2019-09-05 14:12:53

 

زيارة الاربعين في شهر شباط عام 1977 كانت الحد النهائي في الصدام الحقيقي بين النظام الدكتاتوري الظالم للبعث الصدامي وبين الواقع الاسلامي الفطري في العراق؛ تمثل المخطط في مواجهة الاسلام الشعبي الفطري ( وهو غير الاسلام السياسي المتبنى من قبل اغلب الحركات الاسلامية السياسية في يومنا الحالي). لقد بدأت هذه المواجهة منذ بداية عام 1969 حيث تم اعتقال الشيخ عبد العزيز عبد اللطيف البدري الذي كان يتعاطف مع القضية الفلسطينية وينادي بالاخوة الشيعية السنية وكان يبدأ خطبته منذ عهد عبد الكريم قاسم وعهد العارفين ثم البكر بجملة مشهورة عنه (نعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات حكامنا).

 

 لقد كان مخطط مكتب العلاقات في ذلك الوقت برئاسة صدام وبالتنسيق مع ناظم كزار بمواجهة الاسلام الشعبي ليس من منطلق طائفي بل من منطلق معاداة الاسلام كفكر وعلاقة بين الانسان وبين ربه، فتم منع رفع الاذان في الاذاعة الرسمية في بداية السبعينات وتم قتل الشهيد عبد العزيز البدري بالتعذيب في قصر النهاية في اواسط عام 1969 وبدأت حملة مقارعة الاسلام الشعبي بالتضييق على آية الله السيد محسن الحكيم (قدس) في اوائل السبعينات وإعدام الشهداء الخمسة عام 1973 ليس من منطلق سياسي بل من منطلق مقارعة الاسلام الشعبي؛ نعم قد يزعم صدام انه كان يقارع الاسلام السياسي في وقت لاحق وبالذات بعد الثورة الاسلامية في ايران ولكن ما يهمنا هو مقارعة البعث الصدامي في ذلك الوقت للإسلام الشعبي، لقد قام  البعث الصدامي بسحب كتب الدعاء والزيارة في العتبات المقدسة، وتم اعتقال كل من يقتني (كاسيت الردات الحسينية غير السياسية).

لقد كان زوار ألإمام الحسين (ع) في  اربعينيته والمسيرات اليه في بداية السبعينات من القرن الماضي يعدون بمئات الآلاف وليس بالملايين كما في يومنا الحالي، لقد كنت اشارك في هذه الزيارات التي كانت شعاراتها حسينية بحتة في اوائل السبعينات، ولكن سنة بعد اخرى كانت تتحول شعارات بعض المسيرات الى تمجيد بحزب البعث وبإنجازاته ويتم ترديد هذه الشعارات مع ضرب الصدور، ولعل البعض منهم كان يبتسم او يضحك عوضاً عن مشاعر الحزن والالم لأغلب المسيرات، فكانت هذه المسيرات غريبة ومستهجنة من قبل اغلب الزائرين في هذه المناسبة القيمة.

 لقد كان التمييز واضحاً بين الصادقين في ولائهم وبكائهم على الحسين (ع) وبين الكاذبين منهم في ذلك الوقت، وبلغت ذروة التمييز في اربيعينية الامام الحسين (ع) في شهر شباط لعام 1977، حيث منع البعث الصدامي مراسم زيارة الاربعين، وتحدى الزوار قرار المنع، وكان من اثر ذلك اعتقال الآلاف من الزوار وإعدام ثلة من المؤمنين منهم؛ لعل المشاركين في هذه المسيرة جميعهم من الصادقين في ولائهم وبكائهم على الحسين (ع)، ولم يشارك الكاذبون في ولائهم للحسين (ع) في هذه المسيرة التأريخية والمفصلية.

أما اليوم فالمشاركون في زيارة الحسين (ع) والبكاء عليه يبلغ عددهم بالملايين في داخل العراق، لقد كان التمييز سهلاً بين الصادقين وبين الكاذبين قبل عام 2003؛ اما الآن فكيف يمكننا  التمييز بين الصادقين وبين الكاذبين من الزائرين للحسين عليه السلام.

لم يقم الحسين عليه السلام بثورته الجبارة لكي يبكيه الناس ويسيروا اليه، وإنما قام بثورته الجبارة انطلاقاً من هدف واضح اعلنه في وقته قائلاً (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق)، الغريب في هذه المقولة ان الحسين عليه السلام لم يقل فمن قبلني لأني حفيد رسول الله (ص) او اي من المميزات التي يتميز فيها الحسين (ع) ولكنه قال (فمن قبلني بقبول الحق) لأن الحق هو الهدف الاساس من ثورته الجبارة، فالذي يزعم انه يحب الحسين عليه السلام ويندبه ويبكيه بكاءً مراً وهو على الباطل فهو ممن لا يقبل الحسين (ع) بقبول الحق، لذلك فدعواه بحب الحسين (ع) هي دعوى كاذبة وبكاؤه على الحسين (ع) هو بكاء كاذب، فلينظر الانسان الى افعاله، فإن كان يقبل بالرشوة، ويأخذ العمولات على حساب مشاريع الدولة، ويعرقل معاملات المواطنين، ولا ينصر المواطن الضعيف، ويكذب في تعامله مع الناس، ويتحين الفرصة لسرقتهم والتحايل عليهم، ولا يخلص في عمله،  فليعلم ان حبه للحسين (ع) حب كاذب وإن تصور انه يحب الحسين (ع)، وإن بكاؤه على الحسين (ع) وإن كان بحرقة فهو ليس ببكاء صادق.