علي حسين فيلي / صحيح ان الانسان ينام كل ليلة من دون الوثوق من استيقاظه صباحا، ولكن يحتفظ ببرنامج عمل لليوم التالي وهذا بحد ذاته امل للجديد. لذلك فان الاستعداد لتحقيق الامن والامنيات والرغبات التي يحلم بها كل انسان عراقي هو سؤال يثيره مواطنو هذا البلد ويوقدون به أوار النار في جسد المثقفين والمفكرين.
في الحقيقة ان ديمقراطية هذا العهد في العراق ليست عبارة عن حكومة الجماهير بل عبارة عن حكم الجماهير، فاذا كان العبادي عند البعض افضل رئيس وزراء عراقي فانه سيكون الافضل عندهم فقط؛ فهناك عدد غير قليل من المواطنين الذين يعدونه سببا في العذاب والحصار والاضطهاد ويرون فيه مسؤولا استعراضيا.
وحتى بعد سقوط البعث، فان اسطورة الديمقراطية في العراق بدأت بتحديد الخطوط لهذا وذاك وتذويب الاقليات واخيرا العلمنة، لان السياسة داخل دائرة اسلمة المجتمع تدفع نحو (سيطرة) الاغلبية في العراق وانهاء التنوع .
في الحقيقة ان الحكام الاسلامويين في هذا العهد في العراق لا يؤمنون بالتعددية القومية والدينية وبرنامج عملهم واستراتيجيتهم تثير هذا التساؤل انه اذا كان الوضع العراقي مع كل هذا التدين وما ترونه الان، فكيف سيكون مستقبل هذا البلد في ظل لهيب الدين الواحد والقومية الواحدة؟
يجب ان تكون حقوق الاقليات محمية قبل حقوق الاغلبية الحاكمة. وجاء الوقت الذي يجب ان يرى العالم بأجمعه ان حرب القوميات والاديان والمذاهب والحرب المناطقية والقبلية لم تنتهِ بعد!!.
من الواضح ان الاغلبية المضطهدة والمهتضمة في هذا البلد ليسوا الكورد الفيليين وحسب لكن المظلومين يعرفونهم جيدا لان الفيليين هم غالبة من هذه الفئة ولا يتغير من هذه الحقيقة شيء اذا قلنا ان الايديلوجيا التي كانت تظلم بالامس ، مبتهجة امام ظلم اليوم.
الحكومة والمجتمع العراقي يقولان ان عهد صدام قد انتهى ويجب الا يبقى الشوفينيون في الحكم، لكنهما لا يقولان ان بداية اسطورة العدالة بدأت بقتل الفيليين، ولم تنتهِ بابادتهم وتشريدهم، لان الفكر التسلطي يعادي التعددية وحق وجود القوميات الاخرى. وان الأعراف في هذا البلد تعودت على القتل والتنكيل واكبر ضحاياها هي العدالة.
لماذا يجب ان يصدر احد الاطراف فقط القرارات بشأن جميع الحقوق والحريات تحت راية قومية او دينية، تصب في مصلحته لوحده، وماهو الفكر الشرعي ومن هي القبيلة او القومية التي يجب ان تكون لها حق الحياة؟ هل نحن خلف الاغلبية المجرمة والاقلية المظلومة؟ من المؤكد ان ديمقراطية موالاة صدام لم تتمكن من تحقيق المعجزة من اجل تحقيق العدالة لكي تعيش المكونات بسلام وامان! فالادعاء الذي قضى على العراق هو انه اسلامي الدين وعلماني السياسة. وبلا شك فان برنامج الاطراف السياسية الحاكمة تجاه الكورد الفيليين ليست من اجل تحررهم، وانما لغايات أخرى.
فمثلا يتعامل السيد العبادي مع ملف الكورد الفيليين وكأنما هو ناشط سياسي وليس بصفته رئيسا للوزراء لبلد يجب عليه وبامكانه اصدار القرار بشكل واضح وجلي. فهو يرى ان مسألة مثل هذه تصلح للمستقبل وليس للحاضر. وبمقابل القرارات الجائرة فالانسان الفيلي في تاريخه لم يصدر قرارا خاطئا ولم يسكن في منطقة خاطئة ولكن من اجل ان يغير الرؤى السلبية ويحصل على حقوقه فانه مضطر للاهتمام بعدم مبالاة بغداد، والاستفادة من الدرس التاريخي الذي يقول:ان جوهر علم الرياضيات يكمن في الحرية فهذا العلم ينمي نفسه بعيدا عن جميع السياسات العالمية. لذلك فان جوهر القضية الفيلية هي حب الارقام والبيانات والوثائق من اجل اظهار حجم ومساحة معاناته ومشكلاته.