الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي/ نشهد الان الانتقال من عالم القطب الواحد (امريكا) الى عالم القطبين (الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية) او ربما، عن قريب، عالم الاقطاب الثلاثة (القطبين اضافة الى الصين التي هي الانقطب اقتصادي). ترتب على هذا الانتقال ظهور صراع ذو ثلاثة ابعاد: بُعد اقتصادي للسيطرة على الموارد (خاصة النفط) وبٌعد سياسي (للسيطرة على السلطة) وبٌعد عسكري (حرب باردة وحرب ساخنة). انعكس هذا الصراع بوضوح في عدد من مناطق العالم خاصة الشرق الاوسط (الغني بالنفط). لا يجري هذه الصراع بشكل مباشر بين القطبين فقط بل بشكل صراعا بالوكالة ايضا بشكل صراع بين دوله المنطقة (خاصة ايران، تركيا، السعودية) وساحاتها حروب بالوكالة في بلدان دول المنطقة (سوريا والعراق وكردستان واليمن وغيرها). جوهر هذا الصراع هو سيطرة هذا القطب او ذاك على الموارد الطبيعية لهذه البلدان (خاصة النفط) وعلى السلطة السياسية فيها (سوريا، العراق، ليبيا، اليمن وغيرها). الصراع بين هذه البلدان يتحول بدوره الى صراع بالوكالة بين القوى السياسية لمختلف المكونات داخل هذه البلدان تتخذ احيانا شكل صراعا مذهبي او قومي (العراق، سوريا، لبنان، اليمن) ولكنه في جوهره يعكس صراع الااقطاب على الموارد والسلطة. هذا الصراع في العراق ينعكس بدوره على الكرد الفيلية.
لا نريد هنا ذكر مدى مساهمة الكرد الفيلية في تطوير وتقدم العراق في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية والعلمية والرياضية وحقوق المرأة وغيرها كونهم مكون عراقي حضري، ينبض بالحيوية (دينامي)، سهل التأقلم محافظ على علاقات طيبة مع كل المكونات والشرائح في العراق والمهجر، مسالم يتصف بالاعتدال، ومكون منتج ومعطاء يقطن في مناطق كانت ولا زالت تطغى عليها قيم واعراف وتقاليد ريفية - عشائرية – بدوية. ولا نرى ضرورة لسرد ما قدمه الكرد الفيلية من تضحيات جسام من اجل العراق وشعبه وفي مقاومة الدكتاتورية والشمولية. كما لا نريد ان نعيد الى الاذهان ما تعرض له الكرد الفيلية من اضطهاد وظلم وتعسف على يد النظام الدكتاتوري السابق وما تعرضوا له على يد الارهاب والتطرف بعد 2003 ومن عدم التعامل مع قضيتهم بعدل وانصاف من قبل الذين كنا نتصورهم اخوة لنا، إذ جرى هدر لحقوقهم الانسانية الاساسية وتهميش لدورهم السياسي وتضييق على وضعهم الاقتصادي منذ تَغَّيُر النظام ولحد الان. ورغم صدور عدد من القرارات من السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية لإعادة حقوقهم المصادرة وصيانة مصالحهم المهددة، ورغم المطالبات المستمرة من قبل الكرد الفيلية المخلصين، افراد وتنظيمات ومنظمات، والداعمين لهم من الاخوة والاخوات العراقيين وبعض الاحزاب السياسية العراقية والمنظمات الدولية، بقيت هذه القرارات لحد الان في قعر اولويات السلطات العراقية والاحزاب المتنفذة. وتعرضوا لتهديدات علنية مباشرة في تصريحات في وسائل الاعلام. من الذين كنا نتصورهم "اخوة" لنا، بأسقاط جنسيتنا العراقية ومصادرة ممتلكاتنا وتهجيرنا من العراق مرة اخرى. ولا زال الكثيرون في الاجهزة الادارية والقضائية وحتى التشريعية ينظرون الينا على اننا "اكراد فيلية ولسنا عراقيين"، كما كان الحال زمن النظام البعثي الدكتاتوري الظالم. هذه اوضاع علنية معروفة للجميع.
