الحصار الاقتصادي هو حالة تفرض من جانب جهة معينة على جهة أخرى خاصة فيما بين الدول , من أجل تحقيق أهداف مختلفة كأتخاذ موقف معين أو الأمتناع عنه لمصلحة الدولة (الجهة) القائمة بالحصار .
الحصار الاقتصادي يؤثر بشكل سلبي على حياة المواطنين في المنطقة المحاصرة لأن الثمن الحقيقي لهذا الحصار يدفعه المواطن بشكل مباشر .
إن لجؤ الأنسان إلى فرض الحصار الاقتصادي على بني جنسه أسلوب قديم , و هو جزء من الحروب العسكرية او مقدمتها قبل شنها من أجل إضعاف الروح المعنوية و فقدان الإيمان بقضيته و تسهيل الأستسلام و الخضوع لسيطرته , و هناك أمثلة عديدة عن الحصار الاقتصادي في التاريخ البشري و كانت لها فعالية كبيرة لإضعاف و حتى إسقاط القلاع و المدن المحاصرة , لأن قطع الأرزاق يعني وضع النهاية لحياة المحاصرين , و لكي لانذهب بعيداً و نغوض في أعماق التاريخ , فقد لجأت الحكومة العراقية في ثمانينيات القرن الماضي إلى فرض الحصار الأقتصادي على المناطق المحررة من كوردستان العراق (شمال العراق حسب تعبيرهم المتداول) تمهيداً للقيام بعمليات الأنفال السيئة الصيت و تشديد الخناق على الشعب الأعزل , و أستناداً الى الوثائق الرسمية الصادرة من الجهات الحكومية و الحزبية آنذال تؤكد على أن فرض الحصار الأقتصادي و توزيع المواد الأقتصادية الأساسية (طحين – سكر – شاي – دهن) يكون بموجب البطاقة التي تحدد الكمية اللازمة لكل عائلة ... منع نقل هذه المواد من محافظة إلى اخرى إلا من قبل الجهات الرسمية المختصة ... أتخاذ الإجراءات لمنع وصول المواد الغذائية و الأستهلاكية و المواد الأخرى التي يتخذها المخربين الخونة (حسب تعبيرهم) مقرات لهم بالإضافة إلى فقرات أخرى جاءت في الوثيقة المرقمة (28/4984 في 29/6/1985) الصادرة من مكتب تنظيم الشمال موجهة إلى اللجان الأمنية و الفيلق الأول .
أما الوثيقة ذي العدد 28/3650 في 3/6/1987 الصادرة من مكتب تنظيم الشمال إلى القيادات العسكرية و الفروع الحزبية و الدوائر الأمنية تنص في فقراتها على منع إيصال المواد الغذائية إلى القرى المحذورة أمنياً و يمنع التواجد البشري و الحيواني فيها و يحرم رعي الحيوانات و المواشي و منحت القوات العسكرية كل ضمن قاطعه قتل أي أنسان أو حيوان يتواجد في هذه المناطق .
و الوثيقة المرقمة 28/2008 في 30/6/1987 الصادرة من مكتب السكرتارية في قيادة مكتب تنظيم الشمال إلى قيادات الفيالق (1-2-5) نصت على تحريم التواجد البشري و الحيواني في المناطق (المحررة) المحذورة أمنياً و يحرم السفر منها و إليها أو الزراعة فيها , و أن هذه الوثائق و مئات غيرها كانت تمثل خارطة الطريق و أساس القيام بعمليات الأنفال , أما الوثيقة الأخيرة التي يمكننا الإشارة إليها و هي الصادرة من لجنة مكافحة النشاط المعادي لمحافظة السليمانية ذي العدد /1443 في 27/8/1988 تنص على التشديد على تطبيق ضوابط الحصار الإقتصادي , و هذا يدل على ان الحصار الاقتصادي بدأ قبل العمليات العسكرية و استمرت حتى بعد انتهاءها .
على الرغم من مرارة و وحشية هذه العملية و قساوتها و أعداد ضحاياها إلا أنها دفعت بالقضية الكوردية ان تخرج الى الملأ و حركت ضمير المجتمع الإنساني خاصة عند لجؤ أعداد غفيرة من الشعب إلى تركيا و إيران , و من جانب آخر ان فرحة السلطة العراقية لم تدم طويلاً و فقدت السيطرة على نشوتها و أحتل دولة الكويت و رأينا كيف كانت النتائج و قام الشعب الكوردستاني بأنتفاضة مباركة تمخضت عن ولادة برلمان و حكومة لتكون أول تجربة ديمقراطية متينة في المنطقة برمتها .
حينها لجأت الحكومة العراقية الى فرض الحصار الاقتصادي على أقليم كوردستان و حاول بكل ما أوتي من قوة ان يمنع المواد الغذائية و المساعدات الإنسانية من الدخول إليها , و لكنها كانت دون جدوى و على الرغم من صعوبة المرحلة و مرارتها , إلا أن الشعب صمد و ثبت و كانت في النهاية عمليات تحرير العراق عام 2003 بقيادة تحالف دولي مستبشراً ببناء عراق ديمقراطي تعددي برلماني . و ماهي إلا سنوات و تبدأ الحكومة العراقية بقطع الموازنة و رواتب موظفي الإقليم لمرات عديدة , كلما شاهدوا تقدماً و أزدهاراً للإقليم , نقول ان قطع قوت الشعب مخالف لكل القيم و الأعراف الأنسانية و مناقض مبادئ حقوق الأنسان و إننا نؤمن بأن بعد العسر يسرٌ و الفرج قريب بأحسن مما كان .
حيث ما ان لجأت الحكومات الى فرض الحصار و أستخدام قوت الشعب لأهداف سياسية إلا و تبدأ هيكلها بالتشقق و الأنهيار و ان تحليل الوضع العراقي يشير الى ذلك وسط تأزم الخلافات بين القوى السياسية و ظهور داعش الإرهابي و الأزمة الصحية و الأقتصادية و الأمنية .
الأيام القادمة كفيلة بكشف آثار الحصار الأقتصادي وقطع رواتب موظفي الإقليم وستدفع الجهات التي قررت ثمن ذلك عاجلا أو آجلا