تعد المظاهرات السلمية احدى اهم انواع الاحتجاجات الشعبية كما يذهب اليه اسماعيل محمد البريشي في دراسة له عن المظاهرات السلمية بين المشروعية والابتداع، والتظاهر من حيث اللغة كلمة مأخوذة من الظهير وتعني العون،واصطلاحاً تعني تجمع او سير عدد من الاشخاص بطريقة سلمية في مكان او طريق عام، بقصد التعبير عن رأي او الاحتجاج او المطالبة بتنفيذ مطالب معينة ومحددة، والتظاهر السلمي يعد احد ابرز الاساليب التي تستخدم للتغيير السلمي، وعلى هذا الاساس هو تعبير جماعي عن الرأي، يهدف الى الضغط على جهة معينة، من اجل تحقيق مطلب معين، وقد تكون الغاية من التظاهر او الاحتجاج على او تأييد موقف او قرار معين، وحق التظاهر في المواثيق الدولية والقوانين المحلية امر منصوص عليه وفق مواثيق حقوق الانسان الدولية باعتباره جزء من حق التعبير عن الرأي او المشاركة السياسية، وقد اقرت اغلب دول العالم بحق التظاهر السلمي، والخلاف بينها هو في طبيعة القوانين المتعلقة بحق التظاهر السلمي، هل تنظم هذا الحق فقط، أم تلغيه فعلياً، كما يؤكد ذلك د.صبري محمد خليل في مقال له عن التغيير السلمي.
وتتفق اغلب المصادر القانونية ان السلمية والتي تعني - المسالمة - كما وردت في معجم المعاني، وهي عقيدة تنفي اي مبرر للحرب وتعتبر ان كل النزعات بين الامم يجب ان تحسم بطريقة سلمية ، تعد ركن اساسي من اركان التظاهر، والسلمية بدورها تتخذ معايير خاصة تجعل من المظاهرات قانونية لاسيما في الدول الديمقراطية، فمثلا ان يلتزم المتظاهرون بالامكان الخاصة بالتظاهرات التي لاتعيق سيرورة الحياة اليومية للافراد غير المتظاهرين ولا حتى المؤسسات الخدمية ولاتعطل الطرق ولاتخدش حياء الافراء بالفاظ نابية، كما انه من الضرورة ان تتوفر في اماكن التظاهر جميع المرافق والمسلتزمات التي لاتجعل من اماكن التظاهرات خراباً وموبؤة.
ومن الشروط الضرورية في التظاهرات السلمية في الدول الديمقراطية ان لاتؤثر في الاستقرار والامن العام، وتكون بشكل حضاري ، والملاحظ في التظاهرات الشرق اوسطية بصورة عامة باستثناء تظاهرات لبنان الاخيرة، انها تسبب في اتلاف المال العام والخاص، حيث تتعرض بعض المؤسسات وبعض المقرات المخصصة للاحزاب السياسية وحتى بعض المحلات العامة للاتلاف كما انها تعيق مظاهر الحياة العامة من خلال اجبار بعض اصحاب المحلات لغلق محلاتهم خوفاً من استغلال التظاهرات والهجوم عليها وسلبها، وكذلك غالباً ما تسبب المظاهرات في تعطيل الطرق وحركة الجسور المؤدية الى المؤسسات الحكومية سواء الخدمية او غيرها، وبالتالي انها ترسم صورة سئية للدولة بسبب الامور التي ترافق التظاهر من حرق السيارات وحرق الاطارات وسد الطرق بالحواجز الكونكريتية ووالصخور والنفايات.
