أيام عظيمة مرت، لا تجاريها أيام. أيام المجابهة بالصدور العارية، لشباب انسدت امامهم فرص العمل. شباب في مقتبل العمر، أغلقت في وجوههم سبل العيش الكريم، طحنتهم البطالة وصعوبات الحياة. شباب واقعه مؤلم ومستقبله معدوم. شباب فقدوا الامل، ولم يجدوا ضوءاً في نفق المحاصصة المظلم. لم يبصروا حلا في نظام رسخ اللاعدالة، وكرس الهوة الطبقية والفوارق الاجتماعية والفجوة المعيشية بين طغمة اسـتأثرت بموارد البلد وامواله وامكانياته، وبين ملايين الشباب العاطلين عن العمل، وسكنة العشوائيات التي هدمت على رؤوس ساكنيها بأقسى صور الظلم، دون توفير بدائل تليق بمواطني العراق الغني بتنوع وامكانيات سكانه، وثراء موارده الطبيعية.
لقد فشلت الأحزاب المتنفذة، بقدر ما خدعت الناس بديمقراطية نظام المحاصصة الحاضن للفساد، وبقدرته المزعومة على التجاوب مع مصالحهم وضمان مستلزمات حياتهم، وحقهم في التعبير. ولم يُفهم جيدا المزاج الشعبي الرافض والساخط على ممارسات هذا النظام. ورغم الفشل الذي حصده لم توفر تلك الاحزاب وسيلة للدفاع عن هذا النظام الا واستخدمتها، حتى تلطخت ايادي البعض بدماء شباب العراق، الذين سبق ان وهبوا الدماء في مواجهة الإرهاب، مدافعين ببسالة عن بلدهم ومستقبله.
واخفق نظام المحاصصة في بناء الثقة بين الطعمة الحاكمة وبين عامة الشعب، وصار عدم الثقة يزداد ويتسع ويترسخ طرديا مع شدة القمع ومحاصرة الناشطين واشتداد حملات الاعتقال الكيفية.
وفشل نظام المحاصصة في ادعائه المداهن انه جاء لإنصاف الشعب ورفع الحيف عنه، ونقل العراق نقلة نوعية بعد السنوات العجاف التي عاشها تحت حكم النظام الدكتاتوري الذي حكم العراق بالنار والحديد.
وعملت طغمة الفساد على إشاعة اليأس في أوساط الشباب من أي امكانية تغيير، حتى جاءت المفاجأة غير السارة لهم، اذ انتفض الشباب في انتفاضة باسلة، وهبة نادرة، ووثبة جبارة، بوجه الفساد والمفسدين والمحاصصة.. وثبة الكرامة العراقية. وهكذا صنع شباب العراق فجرا جديدا، فجرا يبشر ان التغيير قادم، وانه ليس مستحيلا، بل انه ممكن تصنعه الارداة الشعبية الباسلة.
لم تكن الأيام الماضية، أياماً اعتيادية، كانت أياماً فاصلة في تاريخ العراق المعاصر، أياماً هزت عروش المتنفذين، واعلنت بوضوح تام ان نظام المحاصصة الطائفية والاثنية لم يعد مقبولا. فقد رفض شباب العراق من أقصاه الى أقصاه النهج الذي سار عليه النظام، والذي أرسى عدم العدالة والتمييز والتهميش، وانتج الفساد والفقر.
قال الشباب ان الخطاب الطائفي المداهن لن ينطلي، وقد فات اوانه، واشروا فشل كل من يستغل الطائفية السياسية، ومحاولات جرهم الى تناحر غرضه تأبيد وجود طغمة الفساد في مفاصل السلطة.
هنيئا لشباب العراق الذين جعلوا موضوعة العدالة الاجتماعية، العنوان الأبرز في انتفاضتهم الباسلة امام نظام تغييب العدالة.