضتها على موارد السوريين وتمنع الارتباط تجاريا وماليا بالاقتصاد السوري، خصوصا من الدول الاقليمية، ما يسد أبواب الاستثمارات المحتملة لمرحلة اعادة الاعمار.
وكانت مشاريع الاستثمار الخارجية أحد الخيارات المشجعة التي تعقد الحكومة السورية الامال عليها، لتحريك العجلة الاقتصادية، بعد سنوات الحرب العشر، والتفلت من سلسلة من العقوبات الاميركية والاوروبية التي أعاقت وصول العملات الاجنبية بشكل كبير الى الداخل السوري
في البال ايضا، التعثر الاقتصادي الذي تعيشه ايران التي كانت أحد ركني السند الاقتصادي لسوريا، الى جانب روسيا، في مؤشر واضح على فكرة "الدومينو الاقليمي" التي أشرنا اليها، يعززها ايضا الانسداد الاقتصادي الذي يمر به لبنان، وتراجع مخزون الدولارات في البنوك اللبنانية التي كانت تشكل متنفسا مهما للحركة التجارية الالتفافية لسوريا على العقوبات والحصار.
يتسبب ذلك بشكل واضح في ذعر اصحاب رؤوس الاموال السوريين الذين اقبلوا بكثافة على اقتناء الدولار بديلا عن الليرة السورية، لضمان قيمة ما يمتلكونه، بالاضافة الى خوفهم من تأثرهم بعقوبات "قانون قيصر" الجديد. العقوبات الاميركية والاوروبية تطال مئات الشركات والمتمولين السوريين من بينهم رامي مخلوف، سامر الفوز، وسيم قطان، ياسر عزيز عباس، ماهر برهان الدين الإمام، عامر فوز، صقر رستم، عبدالقادر صبرة، خضر علي طه وعادل أنور العلبي.
وبعد عشرة اعوام من الصراع المسلح في سوريا والعقوبات الغربية والمقاطعة العربية، يعتقد الخبراء ان البنك المركزي السوري يعاني من نقص حاد باحتياطي العملات الاجنبية لاسباب اضافية من بينها تعطل ايرادات نشاط النقل البري والبحري والجوي بسبب كورونا، بالاضافة الى هبوط اسعار النفط عالميا، وخروج العديد من المناطق النفطية السورية من قبضة الدولة.
اذا الافتقار الى الدولار، فاقم الاقبال عليه حتى من جانب الحكومة المضطرة الى تأمين المستلزمات الضرورية لحياة المواطنين من الخارج بالعملة الاجنبية، ما رفع قيمة الدولار امام الليرة التي راجت تتدحرج تدريجيا.
ويأتي هذا الضغط الاضافي على الليرة السورية بعدما بلغت كلفة اعادة اعمار سوريا بحسب الامم المتحدة نحو 400 مليار دولار، وخسائر الحرب نفسها اكثرر من 500 مليار دولار. ومع تضييق الخناق على دمشق، ظهرت الليرة الضحية الاكثر وضوحا.
لبنان
من أجل فهم العوامل التي دفعت بالليرة اللبنانية الى هذا السقوط المرير، بعد ثباتها عند سعر 1500 ليرة مقابل الدولار منذ ما بعد نهاية الحرب الاهلية قبل 30 سنة، ووصولها اليوم الى اكثر من 6 الاف ليرة مقابل الدولار، لا يمكن تجاهل الاسس التي قام عليها النظام السياسي -الاقتصادي اللبناني.
فبعدما شيدت الأسس الاقتصادية للبنان على كونه مركزا للتجارة والخدمات الى جانب الاعتماد على بعض القطاعات الصناعية والزراعية، اعاد رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري صياغة المعادلة بالتركيز على تحويل لبنان الى مركز مالي وخدمات، وجرى تهميش القطاعات الحيوية الاخرى في الصناعة والزراعة تدريجيا، بينما قرر اعتماد سياسة تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وتقديم البنوك لأسعار فائدة مرتفعة لجذب الاموال والودائع من الخارج.
وحقق ذلك انتعاشا اقتصاديا لافتا في السنوات الاولى ما بعد الحرب، فيما كانت قطاعات انتجاية اخرى تنهار تباعا. وكان لبنان كلما مر بأزمة مالية، تنعقد من أجله مؤتمرات وقمم انقاذ اقتصادية برعاية اميركية وسعودية وفرنسية وعربية على قاعدة المساعدة في سد العجز في موازنات البلد.
وفوجئ اللبنانيون في نوفمبر/تشرين الثاني العام 2018، بوزير المالية علي حسن خليل يعلن بشكل صادم ان خزينة الدولة خاوية من "أي ليرة"!
