ما نلاحظه منذ سنوات على الساحة السياسية في الإقلیم هو تفشي ظاهرة الشعبوية، التي من الممکن إن تعمق وإتسع مدی إنتشارها وإزدات تفاعلها في الساحة السياسية أن تؤثر بشکل سلبي علی مستقبل الکيان السياسي في الإقلیم.
لکن بسبب هشاشتها وعدم إمتلاکها لأسس إيدیولوجية متینة أو ثقل عقائدي أو عقلاني قوي لاتستطیع آفة الـ "Populism" أن تصيغ لنفسها كأية أيديولوجيا أخرى مساراً سياسياً واضحاً أو تضع حلول أو مبادرات في عالم السياسة والمجتمع والاقتصاد وجوانب النشاطات البشرية الأخرى.
إن رؤیتها السياسية والمجتمعية غير المترابطة تقتصر علی نطاق محدود جداً من القضايا التي تتبناها على الأصعدة المختلفة، لذا نراها عندما توضع علی محك الواقع متانثرة المفاهيم أو غیر متناسقة و وأحياناً متناقضة، تسعی دوماً الی خلق حالة من فصام أو تناشز في المجتمع بهدف الفصل بين قطبين، إحدهما متناغم معها وآخر معادٍ لها.
الشعبوييون ينظرون الی قضايا الوطن و مصير الشعب بمنظار نسبي ضيق وفق معادلة "الأبيض والأسود" والعداء السافر مع الآخر المختلف معهم فكراً و عملاً.
ولعدم قدرتهم علی التصالح في التعامل السياسي يقومون بإثارة مشاعر الشعب وجلب إنتباهه، وهم يمیلون الی المبالغة والتوسع في إستخدام اللغة الدارجة والبسيطة، تلك التي يتقبلها ويفهمها ويتأثر بها رجل الشارع البسيط وبالشكل الذي يثير مشاعر الخوف والكره والغضب ضد الآخر المختلف، الذي يقف ضد مشروعهم و يسعی الی إبطال سحرهم المؤقت.
خطابهم المسموع والمقروء علی قنواتهم التلفزيونية الرخيصة أو علی صفحاتهم الألکترونية المستغلة للإنترنت والتقنيات المتعلقة به بهدف التشهير بالرموز القومية بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية أو علی الشبکات الإجتماعیة البعيد عن أسس التغيير أو الإصلاح ذات أطر متینة يدور في فلك التغيير من أجل التغيير، غير مهتم بالعواقب المحتملة لهذا التغيير.
أصحاب هذا المشروع الطُفيلي، المأجورين عادةً من قبل جهات داخلية وخارجية معادية لقضية شعب كوردستان ونموذجه السياسي الناجح في المنطقة، لاينظر بارتياح إلى المؤسسات الرسمية، لديه سيطرة طاغية علی أتباعه، يتعامل بشكل أبوي صارم و موجه له، يطرح نفسه علی أنه الحامي والراعي لمصالح تلك الفئة التي يقودە أو التي يدّعي تمثیله، حیث يخلق لنفسه صورة علی أنه شخصية من عامة الشعب، قولاً وفعلاً.
لو أمعنا النظر الی الهیاکل التنظيمية لأحزاب وتنظيمات و حراکات الشعبوية، نراها بسيطة، فهي عادة تقاد بشكل مرکزي من قبل صاحب المشروع أو الحلقة القريبة والمحيطة به، حیث تتخذ القرارات فیها بشکل مائل الی التفرد.
وعند تسلم الأحزاب والحراکات الشعبوية مواقع مسؤولية اتخاذ قرارات نراها تواجه الحرج، لأنها لاتستطيع أن تحقق من خلال تلك المواقع مطالب جماهيرها، لذا تسعی بعد صياغة شعارات تضخم مخاوف الشارع في مواقفها و تصريحاتها اليومية الی توجيه أسباب فشلها إلى جهات جديدة تتصارع معها.
إقلیم کوردستان، الساعي الی بناء کيان دولة، الذي يعيش بسبب الأزمة الإقتصادية و الصحية في ظروف لا يمكن ان نجد مثيلاً لها في اي بقعة من العالم، بحاجة الی التركيز على وحدة الصف والتکاتف المجتمعي و السعي في مکافحة الفوضى السياسية ومشاريع القوی السلبية، التي تعمل علی تغذية مشاعر الخوف والارتياب بين المجتمع وداخله، ليجعلنا أشد انقساماً ويزيد من مستوى الخطاب السام والسلوكيات السامّة التي أفسدت المجتمع الكوردستاني وشلت جزئياً قدرتە الجماعية على التصرف بكفاءة. علینا الاعتماد على الذات في توفير ما يمكن ان نهيء به الارضية المناسبة لتحقيق الاماني و الاهداف السامية وتعديل المسار والإستعانة ببوصلة الواقع و رفع العراقيل أمام تحقيق تلك الأهداف و الأماني المقدسة، الذي قدم شحب كوردستان الكثير من اجلها.
نعم الجماعات الشعبوية تعمل علی نخر الکیان السياسي للإقلیم وهي تندفع بتلهف نحو ملذات السلطة في حال إذا توفرت لها فرصة، لکنها لاتقدر. والوقت وحده هو ما سيقنع من يؤيدون حراکهم حالياً بفشل مقترحاتهم ويکشف عن خواء جعبتهم وسقوط کل شعاراتهم.