2019-07-11 16:34:36

(الحلقة الاولى)

بمناسبة الذكرى (61) لثورة (14) تموز 1958 الذي غيّر مجرى التاريخ السياسي العراقي , و أُعلن عن نظام جمهوري برئاسة عبدالكريم قاسم بعد الاطاحة بالنظام الملكي , هذه الثورة التي كانت ترى فيها الشعب العراقي بصورة عامة و الشعب الكوردستاني خاصة الأمل و الفرصة الذهبية لاصلاح ماكان يعاني منه الشعب من الظلم و الاضطهاد , إلا انها لم تكن كذلك , فقد خاب ظنهم و تبددت احلامهم , فما ان وقف الثوار على اقدامهم إلا و بدؤا بضرب تطلعات شعبنا الكوردستاني , و اعلنوا الثورة عليهم و استهدفوا قائد الحركة التحررية الكوردستانية بمحاولات متكررة للاغتيال و التخلص منه بشتى الوسائل ناسين و متناسين تلك الوعود و العهود التي قطعوها على انفسهم باصلاح ذات البين .

لقد عرف الثوار ان وقوف (مصطفى البارزاني) في قيادة الحركة التحررية باعتباره شخصية نضالية مؤثرة تدافع عن حقوق شعبه بما اوتيّ من قوة و صلابة , يهز عروشهم و يزلزل الارض من تحت اقدام الطامعين , لذا كانت المؤامرات تحاك للتخلص منه باغتياله مهما كانت الثمن إلا ان قدر الله و خبرته الطويلة و معرفته المسبقة بنواياهم كُتب له السلامة و الانقاذ , و هذا ما جعل من البارزاني قائداً أمنياً ذا نظرة ثاقبة يستطيع ان يقرأ ماوراء الامور و يتنبأ و يكشف عن تلك الخيوط .

لقد تعرض البارزاني في فترة نضاله الى محاولات عديدة للاغتيال و في زمن عبدالكريم قاسم (1958 – 1963) تعرض الى ثلاثة محاولات معلنة للاغتيال و ما خفي كان اعظم , لذا سنتطرق اليها بشيئ من الاسهاب و بحلقتين : 

 

  • المحاولة الأولى

زيارة البارزاني لمدينة كركوك، يقول الشيخ بابا على البرزنجي: (أتذكر عام 1959 كان ذلك بين شهري نيسان و مارس كنا نقرأ للإمتحانات النهائية في حديقة (أم الربيعين) بمدينة كركوك، فجأة أقبل علينا (علي الشيخ عبدالله العسكري ) بوجه ممتقع، و همس في أذن الشاب الفقيد (جيهان صديق شاويش)، ثم بلّغنا الفقيد (جيهان) أن نكون على أهبة الاستعداد، لأنه من المقرر أن يشرفنا الرئيس البارزاني بالمجيء إلى كركوك، و لكن لم يحدد موعد الزيارة، و كنا متحمسين للقاء البارزاني، و غمرنا شعور بالبهجة حداً لم نكن نصدق بذلك، ولذا كنا نسأل أيجوز أن يكون ذلك صحيحاً ؟ قال المرحوم جيهان: سترونه بعيونكم. كان (علي و جيهان) حينذاك عضوين في الحزب مع مجموعة من الرفاق الأخرين في خلية واحدة، و كان مصطفى نريمان مسؤلاً عنا.

لقد ذهبت في اليوم التالي إلى مقر الحزب بصحبة معلمي الذي كان اسمه الحركي (بختيار)، فوجدنا المقر، وكأنه تحول إلى خلية نحل، و شكلت هيئة مشرفة على المراسيم مكونة من المناضلين (علي الشيخ عبدالله العسكري – جيهان صديق شاويش – أحمد فتح الله سلمان – نوزاد خانقا – الاستاذ المرحوم عبدالخالق – ملك الشيخ رؤوف / الطالب في كلية الاداب -  مصطفى ويسى و أخرين غيرهم – وكان السيد عمر دبابه عضو اللجنة المركزية للحزب مسؤلاً عن المراسيم فأدخلنا إلى إحدى الغرف التابعة للمقر، فتحدثوا الينا قائلين :

رفاقنا ما نقوله لكم سري جداً لا يجوز أن يتسرب إلى أحد، و هو بمثابة توجيه جزبي، عليكم أن تحضروا بعد غد أمام نادي ضباط الفرقة الثانية في كركوك عليكم أن تكونوا يقظين، و حذرين جداً، و استرقوا السمع إلى دبيب النمل، و فحيح الأفاعي.