سياسة الاستدانة السهلة على مر السنوات، حولت لبنان الى أحد أكثر بلدان العالم من حيث نسبة الدَّين إلى حجم الناتج المحلي. وبحسب جمعية المصارف اللبنانية، فان الدَّين العام الخارجي كان يبلغ 91 مليار دولار في نهاية 2019.
وبينما يقترب الدولار الان من حاجز السبعة الاف ليرة وسط مخاوف من وصوله الى عتبة ال10 الاف ليرة، جرت عملية "شرعنة" للاستيلاء على اموال اللبنانيين من خلال بداية منعهم من سحب الدولار من ودائعهم نهائيا، ثم لاحقا السماح للفرد بسحب مئة دولار فقط من حسابه اسبوعيا، وصولا حاليا الى وضع سقوف محددة للسحب تختلف من بنك الى آخر، وذلك تحت شعار الترويج لليرة كعملة وطنية من الواجب دعمها.
الا ان ذلك جرى فيما سمحت بعض البنوك للاثرياء بالقيام بتحويل ملايين الدولارات من حساباتهم في لبنان الى الخارج، ما افقد الناس الثقة نهائيا بالليرة التي كانت تسجل تراجعا يوميا في وقت يسمح البنك المركزي، والحكومة، او يعتمدان، تسعيرات مختلفة للدولار، ما بين البنوك وشركات الحوالة وشركات الصيرفة، ما فاقم الارباك وانعدام الثقة بالعملة اللبنانية، مع محاولات للسيطرة على تحويلات المغتربين اللبنانيين من الخارج الى عائلاتهم بعملات الدولار واليورو وغيرها.
ولم يعد سعر الصرف القديم عند 1.500 متاحا سوى لواردات القمح والأدوية والوقود فحسب.
اذا انكشفت خزينة الدولة عن افلاس مقنع، يصيب غالبية المواطنين العاديين، وتبين ان البنوك استخدمت مليارات الدولارات من اموال المودعين اللبنانيين، من اجل دعم العجز في ميزانيات الحكومات المتعاقبة. كما تبين الان ان الايداعات بالعملة الاجنبية متآكلة في البنك المركزي فيما تراجعت تحويلات المغتربين، لاسباب اقتصادية او بسبب تعطل الاقتصاد في الدول التي يعملون فيها بسبب كوورنا.
وتتقاذف قوى سياسية اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن انهيار الليرة، وبينما هناك من يتهم قوى موالية لدمشق وطهران ب"تهريب" الدولار الى سوريا، تتهم قوى اخرى ما يسمونهم "جماعة اميركا" بالمسؤولية عن اخراج الدولار من الاقتصاد اللبناني في اطار التضييق الاميركي على اللبنانيين معيشيا لدفعهم الى تحميل المسؤولية لتيار المقاومة ومنع دمشق من الاستفادة من الاقتصاد اللبناني.
ومهما يكن، فان "قانون قيصر" عزز في الايام الماضية مشاعر القلق بين اللبنانيين على عملتهم الوطنية، ودفعها الى المزيد من الهبوط، اذ يهدد القانون بقطع آخر خيوط التنفس الجغرافي للبناني مع محيطه.
انهيار الليرة بهذا الشكل، تسبب في قذف مئات الاف المواطنين الى حضن البطالة، واغلاق الاف المؤسسات والمتاجر والمحلات، فيما حلقت اسعار السلع الاساسية للمواطنين من اغذية وادوية، بذريعة عدم توفر الدولار للتجار للشراء من الخارج، فيما عجلة الانتاج الزراعي والصناعي الداخلي، معطلة منذ ايام رفيق الحريري، والفساد المالي متفشي بالتوازي مع سياسة المحاصصة الطائفية التي سمحت بتراكم الخروقات والفشل منذ 30 سنة، من دون ان تتيح فرصة أمام اصلاح او انقاذ حقيقيين، يمنع البلاد من سياسة تسول الاستدانة عند كل منعطف.
تركيا
حال الليرة يؤرق الاتراك. يتراجع سعر صرفها في السنوات الماضية وتزايد في الشهور الماضية في ظل جائحة كورونا التي اغلقت المدن السياحية وحركة الطيران الى المنتجعات التركية التي كانت تعول على استقطاب اكثر من 50 مليون سائح وتحقيق ايرادات بأكثر من 60 مليار دولار.