لقد تدخلت القوى السياسية المتنفذة وسفارات بعض الدول ووسائل اعلام بعض الجهات في الشأن الكردي الفيلي بشكل سلبي (جدا) وشجعت او خلقت التشظي داخل صفوف الكرد الفيلية بشكل او بآخر واختارت ومَوَّلَت بعض العناصر الوصولية غير الكفؤة والمتقلبة ووضعتهم على رأس بعض المنظمات والتنظيمات الكردية الفيلية واختارت مسؤولين لبعض المواقع المتعلقة بالكورد الفيلية من اجل تسهيل السيطرة عليها وتجميدها كي لا تدافع عن حقوق ومصالح الكرد الفيلية وتسييرها حسب مشيئتها وابقائها موالية لها. نجحت هذه الجهات النجاح بشكل ظاهر بسبب وجود ارضية وتَقَبُل لدى هذا البعض من الافراد والمنظمات. لذا زادت اعداد هذه المنظمات والتنظيمات بعد الانشطارات والتشظي في صفوفها. قامت هذه الجهات عمليا بإضعاف الكرد الفيلية رغم انها تدعي العكس. كما ان هذه الجهات الداخلية والخارجية تشجع لاسباب سياسية على تغيير اسمنا الدارج والتاريخي وهو (الاكراد الفيلية) او (الكرد الفيلية) الى مسميات عديدة اخرى. وكما يعلم الجميع فان مناطقنا التاريخية والرئيسية في بغداد مثلا اسمها في شارع الكفاح (عگد الاكراد) وفي مدينة الصدر (حي الاكراد). لا نرى ان تغيير اسمنا يخدم قضية المكون الكردي الفيلي مع انه قد يرضي هذه الجهات الداخلية والخارجية.
شجعت هذه الجهات الميول الشمولية والاحتكارية والاستعلائية لدى بعض النشطاء من الكرد الفيلية وانعكس ذلك بتصور البعض انه لوحدة يعرف الحقيقة كلها والاخرون على خطا مُبين او انه لوحده المؤهل لتسنم واحتكار "القيادة" وله لوحده الحق الكامل في ان يكون "ممثلا" للكورد الفيلية، ليس فقط في عموم العراق بل في كل بقاع العالم. وهناك البعض الذي يريد اما كل شيء مرة واحدة او لا شيء على الاطلاق (وهذا صعب المنال خاصة بالنسبة للاقليات في منطقتنا) ويرفض المكاسب الجزئية التراكمية. الظاهرة الاكثر ضررا على الكرد الفيلية هي قيام بعض النشطاء بقول السوء و"التكسير" ببعضهم البعض لدى الاخرين، مما يعطي انطباعا بانهم جميعا سيئين.
هذه ليست مسائل شخصية بل قضايا عامة تؤثر سلبا على قضيتنا ومدى قدرتنا على استرجاع حقوقنا وصيانة مصالحنا الان وفي المستقبل. واذا لم يتم وضع حدا لها فسنبقى نراوح في اماكننا ولا نستطيع تحقيق اي حقوق وصيانة اية مصالح لمكوننا الكردي الفيلي. لان "الاخرين" لا همَّ لهم سوى مصالحهم ولان السلطات العراقية والقوى السياسية المتنفذة والسياسيين المتنفذين في العراق ينظرون لقضيتنا بانها قضية ثانوية غير مهمة. كما ان هذه التصرفات والتوجهات والتصريحات تتسبب ايضا في خلق انطباعات سلبية بان جميع نشطاء الكرد الفيلية هم هكذا، انانيون (يُغَلِّبون مصالحهم الشخصية على المصالح العامة المشتركة) ووصوليون ليسوا محل ترحيب سواء لدى القوى الاسلامية (الشيعية) او الكردستانية او العربية (السنية) او لدى المسؤولين في الدولة من اعلى مواقع المسؤولية الى ادناها، مما دفعهم للتساؤل "هل في صفوف الكرد الفيلية رجال نستطيع التعامل معهم؟" او "لم اتوقع وجود اشخاص معقولين من امثالكم في صفوف النشطاء من الكرد الفيلية" او "انتم انفسكم (المقصود النشطاء الكرد الفيلية) اكبر خصم واخطر عدو لأنفسكم انتم لكرد الفيلية" او "لا تأتوني تطالبوني بحل مشاكلكم الداخلية، بل حلوا مشاكلكم هذه بأنفسكم ثم اتوني باقتراحات معقولة للنظر فيها وللقيام بمساعدتكم". سمعنا هذا الكلام من اكثر من مسؤول حكومي وحزبي عراقي وكردستاني من اعلى المستويات الى الموظفين.