وبذلك لايمكن تصنيف تلك التظاهرات ضمن اية اعتبارات اصطىلاحية سياسية دولية او قانونية، غير انها تسبب الفوضى، فلاهي قادرة على البقاء ضمن الدوائر القانونية للتظاهر، ولا هي ثورة ، ففي علم الثورات يتم تعريف الثورة السلمية – كما ورد عن منظمة الحريات للتواصل بين موظفي قطاع العدل بالمغرب - على انها فعل مقاوم هدفه انهاء الاستبداد ويعتمد على المقاومة المدنية بهدف سلب السلطة قدرتها على اخضاع الشعب وذلك بدفعه للخروج للمطالبة بحقوقه واظهار العصيان المدني وايضاً سحب دعمه للنظام الحاكم، وفي اية دولة او مجتمع لاتستمد السلطة شرعيتها الا من خلال الدعم الشعبي لها، وذلك بعيداً عن العنف الذي يمثل اساساً في الهجوم العسكري وحرب العصابات والاغتيالات، ومن المفارقة ان نلامس بأن الشعوب الشرق اوسطية على الرغم من انها تدعي بانها تقود تظاهراتها سلمياً وبعيداً عن العنف الا انها سرعان ما تنخرط في اعمال التخريب من حرق السيارات واغلاق الطرق واستخدام الالفاظ النابذة والى غير ذلك، والمفارقة ايضاً انها في الغالب تخرج لمطلب صريح ومحدد، وسرعان ما يتحول ذلك المطلب الى مطاليب اخرى جزئية متفرقة تؤدي بالتالي الى عدم وجود نمط مستقر في الرؤية التظاهراتية ضمن دوائر ثابتة واهداف محددة، لكونها حتى حين تحصل على المطلب الرئيسي والذي خرجت في الاساس من اجله نجدها تستمر في حركة العصيان ونفسر مطاليبها بتفسيرات اخرى تكون معقدة على المستوى السياسي باعتبار ان الدولة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية لاتكون قادرة على تنفيذها لانها ستؤدي بالدولة الى السقوط ولايمكن تشكيل حكومة وطنية كما ينادي المتظاهرون بشخصيات لاتملك الدعم السياسي والمالي داخلياً واقليمياً ودولياً، لان الدول في الاساس قائمة على اعتبارات وطنية في قوالب دولية مكبلة بسلسلة من القوانين الدولية والمعاهدات التي ترسم لها ملامحها وقيمتها ككيان وسيادة.
على هذا الاساس يمكن النظر الى التظاهرات في الشرق الاوسط بصورة عامة وفي العراق الان بشكل خاص على انها خاضعة لتناقضات مطاليبية من جهة، ولضغوطات قانونية من جهة اخرى، فالتناقض في المطلب الاساسي الذي كان اسقاط الحكومة واستقالتها تحول الى مطلب شعاراتي لايمكن تحقيقه على ارض الواقع، لانه في الاصل لا العراق ولا اية دولة اخرى في المنطقة كلها تمتلك تلك السيادة المطلقة بعيداً عن التدخلات الخارجية المتمثلة بالمنظومة الدولية ومصالح تلك المنظومة في المنطقة، لذا فان شعار نريد وطن امر اعتقد بانه أُطلق لاثارة العواطف الجياشة للشعب بالاخص الشرائح العاطلة عن العمل والشرائح المهمشة التي تنظر الى السلطة على انها السبب في ما هم فيه من فقر وبطالة وضياع، فتتحول تلك المشاعر الى عداء واضح تجاه الحكومة نفسها وقياداتها، ومن ثم الى الجهات الموالية والداعمة للحكومة داخلياً وخارجياً، فداخلياً تتجه انظار المتظاهرين الى المراكز والمقرات والمؤسسات الحزبية واحياناً الحكومية حيث تحرق وتنهب وتؤدي بالتالي الى وقوع ضحايا بين الجانبين، وخارجياً تتجه الانظار الى اكثر دولة مؤثرة على القرار السياسي الداخلي وتتدخل بشكل مباشر في سيادة الدولة فيبدأ المتظاهرون بالتنديد بها والمطالبة باخراجها من الدولة.
وهنا تبرز مفارقة اخر ففي حين يحتاج التغيير بالعنف بشكل اساسي للقدرة الجسدية والتفوق المادي فانه بالمقابل يحتاج التغيير باللاعنف الى الذكاء العقلي والتفوق الاخلاقي، فبالعقل يمكن ابتكار وسائل متجددة وضرورية لرفض النظام القائم المستبد، بينما يضمن التفوق الاخلاقي على الخصم اتساع تأييد الشعب وكسب التعاطف الدولي، فتتحول الثورة السلمية بخطوطها العريضة الى موضوع دولي وتدخل دولي اممي وفق القوانين المتفق عليها دولياً، والغريب في الامر انه لحد الان لم ترتقي التظاهرات الى مستوى الثورة بل ان الطبقة المثقفة والواعية والسياسية المعارضة نفسها لم تتفق على اطلاق تسمية موحدة على ما يحدث في العراق بالذات فبين قائل بالثورة واخر يردد شعار المتظاهرين نريد وطن واخرون يرون بان اسقاط الحكومة وتشكيل اخرى من الشعب داخل ساحة التحرير والى غير ذلك من الاقاويل والطروحات التي اطلقت خلال هذه الفترة حول التظاهرات في العراق.