سوف نحظى برؤية الرئيس مصطفى البارزاني، و سوف نوزع على مجموعات، و تحدد لكل مجموعة منا مهمة معينة، و حينما وصل البارزاني استقبل بالهتافات، و الأناشيد الكوردية، و تحدث عن ضرورة تعزيز الأخوة الكوردية، العربية، التركمانية و أثناء ذلك لمحنا آمر الانضباط العسكري العقيد (هدايت أرسلان) يمشي بكبرياء متبختراً، ومتباهياً، و كنت أراقب الوضع بالقرب من باب، النادي فلمحت نائب ضابط الاغاثة الشيخ المرحوم الشيخ حسن يتوجه نحوي، و كلمني قائلاً :

اُغث يا رجل، فثمة مؤامرة لاغتيال الرئيس البارزاني ينفذها مجموعة من العملاء، والخونة، والحاقدين، والعنصريين يقودهم العقيد (هدايت أرسلان)، و طلب مني أن أسرع بتبليغ مقر الحزب عن أمر تلك المؤامرة، و اعتذر عن  إخبار الحزب بنفسه، لأنه يرتدي ملابس عسكرية، وأضاف: (ان الذي أخبرني عن خطة تنفيذ المؤامرة هو أحد اصدقائي المقربين، وهو ضابط برتبة عقيد (والده من أهالي زةنكةنة انتقلت أسرته الى كركوك، وتربى فيها و تشبع بالروح القومية الكوردية، كما قال لي الشيخ بابا علي عندما أخبرني عن تلك المؤامرة إن الضابط المذكور قال له (إنه كوردي صاحب ضمير حي لا يرضي أن يغتال قائد عظيم مثل البارزاني بأيدي هؤلاء المجرمين و لكنه توسل إلى الشيخ بابا علي ألا يذكر اسمه خوفاً على حياته. فأسرعت إلى مقر البارتي الكائن في شارع الجسر الجديد، و كلفت أحد المناضلين ليتولى مهمتي رأيت علي الشيخ عبدالله، و رفيقين آخرين مسكت بمرفق علي، و أخذته إلى جانب آخر، و أفهمته بشكل مفصل حيثيات المؤامرة القذرة، فقال اتعرفون هوياتهم قلتُ إنهم عصابة من المأجورين يقودهم العقيد هدايت، فكان المناضلون يتحلون بالروح المعنوية العالية، و الأنضباط الحزبي، و حفظ أسرار الحزب، و الصدق، و الوفاء، و الاستعداد للتضحية دون أن ينتظروا مكافأة من الحزب.

لقد تحرك (علي)، و جلبنا معنا مسدساتنا، و ركبنا سيارة متوجهين إلى أمام نادي الضباط، و طوقنا المكان، و كان البارزاني جالساً مع مجموعة  من الوجهاء من الكورد و العرب، و يتحدث إليهم. توجه (علي العسكري)، و إلاخوة الذين كانوا معه إلى داخل مطار (طاورباغي)، حيث كان المسلحون العرب والتركمان موزعين ضمن مجموعات هنا وهناك، وعندما شاهدوا علي وجماعته، قد توزعوا بشكل يمكنهم من السيطرة على الموقف والوضع، تفرقت تلك الجماعات المسلحة دون أن يشعر بها أحد، و إن ما قام به علي ومن معه طمأن البارزاني بأن المناضلين مسيطرون على مبنى النادي، وعند ذاك اتصل أحد المجرمين بالعقيد هدايت، وهمس في أذنه، فترك المكان، ثم سقط على الأرض، واصيب بالسكتة القلبية.

كان العقيد نوري ملا معروف واقفاً أمام الرئيس البارزاني، و أبلغه بأن ثمة مؤامرة لأغتياله، و دب الاضطراب و الارتباك في مكان الاجتماع، وساد الهرج و المرج، وشاع خبر سقوط العقيد هدايت على الأرض، و أعتقد أنه كان لكل من نوري ملا معروف، وعلي الشيخ عبدالله، وعدد من الضباط الكورد اليقظين دور كبير في نقل البارزاني إلى جهة غير معروفة وانسحبنا إلى مقر الحزب، لنتخذ الاستعدادات اللازمة، و انتشر نبأ المؤامرة في المدينة، و تجمع أيضاً الرفاق الشيوعيون في أحياء المدينة، وهيئوا أنفسهم للقيام بمظاهرة للتنديد بالمؤامرة، وكان لأعضاء القيادة، وبالأخص كل من الأخوين نوري، وعمر دور شجاع، وعظيم، في إفشال المؤامرة، و بلغوا الاخوة الشيوعيين أنه لا داعي للتظاهر، لان البارزاني نجا بسلام .

المقال مقتبس من مشروع كتابنا (ملامح البُعد الأمنى في سياسة البارزاني)