النتيجة هي استمرار التضييق على الكورد الفيلية والتماطل في اعادة حقوقهم من قبل السلطات والقوى السياسية العراقية المتنفذة، التي تعلن في اللقاءات واثناء المؤتمرات الموسمية عن تعاطفها مع الكورد الفيلية لما حل بهم من مآسي وويلات، والتي تصرح في المناسبات منذ 2003 بان الكورد الفيلية اخوة لهم وبانها تتبنى قضيتهم وتدافع عن حقوقهم ومصالحهم. ولكن السلطات والقوى السياسية المتنفذة تقوم عمليا في نفس الوقت بتحجيمهم والتضييق عليهم وتقف غير مبالية بمصالحهم الاساسية وحقوقهم الانسانية والدستورية والقانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتعمير مناطقهم المدمرة ولا تنفذ القرارات الصادرة لصالح الكرد الفيلية مثل قرار السلطة القضائية (حكم المحكمة الجنائية العليا العراقية الصادر عام 2010 بعدّ ما حل بالكرد الفيلية هو جريمة ابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية) وقرار السلطة التشريعية (القرار الصادر بالإجماع عن مجلس النواب العراقي عام 2011 بنفس المعنى) وقرار السلطة التنفيذية (قرارمجلس الوزراء العراقي رقم 424 لسنة 2010 بإزالة كل الاثار السلبية التي نتجت عن سياسات البعث الظالم ضد الكرد الفيلية). فهم يقولون لنا اقوالا جميلة ولكنهم لا يقومون باجراءات لصالح حقوق ومصالح الكرد الفيلية. ورفضوا شمول الكرد الفيلية بالامتيازات التي يتمتع بها سكان مخيم رفحاء الذي تركوا العراق الى السعودية زمن النظام البعثي. كما ان التعديل الأول لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 خصص مقعد واحد فقط للكرد الفيلية في واسط (تطور جزئي محل الترحيب) ولكنه مع شديد الاسف اهمل الكرد الفيلية في بغداد وديالى بالرغم من كثافتهم السكانية في هاتين المحافظتين "تعبير (الكثافة السكانية) المنصوص عليها في المادة (4/ رابعاً) من الدستور ينصرف إلى الجماعات التي تشكّل ثقلاً وظهوراً بارزاً في المدن المتكوّنة من عدة قوميات، ويكون لتلك الجماعات تأثيراتها في مسيرة المجتمع والمشاركة في حركته" حسب تفسير المحكمة الاتحادية للمادة (4/ رابعاً) من الدستور"). وحتى هذا التطور الجزئي المتواضع واجه اعتراض بعض اعضاء مجلس النواب الذين استأنفوا التعديل لدى المحكمة الاتحادية. ولكن المحكمة الاتحادية ردت الاعتراض (محل ترحيب ايضا). كما حرَّمتهم قبلا من عضوية المفوضية العليا لحقوق الانسان وغيرها واجبرتهم على تغيير اسم (لواء الكرد الفيليين) في الحشد الشعبي. كما لم يتم اتخاذ اية اجراءات قانونية تجاه الساسة الذين وجهوا علنا تهديدات باتخاذ اجراءات ضد الكرد الفيلية مطابقة لقرار مجلس قيادة الثورة البعثي (المنحل) رقم 666 لسنة 1980.
ورغم كل الادلة المتوفرة فان بعض النشطاء من الكرد الفيلية ينخدعون او يقبلون بسهولة المناورات السياسية والكلمات الجميلة والجُمل المنمقة والوعود غير الجدية التي يطلقها الساسة المتنفذين والقوى السياسية المتنفذة، دون ان ينظروا الى ممارساتها وافعالها في الواقع العملي.
ما جاء اعلاه هو محاولة لتشخيص بعض الجوانب في العمل السياسي الكردي الفيلي التي تتطلب التطوير والتغيير والتحسين من اجل تحقيق نتائج افضل وليس القصد منه الانتقاص من اية شخصية او تنظيم او منظمة كردية فيلية او التقليل من عملهم وجهودهم لصالح قضيتنا وحقوق ومصالح مكوننا كل حسب طاقته وحسب موقعه ومكانه وامكانياته وعلاقاته. وكما قال العالم ألبرت آينشتاين: الغباء هو عمل نفس الشيء مرتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة.