وكوجهة نظر شخصية كان من المفروض ان يتم تكثيف العمل وفق آليات مقننة يتم من خلالها توجيه التظاهرات لهدف اساسي ومحدد وعدم السماح للتأويلات العامة ان تفسد الصورة الحقيقية التي خرجت من اجلها التظاهرات وهي استقالة الحكومة واعطاء المجال لتشكيل حكومة جديدة وفق الدستور والفترة المنصوص عليها دستورياً مع التأكيد على السقف الزمني المحدد لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات ودون انتظار المخاصصة والمحاصصة كي تحكم على الواقع السياسي من جديد، فضلاً عن جعل قانون التظاهر سلاحاً بيد الشعب لتهديد اية سلطة مستبدة، والعمل على نشر الوعي بين الجماهير بالابتعاد عن ما يعكر صفو التظاهرات قانونياً وضلك من خلال التأكيد على العمل المدني، فضلاً عن التأكيد بأن الشعب مستعد للخروج مرة اخرى اذا ما وجد بأن التدخل الخارجي والدعم الخارجي لجهة معينة هي التي حسمت امور تشكيل الحكومة.
ولكي يتحقق كل هذا على الجماهير الشعبية ان تؤمن بقدرة بلدها على الدخول في هذا المعترك السياسي وفق اسس حضارية، وهذا لايتطلب الوعي فحسب بل تقنين التظاهرات كي لاتكون سلاحاً بيد احزاب سياسية معارضة تحرك الجماهير متى ما شاءت، لذا فانه من الحكمة ان تعي الجماهير بان ممارسة حقوقها السياسية يجب ان تكون من خلال قنوات شرعية، فالقانون يكون هو الحكم، وان العدالة لاتقف عند باب اصحاب النفوذ والمال والسلاح، وانها لاتفرق بين جميع فيئات الشعب، كما يذهب اليه شادي طلعت في دراسته عن معنى التظاهر واركانه، فضلاً على ان يشمل قانون التظاهر تحديد اماكن خاصة كي لاتعطل الحياة اليومية المؤسساتية والفردية، على ان تكون تلك الاماكن مجهزة لاغراض ومتطلبات التظاهر، بالاضافة الى ان تعي الجماهير بأن تتظاهر وفق دوائر ومطاليب محددة وان لاتتأثر عاطفياً بالشعارات التي يطلقها البعض لربما هي في الاصل تأتي لاثارة الشغب والتخريب مما يمهد للسلطة بأن تستخدم العنف والسلاح تجاه المتظاهرين مدعية بان تلك التظاهرات خرجت عن مسارها واصبحت تهدد الامن القومي، وحين يتعلق الامر بالامن القومي فانه لاقوة ستردع تلك الحكومات من استخدام كل الوسائل لاسكات الاصوات والقضاء على من تراها تعارض سياستها، ومن جملة القوانين التي يفترض ان تلتزم بها المظاهرات هي ما يتعلق باحترام الاجهزة الامنية والشرطة لحقوق المتظاهرين طالما هم محافظون على القوانين المتعلقة بحق التظاهر، ولعل التأكيد على اهمية التزام التظاهرات بالسلمية فعلاً وقولاً، ضرورة قصوى، بحيث لاتتعرض للمؤسسات الحكومة ولاتقوم بحرق مراكز الاحزاب حتى وان بدت لها احزاب فاسدة ناقمة حاقدة، فاتلاف المال العام يعد قانونياً امرً دافعاً للسلطات باستخدام القوة تجاه المتظاهرين، وحتى القيام بالكتابة على الحوائط والمحالات العامة والاماكن الحكومية امر يستحسن الابتعاد عنه لانه قانونياً يدخل تحت سقف اتلاف المال العام، والابتعاد عن اتلاف مال عيني للدولة او للافراد امر حضاري ويساهم في خلق صورة حضارية للمتظاهرين امام الرأي العام العالمي وبالتالي من خلال تلك المظاهر يمكن للمنظمات والقوى الانسانية التحرك من اجل دعم حق المتظاهرين فعلياً، اما غير ذلك فانه يتم تقييد تلك المنظمات والقوى الانسانية من التحرك، لان في الاصل التظاهرات تعد خارجة عن القوانين المسننة دوليا، ويعتبر اي تعامل للسلطات مع تلك التظاهرات امر داخلي.