شفق نيوز/ في قرية بسهل نينوى شمالي العراق، يبرز انموذج فريد للتعايش الديني والإنساني في قلب منطقة كانت بؤرة للنزاعات المذهبية والدينية والطائفية على مر السنين.
واضطر المسيحيون الى الهجرة عن قرية نسيرى التابعة لناحية القوش شمال الموصل منذ عقود من الزمن تاركين وراءهم معلما دينيا مقدسا تمثل بكنيسة لها عروق تأريخية تعود للقرن الثامن عشر الميلادي.
لم تبق الكنيسة وحيدة ولم تعاني من عجاج السنين بل بقيت شموعها موقدة في كل يوم أحد.
الايزديون سكنوا في هذه القرية ليعمروا الكنيسة ويفتحوا ابوابها للمعتمرين اليها؛ ليس فقط للمسيحيين ولكن الايزيديين رأوا ان الكنيسة بيت من بيوت الله وامتداد لدين سماوي حنيف، لتبقى هذه الكنيسة رمزا للتعايش بين الاديان.
نرمو خيو، مختار قرية نسيرى وهو ايزيدي عاصر قصة هذه الكنيسة، يقول لوكالة شفق نيوز، إن "المسيحيين غادروا هذه القرية، ونحن نقوم بتنظيف وترميم الكنيسة وايقاد الشموع في كل يوم أحد"، مردفا "حتى الايزديون يزورون هذه الكنيسة للتبرك".
نوزاد حسن الناشط المدني الايزدي يتحدث لوكالة شفق نيوز عن تاريخ الكنيسة، بالقول "هذه كنيسة مار عوديشو بنيت عام 1880 وفي عام 1956 قدمنا الى هذه القرية وكانت فيها هذه الكنيسة"، مضيفا "نؤمن كايزديين بقداسة هذا المعلم كون الدين المسيحي من الديانات السماوية".
وعن طبيعة زيارات المسيحيين والايزديين لهذا الدير، يضيف نوزاد قائلا، "قبل اجتياح تنظيم داعش الارهابي لمناطق سهل نينوى عام 2014، كانت عائلات مسيحية تزور هذه الكنيسة، ولكن بعد الاجتياح وعقب تحرير المنطقة عام 2016 توقفت زيارات المسيحيين اليها".
ويشير إلى أن "الايزديين كانوا يتشاركون المسيحيين في أداء الطقوس الكنسية عند زيارتهم للكنيسة في الاحتفال بمناسبات دينية خاصة بالمسيحيين".
وفي يوم من الأيام، كانت أصوات الأدعية المشتركة في كنيسة مار عوديشو بقرية نسيرى بناحية القوش تتعالى تحت سقف واحد، من دون النظر الى فارق الدين، في مشهد إنساني سامٍ في منطقة اهلكتها حروب مذهبية ودينية على مر السنين.
وكان المسيحيون وكنائسهم عرضة لهجمات مسلمين متشددين منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003.
ووفق تصريحات لرئيس أساقفة أربيل، عاصمة إقليم كوردستان العراق، المطران بشار متى وردة، فإن "المسيحيين العراقيين على وشك الانقراض بعد 1400 عام من الاضطهاد".
ويقول وردة في تصريحات أدلى بها عام 2019 في لندن، "منذ الغزو الأمريكي للعراق الذي أطاح بنظام صدام حسين في عام 2003، تضاءل عدد المسيحيين بنسبة 83 في المئة، من حوالي 1.5 مليون إلى 250 ألف فقط، وإن الكنيسة العراقية واحدة من أقدم الكنائس في العالم إن لم تكن الأقدم، وتقترب من الانقراض بشكل متسارع، ويجب أن تكون البقية الباقية على استعداد لمواجهة الشهادة".
وأشار إلى التهديد الحالي الذي يمثله مسلحو داعش باعتباره "كفاحاً أخيراً في سبيل البقاء" بعد هجوم التنظيم عام 2014 والذي أدى إلى نزوح أكثر من 125 ألف مسيحي من أرض أجدادهم التاريخية.
وبعد نزوح المسيحيين الكلدان الاشوريين السريان والارمن من سهل نينوى في عام 2014، يبقى إقليم كوردستان الملاذ الآمن الأخير للمسيحيين في العراق، إلا أن خطر نزوح مسيحي آخر يبرز في بلاد ما بين النهرين. بخاصة مع القتال المتجدد بين الجيش التركي وعناصر حزب العمال في محيط تلك المناطق.