سيطر مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) على مدينة الرمادي، مركز محافظة الانبار في العراق، وهم يسيطرون على مدينة سرت الساحلية في ليبيا. وفي سوريا، فقدوا السيطرة على تل ابيض لصالح القوات الكردية، لكنهم يُحكمون سيطرتهم على مدينة تدمر الأثرية.
رصد دقيق
في هذا كله، يرصد الهولندي توماس فان لنغة تحركاتهم بكل دقة. ويعرف فان لنغة (19 عامًا)، رغم تخرجه حديثًا من المدرسة الثانوية، أين يتجه "جهاديو داعش"، والمناطق التي يسيطرون عليها، وتلك التي هُزموا، فيها أفضل من أغلبية المراقبين الآخرين. وسبب هذه المعرفة أن الهولندي الشاب يرسم خرائط تُعتبر من أفضل الخرائط لمناطق الحرب المشتعلة، وذلك على طاولة في غرفة نومه حيث عاش سنوات طفولته في امستردام. وهو لم يزر سوريا أو ليبيا او العراق يومًا، وتعلم العربية على يوتيوب.
لكن الهولندي الشاب لا يكتفي برصد داعش وخلافته، بل يعرف ما يفعله مقاتلو الجيش السوري الحر و"جهاديو" جبهة النصرة التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة وعناصر حزب الله اللبناني في سوريا. وفي ليبيا يرصد تحركات كتائب الزنتان، وفي نيجيريا يراقب تحركات جماعة بوكو حرام الاسلامية المتطرفة، وفي شرق اوكرانيا يتابع أنشطة الانفصاليين.
واستخدمت خرائط فان لنغة شبكة سي أن أن وصحيفة نيويورك تايمز ومجلة شبيغل. ومن المنطقي أن يسأل المرء عن سر اهتمام مراهق هولندي بالوضع على خطوط الجبهة في سوريا، وكيف يمكنه تصوير هذه النزاعات بمثل هذه الدقة، وبتفاصيل يكاد أن يتفوق بها على أي خبير آخر يحترف رسم الخرائط.
الرجل الحر
ما زال توماس فان لنغة يعيش مع أهله في بيت صغير قرب مطار سخيبول في امستردام. وهو يعترف بأنه لا يملك اجابة عن هذه التساؤلات، مكتفيًا بالقول إنه شخص عملي ويعتقد بأن على كل واحد أن يفعل ما يرغب فيه، وأكد انه لا يخاف الفشل، ولا يعرف مثل هذا الشعور، كما تنقل عنه شبيغل.
في المدرسة، درس فان لنغة المسرح، وأطلع على الفلسفة الانثروبوسوفية التي تقول بربط القوى العقلية للانسان والقوى العقلية في الكون. وتدرب في دار للمسنين، وجمع تبرعات لحماية حيوانات مهددة بالانقراض، وحفظ في ذاكرته اسماء جميع الطيور والثدييات في اوروبا الوسطى. وتعلم في "مدرسة حرة" حيث تتبع المحاضرات مبادئ رودولوف شتاينر مؤسس الفلسفة الانثروبوسوفية. ومن مبادئ هذه المدرسة التربوية ألا يتعلم الطالب كيف يفكر ويشعر فحسب بل وكيف يريد ايضًا، أي كيف يحقق ما يريد.
ذات مساء قبل اربعة اعوام، شاهد فان لنغة برنامجًا على سي أن أن عن الربيع العربي في مصر، ورأى شبابًا يكافحون من أجل حريتهم في ميدان التحرير وسط القاهرة. وكانت والدته الطبيبة النفسية ووالده الاقتصادي ربياه على أن يكون صاحب تفكير حر ينظر إلى العالم على انه مكان واعد. وهو يقول انه كثيرا ما يتمنى أن يكون الآخرون احرارًا مثله.
خريطة لسوريا
لذا اختار فان لنغة الحرب الأهلية السورية موضوعًا لعمله المدرسي. درس خريطة سوريا على غوغل وبدأ يرسم خطوط الجبهة ويحدد مواقع الفصائل المسلحة باستخدام الوان مختلفة. واتصل بناشطين كسب ثقتهم فأخذوا يمدونه بالمعلومات. ثم استمر في تطوير خريطة سوريا. وفي مطلع 2014، نشر نسخته من الخريطة لأول مرة على تويتر. ولديه الآن 14 ألف شخص يتابعونه في انحاء العالم. ويحرص فان لنغة على تحديث خرائطه بانتظام.
يتدفق سيل من المعلومات في آن واحد على هاتفه الخلوي من تويتر وفايسبوك ويوتيوب. ويتصل مع مقاتلين على خطوط الجبهة عن طريق سكايب، ويراسل ناشطين ومنظمات خيرية، ويتلقى رسائل حتى من رسامي خرائط محترفين. وتنقل عنه مجلة شبيغل أن لديه اجمالا أكثر من 1100 مصدر لخرائطه السورية.
وبعد أن انهى فان لنغة دراسته الثانوية أخيرًا، يفكر الآن في ما سيفعله تاليًا. وهو يقول انه يرغب في العمل اعلاميًا مستقلًا، والسفر إلى الخارج. وعلم خلال ابحاثه الخرائطية بوجود فتاة سورية قُتل والداها، وعليها الآن أن تتولى رعاية شقيقتها الصغيرة بمفردها. وكثيرًا ما يفكر فان لنغة في الفتاتين ويقول انه يدرك أن خرائطه لا تساعدهما.
أوحى له هذا بالتفكير في السفر قريبًا إلى احد الأماكن التي لا يعرفها إلا على خرائطه، ربما في اقليم كردستان شمال العراق. وهو يعتقد بأنه أمضى ما يكفي من الوقت في رصد الوضع عن بعد وحان الوقت لمساعدة البشر في مناطق معاناتهم.