جاسم الحلفي/ لا ارى في الحروب غير الشؤم والخسائر الفادحة. فمعها يحضر الموت، وتتبدد الممتلكات، وبدلا من السنابل تحصد الارواح، ويعم الخراب. لهذا وقفت ضد جميع الحروب التي اشعلها الدكتاتور المقبور. فكان لي موقف من الحرب العراقية الايرانية، كما كان لغيري ممن لم يروا فيها طريقا لحل الخلافات بين الدولتين، ونشطتُ من اجل ايقافها، وعملتُ بحماس مع من نادوا بايقافها فورا. كذلك وقفت ضد استخدام الجيش في العدوان على الكويت، ولاحتلالها واستباحة اراضيها وترويع شعبها، ونهب ما امكن من ممتلكاتها.
كما اني لم ار في الحرب وسيلة لحفظ وحدة اراضي الوطن، وهي التي – على العكس – تؤسس لشرخ في هذه الوحدة. ولهذا وقفت ضد حرب الدكتاتور على شعب كوردستان الآمن. ولا انسى ما حييت الخوف في عيون الاطفال من زحف جحافل جنود صدام على قراهم. وما زالت امام عيني صور مريعة عن خراب القرى.
ورغم موقفي المعارض للدكتاتور، وحملي السلاح ضمن القوى التي عزمت على اسقاطه، وامنيتي ان اشهد سقوطه المدوي، وان اعيش لحظات هزيمته، فقد وقفت مع الذين وجدوا في الحرب الامريكية على العراق حرب عدوان، ومع من ادركوا ان الكلام عن اسقاط النظام لانه “شرير” و”مارق” ليس الا ذريعة للاحتلال.
وعندما هلل البعض لسقوط الصواريخ على بغداد، آملين ان تأتي ديمقراطية عبر الحرب، قلت مع رفاقي ان الحرب ليست الطريق الناجع لاحلال الديمقراطية! لكن من ارادوها سخروا منا، ثم بعد حين اعترفوا بفداحة خطأهم، ورددوا بعد فوات الاوان ما كنا نقوله ابان الحرب: “مهمة اسقاط النظام هي مهمة الشعب العراقي وقواه الوطنية”.
لم اجد سببا واحدا يجعل قلبي يطرب لدوي المدافع وازيز الرصاص.
حرب واحدة اهتزت لها روحي سرورا، هي حرب العراق ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش). فقلبي ينبض مع لحظات تأهب جيشنا وحركته صوب تحرير الموصل – ام الربيعين، مدنية التآخي والتعايش والسلام. نعم، لا يمكن تصور مقدار الفرح وحجمه بالانتصارات الرائعة التي حققتها قواتنا المسلحة، بكافة تشكيلاتها وبتنوع صنوفها. ولا يمكن حساب السعادة التي هطلت علينا حال توارد اخبار هزيمة الارهاب.
مذهلة هي انتصارات جيشنا، مدهشة هي سرعة الانجاز على جبهات القتال. صحيحة كانت توقعاتنا أن العراق اكبر من ان تكسره قوة غاشمة، وان نهار العراق وانواره لا يمكن ان يعتمها ظلام الفكر وعفن العقول. ولقد كان رهاننا في محله، فهؤلاء هم ابناء العراق الذي كنا نعلق الآمال عليهم، ونثق بهم. وهذا هو عهدنا بهم. قبلة على جبين كل مقاتل عراقي جعل كرامة العراق بين عينيه وهو يخوض القتال.
ولكي لا تتكرر الحروب، ونطوي صفحاتها المؤلمة، لان الحرب هي الحرب، ومهما كانت شرعية فان خسائرها مؤلمة.. اقول:
كي لا تتكرر الحروب، فان من الواجب التحوط بما يكفي.
حتى لا تتكرر الحروب، علينا ان نستعد للسلام.. نتهيأ له عبر توفير الامن وتحقيق الامان، ومباشرة البناء والتعمير.
والانسان هو اول اهداف البناء .. فلنوفر له التعليم والعيش الكريم والصحة والعمل والكرامة، ونحفظ حقوقه ونضمن الجو المناسب لممارسته حرياته العامة والخاصة.
ولتكن المواطنة وليس المحاصصة هي اساس البناء.