لنأخذ الدرس والعبرة من التجارب الناجحة لأسلافنا. نذكر على سبيل المثال لا الحصر، قيام عدد من المتمكنين، بنكران ذات ودون طلب منصب او جاه، وبمواردهم الذاتية بإنشاء المدرسة الفيلية في باب الشيخ بإدارة وهيئة تدريسية كردية فيلية. هذه المدرسة (ثم المدارس) الفيلية التي كانت تتمتع بمستوى تدريسي عالي وساعدت محدودي الدخل من الطلاب وتخرجت منها اجيال من الطلبة المتقدمين حتى اغلقها النظام البعثي.
لقد تشكل في الفترة الاخيرة عدد من الاحزاب السياسية الكردية الفيلية المسجلة لدى مفوضية الانتخابات. نتمنى ان تنجح هذه الاحزاب في خدمة قضية المكون الكردي الفيلي وحقوقه العامة المشتركة ومصالحه الاساسية ونامل ان لا تنشغل في خلافات وصراعات جانبية او شخصية او العمل على تخريب جهود الاطراف الاخرى والذي لا يضر في نهاية المطاف إلا بانفسهم وبحقوق ومصالح مكوننا الكردي الفيلي ككل. لنجعل المنافسة في نشاطاتنا منافسة ايجابية وبناءة لصالح مكوننا وليس منافسة تخريبية هدامة تضر بالجميع.
قضية الكرد الفيلية مرتبطة عضويا بالديمقراطية (الفعلية وليس الشكلية) ووجود دولة مؤسسات ومواطنة وعدل وانصاف ومساواة وبتطبيق الجميع لكل مواد الدستور وبتنفيذ جميع القرارات الصادرة لصالح الكرد الفيلية دون انتقائية (اذ ان مجرد اصدار القرارات لا يكفي ولا يعيد اية حقوق) وبمشاركة كل المكونات ومن ضمنها المكون الكردي الفيلي في عملية اتخاذ القرارات خاصة المصيرية والرئيسية (بتشكيل مجلس مكونات) وبتحديد موطن الكرد الفيلية بالمناطق المحاذية للحدود الممتدة من خانقين شمالا حتى الكوت جنوبا. كما انها مرتبطة بالعدالة الاجتماعية والسياسية، واحترام المرأة وحريتها وكافة حقوقها، والتوزيع العادل للموارد على جميع المكونات العراقية والشرائح الاجتماعية وكل المناطق الجغرافية، واعادة اعمار المناطق المدمرة من قبل النظام السابق (المناطق الحدودية الممتدة من خانقين ومندلي وبدره وجصان الى الكوت) والتي تدمرت في الحرب ضد داعش. وهي مرتبطة ايضا وبشكل اساسي بالقضاء على الفساد المالي والاداري والسياسي والمحسوبية والمنسوبيه. كما انها مرتبطة بوضع حد للتعصب والتطرف الديني والمذهبي والطائفي والقومي.
التأييد والدعم لقضيتنا ليس بديلا عن اعتماد الكرد الفيلية على انفسهم وعلى طاقات وامكانيات مكونهم وترتيب البيت الكردي الفيلي والتعاون والتنسيق والعمل المشترك والمنافسة البناءة (لا التخريبية) فيما بينهم لتثبيت حقوقهم وصيانة مصالحهم والحفاظ على علاقاتهم الطيبة مع جميع المكونات العراقية دون استثناء. هذا ما اثبتته تجاربنا منذ 2003 ولحد الان. وهذا ما تثبته الان التجارب الحديثة لمكونات دول المنطقة.
يبدو أن زمن المبادئ والقيم والتضامن والايديلوجية قد انتهى من الساحة السياسية وحَلَّ محله زمن المصالح (السيطرة على الموارد والسلطة) والذرائعية (البراغماتية). وفي هذا المجال وبشكل عام لا نلاحظ في الواقع العملي فرقا واضحا وكبيرا بين امريكا وروسيا والصين وبريطانيا، ولا بين ايران وتركيا والسعودية والعراق وسوريا. كما لا نرى فرقا واضحا بين القوى السياسية المتنفذة، فمصالحها لها الاولوية وهدفها الاعلى هو السلطة. أما الكرد الفيلية فعليهم ان يعوا هذا الواقع ويعملوا ضمن أُطره الصعبة التي تفرض معوقات (شديدة احيانا) على عملهم.