ستراتيجية النعامة: الاستمرار في تجاهل مطالب المنتفضين لن ينقذ القيادات الحاكمة
كعادتهم التي جُبلوا عليها، فيما مضى وفيما سيأتي، أغلق قادة الدولة والأحزاب آذانهم، وهم الآن يغلقون عيونهم عمّا يحدث من احتجاجات شعبية واسعة في جميع أنحاء البلاد، وما خلفت هذه الاحتجاجات من أكثر من 440 شهيدا والآلاف من الجرحى والمعتقلين. هل نحتاج إلى إخراج رؤوسهم من الرمال كالنعام لتعريفهم بما يجري؟
الحقيقة هي أن النعام لا تدفن رؤوسها فعلًيا في الرمال. إني أرى فيه تشبيه مفيد لوصف قادة الدولة العراقية الذين يواجهون تحدياً كبيراً ولربما مشاكل نفسية مزمنة من خلال إنكار الواقع. فكر للحظة عندما تسمع رئيس الوزراء المستقيل ورؤساء الوزراء السابقين وقادة القوى السياسية يرفضون الاعتراف بمسؤوليتهم في تفشي الفساد الإداري والمالي وسوء الإدارة وانتهاك الكرامة الإنسانية للعراقي وحقه في أن يحظى بأفضل الخدمات التعليمية والصحية والضمان الاجتماعي، ناهيك عن مواجهة القضايا التي تحدق بهم في الوجه ومنها العنف المستمر تجاه أبناء العراق من قتل واعتقال وخطف واعتداء على المتظاهرين. لماذا يفضلون النظر في الاتجاه الآخر، بدلاً من معالجة المشكلات مباشرة؟
من بين أكثر الطرق شيوًعا - يدفن الزعماء رؤوسهم في الرمال - عن طريق الفشل في إدراك أهمية تحقيق مطالب الناس. ما نلاحظ في كثير من الأحيان أن القادة يغضون الطرف عن سلوكيات الفساد لاتباعهم ولربما لأنهم أنفسهم ضالعون فيها وهي السلوكيات التي تقوض نجاح أي مشروع لتحسين معيشة الناس. كما إننا نفترض أن النزاعات الظاهرية بين القوى السياسية الحاكمة هي مجرد اشتباكات شخصية ليس لها أساس جوهري أو اختلاف سياسي حقيقي.
وقد يبدو من الأسهل للقادة السياسيين ببساطة دفن رؤوسهم في الرمال آملين في انتهاء التظاهرات عبر اختراقها وركوب الموجة وتحويل شعاراتها إلى مطالب اجتماعية مباشرة وفصم عرى الوحدة بين المتظاهرين وعامة أبناء الشعب. فليست للقوى السياسية الحاكمة النية الصادقة بتصحيح مكامن الفشل وبتعديل الاعوجاج ووقف الانهيار بالرغم من أن التداعيات الحالية والمستقبلية بالنسبة للقوى المعنية تبدو وخيمة لكن لا خيار لهم إلا الاستمرار في تبني طريق ستراتيجية النعامة. لذا فإن الحقيقة البسيطة هي أن أولئك الذين يفشلون في حل الأزمات يفشلون أيضاً في رفع رؤوسهم من الرمال ليقودوا برؤية واضحة، وعادة ما يؤدون بذلك البلاد الى الهلاك.
ولكن الحقيقة هي أن للدولة التزاماً قانونياً وأخلاقياً بتوفير الأمن والخدمات. وهذا يشمل حماية الناس من الضرر الجسدي والنفسي أيضاً. ومن هنا يبدأ بإنشاء بيئة يمكن لكل فرد من أفراد الشعب خلالها أن يزدهر من خلال توقع أن يتصرف قادة الدولة باحترام الشعب وإرادته وكذلك احترام بعضهم البعض إلا إذا كنا أمام حيوانات ضارية وليس نعام آمنة تدفن رؤوسها في الأزمات. وهنا يمكن للطبقة الحاكمة أن تكون مدمرة للحياة الإنسانية وأن تتخذ إجراءات وحشية لابد من التصدي لها مباشرة.
على الرغم من أنه قد يكون صحيحاً أن الرؤى والأفكار والمطالب والاقتراحات الجديدة والسليمة سواء كانت من قوى وأحزاب داخلية أو دول خارجية إلا أننا يجب أن لا نبني توقعاتنا على تفاؤل خاطئ فقد لا تغير القوى الحاكمة وجهة نظرها لأنها محكومة بعوامل فشل سلطتها، إلا أن هذا التفكير في عالمنا الخطير يمكن أن يتسبب في فقدان أرواح كثيرة أخرى واستمرار الأزمة وتفاقمها بدون أن تخرج النعامات رؤوسها من الرمال. وعادة ما تكون الأشياء الإيجابية والإيمان بها أمر جيد. ومع ذلك، عندما يكون هناك القليل من الأدلة التي تدعم هذا التفكير، فإن الجماهير تخاطر بتحويل مطالبها الى مجرد إصلاحات اجتماعية لا علاقة لها بتغيير جوهر السلطة الفاسدة والتي غرست رأسها في الرمال منذ فترة طويلة فلم تعد تسمع المطالب ولا ترى الاحتجاجات، وهنا فأن وجود معايير قاطعة ورؤية صادقة للظروف من قبل قيادة وطنية للاستعداد لمواجهة تلك الحقائق يصبح أمراً بالغ الأهمية لتحقيق أهداف المتظاهرين برفض نظام المحاصصة وبتنحي كل رموزه، ومن دون الانجراف نحو العنف، ولا بتحويل المطالب لمجرد جملة من الإجراءات التي تصبُّ في خانة تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين بغض النظر عن طبيعة الحكم ودرجة الفساد المتفشي داخل الدولة لأن الإصلاحات على الجانب الاجتماعي والاقتصادي لن تتحقق في ظل قيادات سياسية فاشلة ترفض التحديث وتطمر رؤوسها في الرمال.