شفق نيوز/ لم تمر إلا ساعات قليلة فقط عقب الإعلان عن الاتفاق، حتى بدأ العراقيون مناقشاتهم الساخنة حول الموضوع في الشوارع، وفي المقاهي ومنتديات التواصل الاجتماعي، متسائلين هل خانتهم الولايات المتحدة؟ هل ستكون إيران الآن قادرة على التدخل في العراق من دون مساءلة.
وهكذا مع معظم المواضيع المتعلقة بالجار الشرقي، الذي يشترك معه العراق بحدود تمتد إلى 1,500 كيلومتر وتاريخ ملطخ بالحرب، جاءت ردود الأفعال حول الاتفاق النووي متباينة على طول خطوط الصدع العرقية والطائفية الحاضرة في المجتمع العراقي.
هؤلاء الذين هم مع الاتفاق هم في الغالب من المسلمين الشيعة، يلمحون إلى أن علاقة جيدة بين إيران والولايات المتحدة من شأنها ان تحسن الوضع الأمني في بلادهم، حيث غالبا ما تسهم المنافسة بين وكلاء أمريكا من السنة المدعومين من قبلها ووكلاء إيران من الشيعة الذين يحظون بدعمها، بخلق حالة من عدم الاستقرار. ويذهب نقاشهم حول انفراج الأمور بين إيران والولايات المتحدة- وهما الحليفان الأقوى للعراق- والذي من شأنه تهدئة الصراع الطائفي وتوحيد المقاومة ضد الدولة الاسلامية.
وقال حيدر كاظم، وهو صاحب محل في حي الكرادة الراقي وسط بغداد "ذهبت إلى طهران قبل ثلاثة أشهر ورأيت المعاناة التي سببتها العقوبات"، مضيفا "لقد جعلتني أتذكر المشاكل المتسببة بفعل العقوبات هنا على العراق، حيث الفقر والمرض ونقص الخدمات، هم جيراننا وإننا قريبون إليهم، فإذا كانوا في حالة جيدة حينها سنكون نحن في حال حسن.
ولكن اولئك المعارضين للاتفاق- ومعظمهم من المسلمين السنة- يجادلون بالقول من إن الاتفاق يعطي لإيران الحق بالتدخل في العراق من دون أي معارضة أمريكية.
وقال صفاء عبد المجيد، وهو موظف في وزارة الكهرباء ويسكن في حي السيدية الذي يهيمن عليه السنة جنوبي بغداد، "إن الاتفاق النووي هو ضد مصالح العراق"، مضيفا أن "إيران والولايات المتحدة تحالفا من أجل تدمير هذا البلد، وأن علي خامنئي صرح مرارا وتكرارا ان التدخل العسكري لبلاده في العراق سيستمر بعد الاتفاق.
لقد أعاد الاتفاق النووي الإيراني أيضا ذكريات غير سارة للكثير من العراقيين- حول البرنامج النووي الذي بدأه الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ففي الفيسبوك وعلى موائد العشاء العائلية، يلقي اولئك الذين هم مع الاتفاق بالتهم ضد الذين يعارضونه، متهمين إياهم بالتعاون السري مع العربية السعودية ودول الخليج العربي.
وقال ماجد كاظم أستاذ علم الإجتماع وعلم النفس، ويحاضر في جامعتي بغداد والمستنصرية "في كل مرة هناك موضوع مثير للجدل من هذا القبيل، ويقف العراقيون مع هذا الطرف أو ذلك"، مضيفا "ليس بإمكانهم الاتفاق".
الاتفاق النووي وفّر أيضا فرصة لمنتقدي الحكومة العراقية للتنفيس عما بداخلهم بشأن السياسيين المحليين، لاسيما وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، وهو شيعي، لأدائه السيء في ميادين عدة - الصراع حول المياه مع تركيا المجاورة والنزاع حول ميناء مبارك الكبير الكويتي- بالمقارنة مع أداء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي ينظر إليه على أنه المنتصر بعد نحو عامين من المفاوضات الطويلة والصعبة.
وقد رحب معظم السياسيين رفيعي المستوى في العراق بهذا الاتفاق، على الرغم من أن بعض بياناتهم كانت أكثر فتورا من غيرها.
وقد صرح الرئيس العراقي فؤاد معصوم، وهو سياسي كوردي، لوسائل الاعلام المحلية أن "الاتفاق سيساعد على تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط".
وقال أياد علاوي، وهو أحد النواب الثلاثة لرئيس الجمهورية إنه "لسوء الحظ لم يناقش الاتفاق مسألة احترام سيادة الدول الأخرى والتدخل الإيراني في المنطقة". وعلى الرغم من كون علاوي شيعيا، إلا أنه يميل نحو اللوبي العلماني وهو معروف بعدائه لإيران، إلا أنه أقر قائلا "مع ذلك ما يزال الاتفاق مهما".
ووصف نوري المالكي، وهو رئيس الوزراء السابق والآن نائب آخر لرئيس البلاد، الاتفاق على أنه "انتصار لاولئك الذين يحبون السلام في هذه المنطقة وفي العالم". و قد عرف المالكي، في نهاية إدارته العام المنصرم، بصلته الوثيقة مع إيران.
أما رجل الدين المؤثر مقتدى الصدر، الذي يقود التيار الصدري المستمد قوته من ملايين المؤيدين والذي كان منتقدا لسياسة إيران تجاه العراق في الماضي القريب، فقد امتنع عن التعليق حول الاتفاق.
وأصدر عمار الحكيم، وهو رجل دين وأحد نظراء الصدر، ويترأس حزبا سياسيا شيعيا كبيرا هو المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، بيانا جاء فيه: "نهنئ الشعب الإيراني النبيل وقادته الحكماء ومفاوضيه الشجعان... نحن نعتقد أن الاتفاق النووي المفتاح لحل العديد من المشاكل الشائكة في المنطقة".
على المدى الطويل، يتوقع ان يلقي الاتفاق بتأثيره على الاقتصاد العراقي، عن طريق خفض اسعار النفط العالمية، الأمر الذي ينذر بتحديات مالية للحكومة العراقية، التي هي بحاجة إلى إرتفاع الأسعار للتغلب على العجز الحالي في الميزانية.
وقال أحمد الآلوسي، وهو محلل سياسي في بغداد، إن "المحادثات تركزت على أكثر من مجرد المسألة النووية"، مضيفا "وإننا سوف نعرف من دون شك.. ما إذا كان الطرفان اتفقا على حل الصراعات الأخرى بطريقة تصالحية، من خلال المفاوضات، أو ما إذا كانا ببساطة سيبقيان على الوضع الراهن".
مصطفى حبيب- الغارديان البريطانية/ مكتب طهران
ترجمة أحمد عبد الأمير