ويثير انغماس تركيا في تدخلات عسكرية عدة خارج حدودها، في سوريا والعراق وليبيا، المزيد من المخاوف على الليرة التركية واستقرار البيئتين السياسية والاقتصادية في انقرة فيما يعمد البنك المركزي الى خفض الفائدة على الودائع والسندات من أجل تشجيع الحركة الاقتصادية حيث تشير الارقام الى تراجع الفائدة الى 9.75 بالمئة حاليا من 24 بالمئة في العام 2019.
وقد وصل الدولار الى أكثر من 6 ليرات ما يعني ان الليرة خسرت اكثر من 50 بالمئة من قيمتها خلال الاعوام الثلاثة الماضية، واكثر من 13 بالمئة في العام 2020 وحده. ويعتقد خبراء اتراك ان ارتفاع معدل التضخم وتخفيض معدل الفائدة، يدفعان المستثمرين نحو ملاذات آمنة أكثر من بينها الدولار، مما يقلل الاقبال على الليرة.
وبحسب مؤسسة "جولدمان ساكس" الاميركية، فان الليرة التركية قد تخسر اكثر من 14 بالمئة اضافية من قيمتها مع نهاية العام 2020، لتتخطى بذلك حاجز ال 8 ليرات مقابل الدولار وهو مستوى كانت لامسته في شهر نيسان/ابريل بوصولها الى 7.28 ليرة مقابل كل دولار.
ومع تراجع موارد الصادرات التركية والسياحة، ازداد الاقبال على الدولار الاميركي وتفاقمت الضغوط على الليرة في الشهور الماضية.
ويلاحظ انه منذ المحاولة الانقلابية في صيف العام 2016، والليرة التركية دخلت مرحلة تذبذب حادة، وصارت أكثر تأثرا بالتطورات السياسية الداخلية والاقليمية، وقد تجلى ذلك بوضوح بعد ازدياد التوتر بين اردوغان ونظيره الاميركي دونالد ترامب الذي توعد باسقاط الليرة التركية علنا، قبل ان يعاد تطبيع العلاقات بين الطرفين لاحقا.
لكن مناخ التوتر بين أنقرة وواشنطن ترك اثاره السلبية على مناخ الاستثمار في تركيا نفسها. فرأس المال جبان كما يقال، ولهذا فان قدرة انقرة على اجتذاب المستثمرين تراجعت في الاعوام الاخيرة سواء من الاوروبيين، او بعض الدول العربية الثرية كالسعودية والامارات، وتوتر العلاقات مع مصر وسوريا وغيرهما، ناهيك عن مفاعيل العقوبات الاميركية على ايران المجاورة.
وفي اجواء تراجع الليرة، يميل الاتراك الى تحويل مدخراتهم الى عملات اجنبية اكثر استقرارا، وهو ما يدفع العملة وطنيا الى طريق الهبوط الاضافي.
وأزمة الليرة التركية ليست عابرة على ما يبدو. الليرة راحت تتراجع من ليرتين مقابل الدولار حتى العام 2014، ثم الى ثلاث ليرات مع وقوع محاولة الانقلاب في العام 2016، ثم الى اربع ليرات وصولا الى ست ليرات وأكثر، وهو ترنح تفاقم مع تسلم اردوغان منصب الرئاسة في العام 2018.
ومن خلفيات تداعي الليرة التركية، الاستثمار الهائل في القطاع العقاري في تركيا. فكل من زار اسطنبول في الاعوام القليلة الماضية، سيلاحظ بالتأكيد ناطحات السحاب التي علت في سماء المدينة لتبدو كأنها مدينة دبي في فترة زمنية قصيرة نسبيا. امتصت عملية الاعمار الهائلة هذه مليارات الدولارات، من دون ان تحقق العائدات السريعة والمرجوة منها، في حين ان اموال البناء هذه اعتمدت على قروض هائلة من البنوك التركية بلغت ذروتها عامي 2013 و2014، ولما تعثرت عمليات البيع، تراكمت الفوائد على القروض الممنوحة للمستثمرين وفي الوقت ذاته راحت الليرة تسجل تراجعات قاسية بقيمتها. على سبيل المثال، المطار الجديد خصصت له قروض بقيمة 5.7 مليار يورو في العام 2015 وكانت تعادل وقتها 18 مليار ليرة، لكنها أصبحت تعادل الآن 40 مليار ليرة!
هذه كارثة في مشروع واحد. ولهذا، فان تداعيات الاستثمار المجنون في قطاع العقارات وقتها، وشرارات ازمة كورونا، واضطراب العلاقة مع المحيط الاقليمي والدولي احيانا، يشيع اجواء سلبية على الاقتصاد التركي، ويمنع نهوضه مجددا، حتى الان.