شفق نيوز/ تحولت ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد إلى "جمهورية" صغيرة تعج بالحياة.
وساحة التحرير هي معقل التظاهرات الشعبية الضخمة المطالبة بـ"إسقاط النظام" على خلفية تردي الأوضاع المعيشية، والتي دخلت يوم الجمعة الماضية شهرها الثاني. وأسفرت لحد الساعة عن مقتل أكثر من 250 شخصا.
وكان لهذه الساحة دور مهم في الكثير من الثورات والمسيرات والانتفاضات التي شهدتها بغداد.
وسميت بساحة التحرير في إشارة إلى التحرر من الاحتلال والاستعمار الأجنبي. ويزينها على الجانب الشرقي نصب الحرية وحديقة الأمة، وعلى الجانب الغربي جسر الجمهورية، ويحدها جنوبا شارع السعدون، وشمالا شارع الجمهورية.
وتعج الساحة اليوم بالمتظاهرين من مختلف فئات المجتمع.
وكل مجموعة تمارس عملا معينا، فهناك الطباخون والمنظفون والأطباء وسائقو التوكتوك، وحتى مكتبة التحرير لقراءة الكتب مجانا.
وتنتشر آلاف الخيام التي نصبها المتظاهرون والفرش والأغطية في أنحاء الساحة وطوابق مبنى المطعم التركي المهجور، حيث تتخذ كل مجموعة هناك زاوية للاستراحة بتدخين النرجيلة، في حين يلهو آخرون بالدومينو أو بالورق، أو بمجرد الاستلقاء، رغم الضجيج حيث يصدح المتظاهرون بترديد الهتافات وينشدون أغاني عن سقوط النخب الحاكمة.
وجلست مجموعة من النساء في منتصف العمر يصنعن شطائر الفلافل، ويتجول شبان وكبار سن في أرجاء الساحة لبيع بعض الأشياء التي اعتادوا على بيعها في الشوارع والجولات.
وعلى الجدران وواجهات المباني، علقت مئات اللافتات، من مطالب المتظاهرين وصور القتلى الذين سقطوا في الساحة، إلى شعارات ترفض "المحاصصة والتقسيم"، وصولا إلى الأعلام العراقية.
وتحول مبنى المطعم التركي جنب الساحة إلى خط دفاع، فمن خلاله يتم المراقبة وإبلاغ المتظاهرين بانسحابات رجال الأمن والشرطة وآلياتهم أو عمليات تقدمهم نحو المتظاهرين.
ويطل هذا المبنى، الذي أصبح مسكنا مؤقتا ومركزا صاخبا للمحتجين، على جسر الجمهورية الفاصل الوحيد بين المتظاهرين والمنطقة الخضراء شديدة التحصين والتي يوجد بداخلها مباني الحكومة والسفارات، وتتخوف السلطات من اقتحامها.
وأقام المتظاهرون نقاط تفتيش في الشوارع المؤدية إلى ساحة التحرير ومحيطها، لإعادة توجيه حركة المرور، وتسهيل حركة المحتجين.
وأطلق المتظاهرون على أجزاء من الساحة والشوارع المحيطة بها أسماء محافظات ووزارات كوزارة التجارة والتموين التي تقع في "محافظة حديقة الأمة" و"وزارة الدفاع" التي تقع داخل محافظة مبنى المطعم التركي.
الخدمات بالمجان
وقال محمد نجم، وهو خريج من كلية الهندسة لكنه عاطل عن العمل، في تصريح لوكالة "رويترز"، إن الساحة أصبحت نموذجا للبلد الذي يأمل هو ورفاقه في بنائه. وقال: "نقوم بتنظيف الشوارع، والبعض الآخر يجلب لنا المياه ويمدنا بالكهرباء".
وأضاف "(الساحة) دولة صغيرة. الخدمات الصحية بالمجان والنقل مجانا بواسطة التوكتوك (صارت سيارة إسعاف ونقل وتموين والعمود الفقري للساحة).. في 16 عاما لم تستطع الحكومة تحقيق ما أنجزناه في سبعة أيام في التحرير. إذا لم يكن باستطاعتهم القيام بذلك فعليهم أن يرحلوا".
وقالت طبيبة تدعى سمر (44 عاما) إنها تأتي إلى ميدان التحرير "لنساعد أولادنا (المتظاهرين)..."، وأضافت: "لا أحد غيرنا سيساعدهم. وزارة الصحة ومستشفياتنا لن تعطينا مساعدات لنعالج الجرحى".
وقال (محمد. أ) وهو صحافي عراقي: "في التظاهرات الحالية، صار التنسيق أفضل داخل ساحة التحرير، رغم أنه عفوي لكنه منظم، الكل يعمل حسب تخصصه".
وأوضح أن التبرعات للمتظاهرين لم يسبقها مثيل كالتبرع بالماء والغذاء والدواء والملابس وحتى مولدات الكهرباء لإنارة الساحة و"جبل أحد" في إشارة إلى مبنى المطعم التركي.
بدوره، يؤكد أحمد عباد (50 عاما)، وهو متظاهر في الساحة ذاتها "أول من بدأ بحمل الطعام والفرش للمتظاهرين هن النساء. هذه كانت بداية تحول الساحة إلى جمهورية صغيرة. داخل الساحة يوجد محبة وسلام وتعايش طالما حلمنا به".
وأضاف لـ(ارفع صوتك): "ساحة التحرير كل شيء في حياتنا اليوم. نكون أو لا نكون من أجل العراق، وطني منهوب وسأبقى أتظاهر وان قتلت أو يعود وطني".
منها يتشكل الوطن
وكانت الساحة ذاتها منطلق العراقيين عند كل تظاهرة ووقفة احتجاجية بما فيها حركة الاحتجاج ضد حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عام 2011.
وقبيل الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت منتصف العام الماضي شهدت ساحة التحرير وقفات احتجاجية للمطالبة بمقاطعة الانتخابات.
حيدر العراقي (39 عاما) كان أحد المتظاهرين الذين خرجوا لساحة التحرير قبيل موعد تلك الانتخابات بشهرين.
يقول حيدر لـ(ارفع صوتك): "خرجنا آنذاك لدعوة الشعب إلى مقاطعة الانتخابات وقد استجاب الشعب لتلك الدعوة، حيث كانت نسبة المشاركة في الانتخابات ضئيلة جدا".
ويضيف "من ساحة التحرير يتشكل الوطن الكبير العراق. أصبحت ساحة التحرير بمثابة مزار لكثير من العراقيين كما يحدث في كربلاء تماما".
وفي الأيام الأخيرة، تسارعت وتيرة الاحتجاجات، واجتذبت ساحة التحرير حشودا ضخمة من مختلف الطوائف والأعراق في العراق لرفض الأحزاب السياسية التي تتولى السلطة منذ عام 2003.
ولا يبدو أن المتظاهرين سيعودون إلى منازلهم في الوقت القريب.
يقول حيدر: "الشعب قالها ومطلبه واحد ... سنستمر بالتظاهر حتى إسقاط الحكومة الفاسدة".