بعد تشكيل السيد عادل عبد المهدي للحكومة العراقية بمشاركة الكورد، وإعلان الرئيس مسعود بارزاني تأييده للسيد عبد المهدي، دبّت الحيوية والدفء على نحو طبيعي في شرايين العلاقات بين أربيل وبغداد عبر إتصالات ولقاءات معلنة، وأخرى غير معلنة. وسادت الأجواء التفاؤلية على المقاربات والعلاقات بين الجانبين، وقطعت شوطاً كبيراَ في الفهم المتبادل، كما أكدت على وجود إرادة جامعة لمحاصرة كل الظواهر السلبية، ودلت على إمكانية معالجة النقاط العالقة بتقريب وجهات النظر والحوار والإنفتاح على جميع الإتجاهات لتسهيل العقد المستعصية ومعالجة الإشكالات الجوهرية.
هذه الأجواء التفاؤلية، أسعدت البعض لأنها ستمهّد حتماً لإستحقاقات وطنية وقومية مهمة، ألا وهي، تطبيق الدستور دون إنتقائية، وتجسيد الشراكة الحقيقية والتوازن في مؤسسات الحكومة والإستقرار والإنفتاح الدائم على مبدأ العلاقات الجيدة الدائمة بين الجانبين وتطويرها وتحسينها وفق المصالح المشتركة.
كما أغاضت، تلك الأجواء التفاؤلية، كل الذين يحاولون الصيد في المياه الآسنة.
الذين سعدوا في كوردستان والعراق، أناس يعتبرون المرحلة الحالية وقتاً مهماً يمتحن فيه الذكاء والإخلاص، وتختبر فيه الإرادة والشجاعة دفاعاً عن الثوابت والقيم والمبادىء، كما يعدونه إستحقاقاً وطنياً لإثبات الهوية والذات والقرار الصحيح الذي يعي الدور الكوردي المؤثر في كل القضايا، والذي يرسم معالم الحياة السياسية الحالية والمقبلة، والبرامج والمشاريع التي تخدم المواطن وتجسد تطلعاته المشروعة.
أما الممتعظون، أصحاب العقليات المتحجرة والمتخلفة المؤمنة بالعنف والهيمنة والتحايل والطمع والجشع، فيظهرون عداءاً واضحاً تجاه الأجواء الإيجابية الجديدة، والتقارب اللافت الجدي والمنطقي بين أربيل وبغداد، ويعترضون على القرارات والإتفاقات التي تدل تؤشر الى الصبر الطويل، والنفس الواسع، والتي تهم الغالبية، وعلى المواقف والرؤى التي تدعو الى تنفيذ الدستور وبالذات المادة 140 منه، وتلافي الثغرات والعيوب في العلاقات القديمة.
هؤلاء الممتعظون المتخبطون، لهم قدرة عجيبة على التغير غير المنطقي وغير الموضوعي بين إتجاهات متناقضة، أغلبها تستدعي القوة بدلاً عن المنطق، وخطاباتهم المتناقضة بأصنافها وتصنيفاتها، تتشابه مع الخطابات القومية الشوفينية التي سمعناها طوال العقود السابقة، وتصب في مصلحة أعداء الكورد والعراقيين وخصومهم الذين يتغذون على الأزمات ويستغلونها لمصالح شخصية أو حزبية أو آيديولوجية، ويحزنون لما يسرّ الكورد والعراقيين، ويفرحون لما يضرهم ويزعزع أمنهم وإستقرارهم. لذلك لا يمكن فصل الإعتراضات الحاضرةً بقوة على تنفيذ المادة 140 من الدستور مع السياسات العدائية غير المبرّرة ضد الكورد، والانخراط في الحروب الإعلامية والسياسية والاقتصادية الإعلامية ضدهم، ومع الجهود التي تبذل من أجل التأثير السلبي على أوضاع العراق السياسية الاقتصادية والأمنية، واستقراره، ومع التحركات والحماقات المشبوهة المتحمسة لتمكين داعش و الإرهاب والإرهابيين من العودة إلى الساحة، ولتكريس تلك الصورة النمطية البشعة في ذاكرة العراقيين، وكذلك مع الرغبات الدفينة التي تحاول ترك عادل عبدالمهدي وحيداً أمام أزمات داخلية متفاقمة، والضغط عليه، وتهديده وإبتزازه، وتحميله سبب كل التداعيات السلبية.
أما لإنجاح الإتفاق الكامل الممكن بين أربيل وبغداد وديمومته، ولكي يكون للتقارب والإتفاق إنعكاسات على العلاقات بمستوياتها المختلفة الشعبية والرسمية. فإننا بحاجة الى أن يكون الدستورهو الأساس الجوهري للمفاوضات بين الجانبين. وأن يكون عندناالإستعداد للتساهل، وحتى تقديم التنازلات التي لا تتعارض ولا تتناقض، بل تنسجم جوهرياً، مع المصالح الوطنية والقواسم المشتركة الكبيرة، والعمل على تغيير الوعي الشعبي والنخبوي السياسي. والمضي في سياسة الانفتاح بإعتبارها القاعدة الأساس لمواجهة التحديات المعقدة والصعبة التي تواجهنا والتي تمنع تشعب المسائل. كما إننا بحاجة الى أن نعلم أن في كوردستان والعراق، أناس يريدون إثارة المشكلات للتغطية على مشكلاتهم وفسادهم وجرائمهم، وزج الجميع في معادلات خيالية تؤدي الى الخراب والدمار.