محمد المندلاوي/ عزيزي القارئ الكريم، إن هذا المقال مخصص بالكامل عن الكورد الشيعة في مدنهم الكوردستانية التالية: بدرة، جصان، زرباطية، مندلي، ورازرو المستعربة من قبل العرب الغزاة إلى بلدروز، خانقين، كلار، شهربان المستعربة إلى مقدادية، جلولاء، خسروآباد المستعربة إلى سعدية، كركوك قلب كوردستان، وأن توابع جميع هذه المدن الكوردية في منطقة گرميان تابعة لإقليم كوردستان، إلا أنها اليوم ترزح تحت نير الاحتلال العراقي البغيض، أضف لتلك المدن المشار إليها الكورد الشيعة في مدينة بغداد. وأعني بجميع هؤلاء، أولئك الكورد الشيعة، الذين يدفنون موتهم في مقبرة (وادي السلام) في مدينة (النجف) في منطقة الفرات الأوسط. عزيزي المتابع، كالعادة أقولها بصراحة وبلا تردد، أنا إنسان علماني قومي، لا أعادي وجود أتباع ومريدين لأي دين أو مذهب أو أي حزب سياسي قط، مهما كان لونه، ومهما كان جنسه، إلا بقدر إنكار أتباع ومريدين تلك الجهة الدينية أو السياسية لوجود وطن اسمه كوردستان، ومعاداتها لحقوق الشعب الكوردي المشروعة على كامل تراب ذلك الوطن الممتد من البحر إلى البحر إلا وهو كوردستان وطن الشعب الكوردي منذ العصور الغابرة.
أود أن يعرف أهلي وخلاني في المدن التي ذكرناها أعلاه، أن وجود أية مقبرة هي تاريخ، يستشهد بها في أيامنا هذه كوثيقة تسجيل أراضي (طابو) للفئة أو المكون التي لديها مقبرة خاصة بها وباسمها في أية بقعة أرض. ثم، أن المقبرة ليست قبور مبنية من آجر فقط، بل هي تضم هياكل عظمية التي صارت في أيامنا تفحص بالـ "د.ن .ا = D.N.A" ويكشف هذا الفحص أصل وفصل تلك الرفات لأية أمة تعود. أضف، أن الكثير من القبور عليها كتابات قديمة، تقول لك من هو المدفون في هذه الحفرة؟، وما هي هويته القومية، وما هو اسمه واسم أبيه الخ. على سبيل المثال، نفترض أن هناك قبراً في إحدى تلك المدن المشار إليها أعلاه وعمره 2000 سنة أو أكثر واسم الراقد فيه (براخاس) أو (مايخان) أو (زەرینە) الخ، لمن لا يعلم، أن جميع هذه الأسماء كوردية خالصة 100% لا يسمى بها غير الكورد. أليست العثور على هذه الأسماء المنقوشة على مقابر الكورد تعتبر وثيقة تخرس جميع ألسنة السوء، أولئك الذين يزورون التاريخ، ويدعون في هذه الأيام العجاف زوراً وبهتاناً، وخلافاً للحق والحقيقة، أن تلك القرى والمدن غير كوردية؟ كما يردد بعض مراجع الشيعة ومقلديهم من حكام بغداد وعصاباتها من الميليشيات المنفلتة، وكذلك شيوخ السنة وأتباعهم من المستوطنين الأعراب الأوباش في أرض الكورد المغتصبة. بلا شك يعلم الجميع، أن أولئك المشار إليهم أناس مدلسون، يخفون تحت عمائمهم برامج سياسية جهنمية ليست لها علاقة بالدين، يستخدمون الدين لتخدير الناس، والتدخل في تفاصيل حياتهم اليومية تلبية لأوامر أولئك الذين يسيرونهم من خلف الكواليس المظلمة؟.
ثم، يا عزيزي الكوردي الشيعي، ألا تعلم أن جدران التي تحيط بالمقابر دونت عليها قديماً كتابات تقول لك لأي مكون تعود هذه المقبرة؟، وحتى النقوش التي على القبور والجدران والبقايا المعمارية من خلالها تكشف العلماء الآثار والمختصون أن هذه النقوش والكتابات أو الأشياء التي رسمت عليها تخص أي شعب من الشعوب؟.
هنا أسأل الكوردي الشيعي، هل أن الإمام (علي بن ابي طالب) أوصى أن يدفن الكوردي الشيعي في مقبرة النجف؟؟ بالطبع لا، لأنه لم يوصي أين يدفن هو. ثم، لماذا الشيعي العربي لديه عدة مقابر في بغداد كمقبرة براثا في العطيفية، ومقبرة القرشيين في الكاظمية، الخ وهكذا العرب السنة لديهم مقبرة في الأعظمية، ومقبرة في شيخ عمر، ومقبرة شيخ جنيد في الكرخ الخ. والمسيحيون لهم مقابرهم في بغداد. وكذلك اليهود لهم مقبرة في بغداد، مع أن قبور أنبيائهم تقع في الفرات الأوسط وجنوب العراق وفي الموصل كنبي (عزير) والنبي (ناحوم) والنبي (دانيال) الخ، لما لم يدفنوا موتاهم بجوار أنبيائهم؟. يا ترى لماذا الكورد الشيعة في بغداد ليس لهم مقبرة خاصة بهم؟؟!! لماذا يهرولوا بموتاهم إلى منطقة غريبة عنهم تقع في صحراء النجف الجرداء، التي دفنوا بأيديهم.. تحت ثراها مع جثث موتاهم جزء كبير من تاريخ الكورد؟. يا ترى لماذا أهمل الكورد الشيعة في المدن الكوردية التي في گرمیان مقابرهم القديمة في تلك المدن التي أشرنا لها أعلاه، ويذهبوا بموتاهم إلى وادي السلام في مدينة النجف؟؟!! أليست الأرض هي الأرض ذاتها أينما تكون، وضعها الخالق العزيز للأنام حياً وميتاً لا فرق بين بقعة وأخرى ؟؟. إلا تعرفوا أن المقابر بالإضافة إلى دورها التاريخي في إبراز أحقية تلك الأرض لمن تعود، لها دور هام لخلق تجمعات بشرية حولها، حيث أن الكثير من المقابر بنيت بجوارها مدن كثيرة، كمدينة الكاظمية بنيت بجوار مقبرة القرشيين، والأعظمية بنيت حول قبر الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، والمدينة تحمل لقبه، الخ.
