لعل قضايا هدر المال العام من أبرز الملفات التي يتداولها الإعلام المحلي بنحو مستمر عند تعريجه على عمل القضاء العراقي، وقد لا يبتعد أي خبر يخص المحاكم عن ملفات الفساد والإرهاب والأحكام القضائية بحق المدانين بها، حتى أن هذا دُرج اجتماعياً ضمن مقولة "الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة"، لخطورة هذه الجرائم وتأثيرها القاتل على المجتمع.
لكن المستغرب نجد أن تلك القضايا تعرض على وسائل الإعلام من قبل بعض الكتاب وأصحاب الرأي قبل وصولها إلى المحاكم، برغم أن القانون العراقي رسم طريقاً للشكوى أمام المحاكم المختصة.
هذا العرض، من المؤسف أنه يسهم في تعطيل دور القضاء، فبدلاً من وصول إخبار عن الجرائم إلى المحاكم، تتم إشاعة خبر الجريمة وربما أسماء المتورطين بها على الشاشات بهدف جذب الأضواء الإعلامية في وقت يتسبب الناشر من حيث لا يعلم بإفلات المتورطين من العقاب، من خلال إتلاف الأدلة أو التخلص من كل الوثائق التي تفضي إلى إدانة المتسببين بالجريمة، أو حتى هربهم إلى خارج العراق وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.
بطبيعة الحال نحن لا نريد سلب الحقوق والحريات الدستورية ونخص بالذكر المادة (38) من الدستور التي نصت على ان "تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر..".
لكننا هنا أمام مصلحة أهم وأسمى وهي عدم إفلات الفاسدين من الحساب، وللصحفي الافادة من نص قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 في الفقرة الاولى من المادة (47) على أن "لمن وقعت عليه جريمة ولكل من علم بوقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى او علم بوقوع موت مشتبه به ان يخبر قاضي التحقيق او المحقق او الادعاء العام او احد مراكز الشرطة".
الإخبار عن الجريمة وفقا للقانون هو أول خطوات طريق النزاهة، وهو واجب وطني وأخلاقي وأهم من الفوز بجلب أضواء الشاشات أو زيادة المتابعين من خلال إشاعة خبر السرقات في الهواء الطلق.
والقضاء يساند دور وسائل الاعلام في تقصي الحقائق ويكفل حق الوصول إلى المعلومة، لكنه لا يأمل بأن يكون بعض الصحفيين ممن يمارسون دورهم بجدية في رصد هدر المال العام جسراً لتخلص الفاسدين من المسؤولية من خلال إعلامهم مسبقاً بان أمرهم قد كشف، بل نرجو من الصحفي الذهاب إلى المحكمة المختصة ومعه ما لديه من أدلة لكي يتم اتخاذ الإجراءات القانونية مستفيداً مما أورده الدستور العراقي الذي نص في فقرة الثالثة من المادة (19) على ان "التقاضي حق مصون ومكفول للجميع".