الحياة ايام و تقلبات إن جاز التعبير عنها بلغة الطب و الاطباء كتخطيط القلب تارة في الاعلى و اخرى نحو الاسفل, واذا ما استقام الخط فانها دليل توقف الحياة و اعتبارها في عداد الموتى , هذا على المستوى الفردي و لكن الشعوب و الامم لها نفس السمة , فكم من حضارة ودولة ازدهرت و ذاعت صيتها و تقدمت وما هي إلا ايام لتبدأ بالاندثار والتآكل والفناء لتبقى منها آثار وما يرويه الناس عنها .
اقليم كوردستان ليس بمنأ عن هذه السنة الالهية والناموس المعتاد , بل انها من المناطق والشعوب التي تقل نظيراتها في تحولاتها وتغيير ادوارها بين القوة و الضعف , ولكنها أمة صامدة وصائبة وصلبة ضعفها لا تعني عدم قدرتها على القيام و الثبات اذا ماسنحت لها الفرصة و الاسباب .
ان الازمات التي تعترض طريق التقدم تترك وراءها تجارب و دروس و يظهر على الملأ حقيقة كل انسان و شعب و قوته و مدى استجابته لها و طريقة تعامله معها و القدرة على تجاوزها و الاستفادة منها في المستقبل اذا ما تكررت .
تتعدد الازمات التي تعرضت لها اقليم كوردستان باعتباره التجربة الديمقراطية الفتية والنموذجية في منطقة الشرق الاوسط وبفضل التطور الحاصل و الازدهار الذي شهده الاقليم على الرغم من مايقف امامه من عقبات فالعاصمة اربيل تعد مركزاً دولياً في الصناعة والتجارة ونقطة التقاء الدبلوماسية العالمية و محل اعتزاز كل كوردستاني , اختلاف الازمات والمعقوقات و تنوعها و درجة حدتها وشموليتها واستمراريتها وادواتها و اهدافها تمثل دورة ثقافية و تنموية و تجربة غنية بمبادئها و عطاءها, يخلق انساناً صامداً ناجحاً قادراً على التجاوز , متعاوناً مستعداً للتضحية , و متفائلاً بعيداً في نظره يستطيع قراءة ما وراء الكواليس و الاخبار , فطناً ذكياً .
كل ازمة تمثل تجربة يظاف الى تجارب المواطن الكوردستاني بحلوها ومرها في جوانب متعددة من الحياة مع التركيز على احداها في اكثر الاحيان و ان المذكور من هذه التجارب لا تعني باي شكل انها الوحيدة بل هناك العديد منها ولكنها اكثر تأثيراً واكبر حجماً وابلغ واشمل وهي :
- هجوم التنظيم الارهابي (داعش) على اقليم كوردستان في الشهر الثامن من عام 2014 . الشعب الكوردستاني كان ضحية الارهاب بكل انواعها و لكن كان (داعش) اشرسها و اكثرها دماراً و خراباً و جل اهدافها تكمن في كتابة النهاية لهذا الشعب و لكنها كانت ضرباً من الخيال و كان تجربة نادرة و استفاد منها وجود حب الوطن و التضحية و الفداء من اجله , ذلك الحب الحيوي النابض من الاعماق ليصرخ في وجه الارهاب باعلى الصوت ان الوطن (كوردستان) امانة و مسؤولية ونور لا ينطفئ صامد كالجبال و سيبقى عزيزاً شامخاً ثابتاً حياً مهماً و فعلاً تم دحر داعش بدماء زكية طاهرة و قطرات و عرق الجبين البيشمركه رموز الدفاع و الشجاعة من اجل الانسانية .
- الازمة المالية عملت الحكومات العراقية المتعاقبة بكل ما اوتو من قوة من اجل اضعاف مكانة الاقليم داخلياً و دولياً و اختلفت وسائلها حيث ابدعت و اخترعت حتى مست قوت الناس وحياتهم وذلك بقطع الميزانية و رواتب موظفي الاقليم من قبل بغداد وعام 2014 مما دفعت بحكومة الاقليم الى اتخاذ اجراءات صارمة بادخار الرواتب و قطعها الى ادنى المستويات و اوقفت مشاريعها و اثرت على مفاصيل الحياة و كان لمواطني الاقليم موقفاً شجاعاً و مميزاً بتحمل هذه الاعباء و وقفوا الى جانب حكومتهم وكانت تجربة نادرة بالرغم من مرارتها حيث تعلم الشعب منها على ان التخطيط اساس الحياة، و لابد ان يكون الانسان جاهزاً لمواجهته اصعب الظروف دون ان يفقد الامل و ان يتحمل اعباء الحياة في اضيق ساعاتها و ان يتوازن بين الايراد والمصروف باعتبارهما كفتي ميزان كفيلة بنجاح العائلة و سعادتها و علمنا ان الحياة ارتفاع و انخفاض , عزة و مذلة , فقر وغنى و لكنها ستمر لان دوام الحال من المحال .
- فايروس كورونا، بظهور هذا الفايروس الذي اعلنه منظمة الصحة العالمية و باء منتشراً في ارجاء العالم اتخذت حكومة الاقليم مجموعة من الاجراءات الوقائية التي هي محل تقدير من لدن المواطنين و الدول ايضاً منها غلق المحال العامة ومنع التجوال واجتماع الناس ناهيك عن تهيئة الاماكن الخاصة لحجز المشتبه بهم كانت لها صدى كبيراً و على الرغم من الخوف و الذعر الذي خلفه في النفوس إلا انها كانت تجربة جديدة و مختصرة لكل ابناء الشعب بان الحكومة تحاول تأمين الامن الصحي لهم بل انه من اولويات عملها و كل ما تم اتخاذه هي في سبيل حمايتهم من هذا الوباء و من جانب اخر تعلم المواطنين كيف يمكنهم حماية حياتهم بالاعتماد على انفسهم و ان يتخذوا اهم الاجراءات و التعليمات الموجه اليهم من قبل الجهات المختصة و ان النظافة في البيت و الشارع لها اهمية كبيرة .
كل الازمات ومهما اختلفت يمكن تجاوزها بوحدة الصف الوطني وتكاتف الايادي،املنا كبير ان تبقى هذه الدروس المستفادة من هذه الازمات حية في الاذهان و نراهاً واقعاً ملموساً و لا تمر دون نفع او تصاب بالنسيان .