الذي أريد أن أقوله لأبناء جلدتي في گرمیان من بدرة وجصان إلى كركوك قلب كوردستان، ارحموا أنفسكم، ارحموا تاريخكم، الذي صار نهباً لكل من هب ودب من الأغراب..؟، ادفنوا موتاكم في مقابركم، التي بجوار مدنكم وقراكم، التي تحمل اسمكم القومي، وهي بمثابة هوية لكم، يشد أزركم أمام الآخرين، الذي يتربصون بكم ليل نهار، ويريدون بكم ككورد وبوطنكم كوردستان شرا، لا تدعوهم ينالوا منكم كما نال آبائهم وأجدادهم من آبائكم وأجدادكم قبل قرون مضت، حين وطأت حوافر خيولهم هذه الأرض الكوردية واستوطنوها عنوة، بحد السيف. كم سعدت حين رأيت من خلال وسائل الإعلام، أن بعض الكورد الشيعة الأبطال تحدوا التقليد الغريب السائد بحمل الموتى نحو جنوب العراق؟ وأوصوا أن يدفنوا بعد رحيلهم إلى عالم الأبدية في المدن الكوردية، منهم ذلك الكوردي الشهم (جبار فرمان) الذي دفن في مدينة السليمانية. وأيضاً الكاتبة والروائية الكوردية الخانقينية الأكاديمية (أحلام منصور) التي أوصت أن توارى جثمانها الثرى في إحدى مقابر مدينتها خانقين. وهكذا أوصى القيادي (عادل مراد) أن يدفن في السليمانية، ودفن فيها بعده طبقاً لوصيته (رزاق عزيز ميرزا)، لا تسعفني الذاكرة الآن، بلا أدنى شك هناك آخرون من الكورد الشيعة بعد رحيلهم من هذه الدنيا دفنوا في السليمانية التي زادت شرفاً وعزة بعد أن ضمت تحت ثراها جثامين هؤلاء الأشاوس الأمناء على القضية الكوردية. وقبلهم رحل عنا اللواء البطل (حسين منصور)، الذي استشهد في محافظة كركوك دفاعاً عن الأرض والعِرض، ودفن في مسقط رأسه في مدينة خانقين بوابة زاگروس. عزيزي القارىء الكريم، إن جميع هؤلاء المناضلون يرقدون الآن براحة وسلام بين أبناء وطنهم كوردستان، وراية كوردستان بألوانها الثلاثة الزاهية وشمسها الساطعة ذات الإحدى وعشرين إشعاعة خفاقة وترفرف فوق رؤوسهم هم أحياءاً وهم أمواتا.
اسمحوا لي أن أقص عليكم قصة جرت أحداثها قبل أيام في مدينة مندلي السليبة سردها لي صديق زار مدينة مندلي قبل أيام، يقول: أن عم زوجتي وافاه الأجل بسبب مرض عضال، أراد أشقائه أن يدفنوه في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف، ليس لشيء سوى لأن الناس سيستصغروهم، إذا لن يدفنوه في مقبرة النجف!، لكن زوجة المرحوم أصرت على دفنه في إحدى مقابر مدينة مندلي، وتحديداً في مقبرة (سەی رەحمان= Sey Rehman)، قالت لأشقاء المتوفى: أنها لا تستطيع في كل مناسبة أن تذهب من مندلي إلى النجف لزيارة قبر زوجها. لكن للأسف، لم تفدها هذه بشيء، ولم تشفع لها عند أولئك قساة القلوب..، فعليه قطع أشقاء المتوفى كل علاقة معها، والسبب، لأنها دفنت زوجها في أرض آبائه وأجداده. حقاً لو كانت لدى هؤلاء ذرة إحساس وطني كوردستاني، وشعور قومي كوردي لهللوا لها وقبلوا يدها وكبروا فيها هذه السمات النبيلة المرتبطة بأرض الآباء والأجداد، لأنها تريد أن تدفن شقيقهم بجوار الحي الذي تقيم فيه، لأنها تعشق شقيقهم حتى بعد رحيله إلى عالم اللاعودة، لأنها وضعت في أرض مندلي السليبة قبراً كوردياً أصيلاً بجانب قبور أبناء جلدته الكورد، وسيشهد للتاريخ والأصالة الكوردية في القادم الأيام في مدينة مندلي كمعلم كوردي يحوي في داخله إنساناً كوردياً عاش على أرض هذه المدينة الكوردستانية وسيبقى قبره وقبور الكورد الآخرين يشهدوا لهم وللعالم ولشعبهم الكوردي الأبي كوردية وكوردستانية هذه المدينة الشامخة إلى ما شاء الخالق.
كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوماً على آلة حدباء محمول ... فإذا حملت إلى القبور جنازة ... فاعلم بأنّك بعدها محمول. (كعب بن زهير)
-المقال تعبر عن رأي الكاتب