عاشت النفط الخام فترة من العصر الذهبي للاعوام 2010 لغاية 2014 حيث كان سعر البرميل النفطي الواحد الى اكثر من مائة دولار و الطلب على النفط الخام انذاك كان في ازدياد مستمر وهذا ما جعل البلدان المنتجه للنفط تضع كافة رهانها على استمرار البلدان الصناعية في الاعتماد على النفط في صناعتها و ان دخل البلدان من النفط المنتج سيكون كافيا لتلبيه احتياجات و متطلبات الاستثمار في البنيه التحتيه . لكن ما نشهده اليوم من تخمه كبيرة للنفط في الاسواق العالمية وانخفاض واضح في اسعار النفط وانتشار صور لعدة ناقلات ممتلئة بالنفط الخام التي تبحث عن ملجأ لتفريغ حمولتها يقودنا الى تساوًل هل الذهب الاسود ( النفط الخام) مقبل على عصر مظلم وانتهاء عصرها الذهبي ؟ وهل خسرت البلدان النفطيه رهانها ؟
بلا شك ان انتشار فايروس كورونا المستجد و المسمى ب كوفيد-19 ففي مطلع العام 2020 اثرت سلبا على اسواق النفط حيث قل الطلب عليها و ادت الى انخفاض اسعارها حتى بدأت اسعار النفط نحو الهبوط التدريجي ووصلت اخرها الى 18 دولارا لنفط برنت اما النفط الامريكي فقد هبط الى مادون الصفر .بالتاكيد هذا الاقبال الهزيل على النفط الخام قد يكون جزء منه مرتبط بالفايروس الذي شل الحركة الصناعيه و التجارية وحركة الطائرات .. الخ لكن في عام 2003 ظهر فايروس مشابه لفايروس كورونا لكن تاثيرها على الاسواق النفطيه لم يكن بهذه الدرجه. فلماذا هذا الانحدار الكبير الذي يشهده السوق النفطيه حاليا مقارنة بما حدث في عام 2003؟
بعيدا عن فايروس كورونا فان تراجع الطلب على النفط الخام ليست وليدة اللحظه ففي السنوات الاخيرة تراجعت الطلب على النفط بشكل ملحوظ من كبار الدول المستوردة للنفط لعدة اسباب منها قيام الدول العالم غير النفطيه بالبحث عن مصادر بديلة للطاقة غير البترول من اجل التخلص من عبء تقلبات اسعار النفط وماله من تداعيات اقتصادية و امنية .فنحن نعيش الان في زمن الانتقال الطاقوي من الثروات التي تعتمد على الحفر و مشاكله البيئية بالانبعاثات الكربونية النتاجه من حرق الوقود وعلاقة هذه الانبعاثات بالتغيرات المناخية و ظاهرة الاحتباس الحراري نحو اتجاه الطاقة البديلة او المتجددة خاصة بعد اكتشاف الطاقة المائية و الشمسية و الهوائية للحد من هذه الانبعاثات الكربونية .فبلدان اوروبيه كثيرة منها فرنسا و بريطانيا زادت نسبه استخدامها للطاقة البديلة مما اثرت سلبا على المصدر التقليدي للطاقة وهو النفط. الصين التي تعتبر من كبرى الدول المستوردة والمستهلكة للنفط الخام اصبحت تمتلك ايضا طاقة مهولة نظيفة من السدود من نهري اليانجتسي و جانشا وتصل قدرتها الاف الميجاواتات . اضافة الى الاكتفاء الذاتي للطاقة في للولايات المتحده سبب اخر من اسباب تراجع الطلب على النفط الخام حيث استطاعت الولايات المتحده زيادة انتاجها للنفط بفضل التطورات الحديثة في طريقة الحفر بالتكسير الهيدروليكي و التي تعتمد على ضخ محاليل كيميائية في طبقات الصخور بهدف توسيع الشقوق في تلك الطبقات و الوصول الى ما يسمى بالنفط والغاز الصخري . حيث اصبحت الولايات المتحده تمتلك 75 بالمائة من احتياطي العالم للنفط الصخري.
فبحسب احصائية الاستهلاك العالمي للطاقة فان 36% من الاحتياجات العالمية للطاقة يغطى من قبل النفط الخام بينما الغاز الطبيعي يغطي حوالى 24% و الفحم الحراري 25% و المصادر الاخرى من الطاقة المتجددة بنسبة 15% و ان التوقعات المستقبلية ان مساهمة مصادر الطاقة المتجددة لعام 2030 قد يصل الى 30% وبهذا يوازي مساهمة النفط كمصدر للطاقة .
ان كل ما ذكرته سابقا من مصادر بديلة للنفط الخام لا يعني ان انتاج و استخراج النفط سوف تموت كلا لان هناك صناعات لازالت تعتمد على النفط الخام كمصدر للطاقة مثل صناعة المواد البلاستيكية التي تعتمد بشكل كبير على النفط . اضافة الى ان الطائرات و السفن تحتاج وقتا اطول في التحول من اعتمادها على البترول الى وقود اخر. اي انها مسألة وقت لا اكثر لتحويل وقودها من الوقود لتقليدي الى الوقود المتجدد .
وما نستنتجه هنا هو انه على الدول النفطية العربية بالاخص ان تستعد الى مرحلة زلزلة عرش البترول. في النهاية الخاسر الاكبر من مايحدث من تطورات في التقنيات و مصادر الطاقة البديلة البلدان التي تعتمد على واردات النفط بشكل رئيسي . قد تعود و تنتعش الاسواق النفطية وترجع الطلب على النفط الى سابق .لكن لايجب ان يكون سعر النفط المستقبلي هو همنا و الا تكون غاية امانينا ان يعود سعر النفط لمستوياته المرتفعه السابقة ولكن يفترض ان نباشر باصلاحات اقتصادية حقيقية وان نبدأ بالتحرك فعليا باتجاه اقتصاد متنوع وان تعد اقتصادها من الان لزمن اللانفط و عليها ان تجهز بدائل تنموية اخرى.