فرص الفيليون الضائعة- الجزء السابع
علي حسين فيلي/ مصير عراق اليوم بيد مجموعة من الأحزاب الكبيرة والشارع لا يمتلك القوة او الثقل المطلوب لمنافستها ومشكلة الكورد الفيليين وسائر الشرائح المظلومة بقدر أهميتها وايراداتها من المعاناة، ولا تشكل أي خطر لا من قريب ولا من بعيد لأي طرف من الأطراف اللاعبة مع ما لتلك الأحزاب من قدرة تمكنها من تخفيف آلامنا، لكنها لديها مهامها الخاصة التي تؤديها في تعزيز وجودها وبقائها قدر المستطاع، وما لم تحقق تلك الأحزاب أهدافها المنشودة فلن تلمحنا بنظرة رحمة وانصاف ولو لمرة واحدة. ان الجميع اليوم يحاول التخلص من تراكمات الماضي، وميراث التوجه القومي لحزب البعث والتوجه اليساري للأحزاب العلمانية ويدخلون الى السوق الحرة في السياسية، وكلّ يسعى الى تغيير العراق القديم الذي بني بقوالب غير متجانسة. وبعد سقوط صدام توفرت إمكانية تشمل جميع ارجاء العراق لعرض مطالبنا بتكلفة اقل، ونجد مكاناً لتكون فيه جهودنا مثمرة اكثر، ونحن الفيليين وفي كل مناسبة نتباهى بمشاركتنا في تأسيس القوى الفاعلة التي اصحبت حاكمة ولها السلطة، ونفتخر بأننا احدى اللبنات الاساس في صناعة السياسة بالعراق خاصة في العقود الأولى من القرن المنصرم، ونحن دائماً كنّا ولا زلنا الخاسرين بامتياز بالنتيجة كما هو عليه اليساريون في وقتنا الحالي. ما بعد 2003 كان تصورنا ينصب في استغلال ذلك الوضع لنصبح اقوى من ذي قبل فانه من المفترض على المشاركين المتمكنين لو ارادوا ان يبقوا على ما هم عليه من قدرة ان يوسعوا المجال لتحالفاتهم وائتلافاتهم القديمة ويحدثوها بما هو أفضل لتشمل اخرين لم يكونوا سابقا موجودين في فضائهم، واستناداً لهذا فإن السبب الرئيس لتأخر وتراجع شريحة الكورد الفيليين في الماضي والحاضر، عدم الاستثمار اللازم لتحقيق وتوسيع الروابط مع الاخرين. ان علاقتنا مع الأطراف الأخرى كانت ولا زالت خجولة، والعراق بلد غني بالكيانات السياسية، وبين الاحزاب المعاصرة لا توجد مكانة متميزة للكورد الفيليين بينها لأنه لم تتمّ تهيئة مشاركة ومساهمة لهم في المستقبل القريب والبعيد وكما هو عليه الاخرون الذين تجاوزوا جميع التوجهات وحققوا طفرة نحو التخندق الطائفي او غيرها من المسميات. لو استعرضنا مثلا التوزيع الجيوسياسي في العراق اليوم فنلاحظ ان الشيعة لا يحتاجون الى تحالفات بسبب ثقلهم البشري، وكذلك الكورد بموقعهم الجغرافي المؤثر، والسنة بعدم استقرارهم السياسي، اما الاخرون فهم بحاجة الى ابراز خصوصيتهم التي تميزهم لضمان وجودهم، لكي نحقق التوازن داخل اللعبة السياسية، والجميع قابل للتغيير، ونحن الفيليين بحاجة اكثر لذلك، وحدود الأوطان من النواحي النفسية والطبيعية صارت بهاتةً والملايين من البشر بشكل قانوني وغير قانوني يكسرون قيود ما تسمى بالحدود، ولا نعلم كم منهم هم من أبناء شريحتنا لكننا نعرف ان تعدادهم في المهجر بتزايد مستمر. وتأسيس الأحزاب والتكتلات حسب معايير العراق الجديد ليست صعبة وهناك قائمة تطول ذكرها بهذا الشأن، وان سبب مراعاتنا وتقيدنا بأصول اللعبة السياسية أدت الى الحد من فعاليتنا مع ما لدينا من تاريخ عريض في السياسة أصبحت رؤانا قصيرة بالنسبة للمعادلات الحالية، ولو استطعنا ان نؤسس صرحاً سياسياً مقابل السيل العرام الذي اكتسح البلاد بغض النظر عما نتعرض له من هزات متواصلة في ذلك المعترك، لما كان هذا حالنا مع ضعف حجر الأساس لوجود هذا البلد. في الوقت الذي أصبحت أسهم التعصب العنصري رائجة ربح الشوفينيون العرب المتمثلين بحزب البعث في العراق، وفي المقابل أولئك الفيليون ومن يتقاسمونهم بالأفكار تمنوا ان يزول التبعيض وان يشاع مفهوم المساواة في المجتمع وهذا ما يمكن تسميته بخسارة العمر لانهم قد اجهزوا على مستقبلهم ايضاً. وبعد عام 2003 لم تكن القضية الفيلية مهددة بخطر النسيان والمحو كما هو عليه الآن ويعود ذلك الى الصراع الشرس بين القوى الرئيسة الموجودة على الساحة، وان حاولنا ان نتشبث بتوجه معين، لا يرحمنا الاخرون ممن يشتركون معنا في ميزة تجمعنا بهم والسنوات العجاف التي عشناها معهم خير دليل على ذلك، وقطار مصيرنا ما يزال متوقفاً في محطته، وبسبب ان قضيتنا مكلفة لا يوجد أي مستثمر سياسي يتبناها مادياً ومعنوياً، وهذه هي المشكلة الأساس لنا، ونستطيع ان نقول ان الفائزين منّا فيهم أيضا خاسرون. وقبل السقوط كنا من الناحية الأمنية فقيرنا وغنينا مهددا وكان هناك بون شاسع بيننا وبينا الاخرين، وهذا اوجد حدوداً فاصلة لتحركاتنا وتواصلنا مع فئات المجتمع الأخرى، واما اليوم فان الامن اصبح لديه معنى جديد لنا، فليست لدينا القدرة على ضبط اوضاعنا السياسية والاجتماعية لأننا غير مهتمين بها لبقاء الخوف السابق مزروعا في داخلنا، وبعبارة أخرى نتصور ان هناك اطرافاً لا يرغبون بعراقيتنا، وهذه نتيجة الواقع المرير المتمثل باننا اقل من تحصل على المساواة بين من دعوا اليها، وخلافاً للأخرين الذين يحاولون بشتى الوسائل ان يهربوا من هذا البلد فالفيليون يحاولون باي شكل من الاشكال استرجاع مواطنتهم، وفي هذه النقطة يوجد توجهان متضادان مثلا العاصمة بغداد يوما بعد يوم تتقارب مع طهران اما القضية الفيلية ففي تنازل مستمر. ان مواطنتنا حاجز يضيّق على علاقتنا السياسية، وهذا الواقع نراه متجسداً في نهج الحكومة الإيرانية التي تشجع ان نكون عراقيين في بغداد، اما في إيران فلا ترغب بان نشترك او نساهم في أي عمل داخل مساحة قوميتنا. وكل شريحة يجب ان تتقن أصول اللعبة وان تستثمر العلاقة الخارجية حتى تخلق رغبة داخلية لجذب الأطراف الكبيرة على كسب قضايا الفئات الأضعف في المجتمع باختصار هي مناقصة مطروحة للاستثمار.