2019-07-27 14:19:03

مع بزوغ فجر الأحد 10/2/1980 كانت العجلات مهيئة على بوابة مديرية الأمن العامة لنقل ثلة من المعتقلين من محافظتي بغداد والبصرة الذين أودعوا السجون ولا يعرفون مسبقاً ماهي التهم الملصقة بهم والتي سوف يدانون عليها وهم سياقون الى محكمة الثورة السيئة الصيت لينالوا جزائهم الظالم من قبل زمرة تبوأت كرسي العدالة لتحكم بالباطل ، ولم يكن الأسلوب المتبع بنقل هذه الثلة من المعتقلين يشابه أدنى حالات نقل البهائم بل أن للحيوانات رأفة يحرص أصحابها على الإتيان بها في تعاملهم مع حيواناتهم .

بخطوات سريعة ترافقها عصي الخشب وأوتاد الخيم الحديدية وقطع من أسلاك الكهرباء الغليظة بأيدي العتاة الظالمين وهم ينهالون ضرباً على ظهور المعتقلين المكبلة أياديهم بالسلاسل ووجوههم المغطاة بقطع القماش والأكياس لا يرون من خلالها شيئاً وهم يساقون الى سيارات الأمن ليركبوها متوجه بهم الى جهة مجهولة ، بعد ساعات من السير تمويهاً وقفت تلك السيارات لتركن في مكان وبنفس طريقة الركوب كانت لحظات الترجل من العجلات تصاحبها الضربات المتتالية والسباب والشتم ، وسيق المعتقلون الى قاعة واسعة نسبياً لا تحتوي من الأثاث شيئاً ولا يوجد فيها إلا الباب الذي دخلوا منه ونافذتان لا تطالها الأعناق ولو ركبت فوق بعضها وفي زاوية القاعة سلم ببضع درجات تؤدي الى باب لا يعرف ما وراءه ، وبعد حين أزيحت من وجوههم وأياديهم قطع القماش والسلاسل لينتظروا ما تؤول اليه رحلتهم ومصيرهم المجهول .


في تلك القاعة البائسة كانت تُشم من أجوائها رائحة الظلم والجبروت النتنة ونسائم المظلومية المستضعفة وتسمع من بين ثنايا جدرانها صدى آلات التعذيب وأدواتها تتلاقفها أجساد السجناء والمعتقلين ويتشابك ذلك الصدى مع أنين المعذبين الممزوج بالدعاء والإستغاثة مما هم فيه وكانت الجدران ملطخة بالحبر الأزرق وبصمات الأصابع بشكل رهيب تنم عن آلاف البصمات المركبة بعضها مع بعض ولا يكاد يوجد مكان خال منها .

كان العدد المتواجد يقرب من الخمسين معتقلاً من المحافظتين وأغلبهم فرادا لكل إمرءِ منهم شأن يغنيه وقضية منفردة إلا ثلاث شبان من مدينة الكاظمية قضيتهم واحدة معتقلين على ضوئها لذا كانوا يجلسون معاً ويتحادثون فيما بينهم وكأنهم يتسامرون غير آبهين بالمكان المتواجدين فيه وما يحيط بهم وما ستكون نتائج قدومهم ، وماهي إلا ساعة من زمن الإنتظار المجهول ففتح الباب المحاذي للسلم ووقف عليه أحد الجلاوزة وبيده عصا كهربائية وصاح بصوت أشبه بالنهيق أنتم في محكمة الثورة ومن ننادي بإسمه يصعد السلم ويدخل الى قاعة المحكمة ومن يتكلم يعاقب بهذه العصا ولا يلوم إلا نفسه .


في قاعة المحكمة حيث يقبع على كرسي القضاء القاضي المجرم مسلم هادي موسى وحاشيته وبسرعة البرق توالت المحاكمات ما بين نداء باسم المتهم ودخوله الى المحكمة وما يلبث إلا هنيئة ولملم أدراجه بالنزول ليصعد الآخر ، نودي بأسماء هؤلاء الشبان الثلاثة فصعدوا الى قاعة المحكمة وكغيرهم نزلوا من قاعة المحكمة والملفت للنظر أن أحدهم كان يصرخ والآخران يهدئانه ويربثان على كتفه ويعانقانه بكل محبة وهو يصرخ ويقول ” الله لايحبني لايريدني لا يرغب بمقابلتي لو كنت مثلكم لذهبت معكم فلم بقيت وحدي ” .. موقف غريب جداً ومبهم لا يعرفه أحد إلا بعد السؤال بعدما هدأت الأنفاس عن تهمتهم والحكم الصادر بحقهم ؟ فكان الجواب من أحدهم ” نحن ثلاثة أصدقاء بمقام الأخوة من منطقة واحدة في مدينة الكاظمية المقدسة في المرحلة الإعدادية ألصقت بنا تهمه كيدية بتنظيم حزب الدعوة كوننا من عوائل مؤمنة وملتزمة وأودعنا السجن وتلقينا التعذيب بشتى الطرق والأساليب واليوم ساقونا الى المحكمة وحكم القاضي على إثنين منا بالإعدام شنقاً حتى الموت والثالث الذي يصرخ مفزوعاً ومرعوباً لأن القاضي حكم عليه بالسجن 7 سبع سنين فقط !!! ولم يحكم عليه بالإعدام لذا يقول أنا لم أصل لمرحلة الإيمان والتقوى مثلكم ولو كنت كذلك لحكم علي بالإعدام مثلكم ونلت معكم وسام الشهادة ..