لا يوفر المتنفذون فرصة مهما كانت الظروف والاحوال، الا واستغلوها لتحقيق مصالحهم، وحتى لو جاء ذلك عبر ازمة تعصف بالبلاد وتهدد وحدتها وسلامة الشعب.
عيونهم لا تبصر سوى درب تأمين مصالحهم، فليس في جدول اعمالهم السهر على مصالح الناس، وتأمين العدل وضمان الانصاف. وهكذا وإذ كان مواطنونا ومعهم العالم منشغلين بازمة الاستفتاء والجدل الذي ارتبط به، والمخاوف التي رافقته وما زالت، في هذا الوقت بالذات صوّت البرلمان مستبعدا خيار ادارة العملية الانتخابية من قبل قضاة نزيهين ومحايدين. قضاة يمكن لادارتهم عملية الانتخاب ان تضفي نوعا من الصدقية على الانتخابات، التي تهتز الثقة بها بسبب الانتهاكات وعمليات التزوير التي رافقت جميع دوراتها السابقة، بسبب المحاصصة الطائفية والاثنية التي اعتمدت في تشكيل مجالس المفوضية.
وهكذا يبدو ان المحاصصة في تشكيل مجلس المفوضين الجديد باقية على حالها، فالبرلمان سيصوت في جلسة قادمة على تقرير لجنة الخبراء التي شكلها والتي كانت المحاصصة واحدا من اهم معاييرها في اختيار مجلس المفوضية الجديد، وفقا للاسماء التي تضمنها التقرير.
الاخطر من ذلك هو التسريبات التي تشدد على "تعديل" قانون الانتخابات، ليتم انتخاب نصف مقاعد مجلس النواب على اساس القائمة المفتوحة، التي تقسم الى 18 دائرة انتخابية تساوي مجموع المحافظات. اما النصف الاخر من المقاعد، الذي اطلقوا عليه تسمية الدائرة الشاملة، فيتم توزيعه على وفق الدائرة الوطنية. وهذا امر جيد بالطبع ويأتي ليبدو للوهلة الاولى، وكأنه استجابة لمطالبة حركة الاحتجاج باصلاح المنظومة الانتخابية، لكنه في الحقيقة التفاف على المطلب لان القائمة الشاملة هي قائمة مغلقة! اي ان الناخب يصوت على القائمة بمجموعها، دون ان يكون له دور في اختيار مرشحه الخاص الذي يريده.
وهذه الطريقة سبق وان قوبلت بالاستهجان ورفضت من لدن ابناء الشعب، كما عارضتها المرجعية الدينية بشدة. ذلك ان الهدف منها هو اعادة انتخاب من فشلوا في الانتخابات السابقة، من رموز المحاصصة المتنفذين الذين لم يجنوا الا بضعة اصوات، رغم كل عمليات التزوير.
من جهة اخرى يدور الحديث حول جعل عتبة الفوز في الانتخابات خمسة في المائة، وهذا حاجز معرقل اضافي يضعونه امام القوى المدنية والاحزاب الجديدة، التي تسعى لاحتلال مقاعد لها في مجلس النواب القادم، كي تسهم في مسيرة الاصلاح والتغيير.
لن يكف المخلصون لوطنهم، الذين شخصوا الازمة، وطرحوا مخارج لتجاوزها عبر الطرق السلمية والقانونية، بل سيواصلون احتجاجاتهم على كل خطوة يراد منها ابقاء الازمة مفتوحة تهدد العراق وشعبه. وها هي منظمات المجتمع المدني تطلق حملة (لا تسرق صوتي) من اجل قانون عادل ومنصف للانتخابات، وادارة انتخابية محايدة ومستقلة ونزيهة وكفوءة لا تخضع لارادة المتنفذين، ولاصلاح المنظومة الانتخابية برمتها، والقضاء على عمليات التزوير، وتعزيز المراقبة، ومنع استخدام المال السياسي في الانتخابات، ومنع استغلال مناصب الدولة ومؤسساتها في الانتخابات، الى جانب تعجيل اعلان النتائج.
ما من طريق للخروج من ازمات النظام التي سببتها الكتل المتنفذة غير طريق التغيير. واصلاح المنظومة الانتخابية هو واحد من ابواب التغيير الجذري والشامل الذي نتطلع اليه.