2018-12-31 12:21:00

نداء للإحتفاء بالعلم الفيلي المربّي والكاتب والمترجم عبد الستار كاظم السّورَميري
(1925- 5 تمّوز1994)
جلال زنگابادي/ إنّي لأستغرب كيف يحظى البعض هنا وهناك (القلائل منهم يستحقّون) باهتمام أصحاب القرار الثقافي والبعض من شريحة مثقفينا، في حين يطال التعتيم والتهميش أعلاماً أفذاذاً وتبات عطاءاتهم الجادّة نسيةً منسيّة، بل مضاعة وضائعة ؟!
وهنا سأقدّم – على سبيل المثال، لا الحصر- المربّي والكاتب والمترجم عبدالستّار السّورَميري مناشداً أصدقائي وزملائي و ذوي الإهتمام وأصحاب القرار الثقافي بجمع مساهماته المتناثرة في الصحف والمجلّات الواردة أسماؤها أدناه وغيرها، من أجل تصنيفها وطباعتها في مجلّدين (كردي و عربي) ونشرها بمثابة استذكار؛ إذا عزّ الإحتفاء بذكرى رحيله!
والذي أرجوه من ذوي الشهامة والهمّة أن يزوّدوني بالصحف والمجلّات الحاوية على مساهماته أو بصورة مستنسخة، وسيكونون من المشكورين المذكورين في الصفحات الأولى للمجلّدين المنتظرين.

ولمن لا يعرف هذا العلم ؛ أقدّم تعريفه الآتي:

ولد عبد الستار كاظم اسماعيل بن الامير ناصر بن الامير ميفر السورَميري في مدينة الكوت- عگد الأكراد، في سنة (1925م) علماً أنّ أسرة والده كانت قد نزحت من موطنها قرية (ورمزيار) وأراضيها الزراعية في المثلث الواقع بين نهريّ الوند وسيروان (ديالى)؛ بسبب القحط وهجوم الجراد في أوائل القرن العشرين، نزحت إلى مدينة زرباطية، ومن ثمّ إلى مدينة الكوت.
دوره التربوي:
تعلَّم بدءً في كتّاب حميّه الملا درويش محمد، ثمّ أكمل دراسته الإبتدائية والمتوسطة في الكوت، ومن ثم في دار المعلمين في بغداد خلال ثلاث سنين، حيث تخرّج معلّماً.
في (1943م) تعيّن معلّماً في مدرسة (الصويرة الابتدائية) في قضاء الصويرة، ثمّ انتقل إلى مدارس عدة مدن حتى استقر في مدينة الكوت، وفي أواخر خمسينات القرن الماضي صار مديراً لمدرسة (النجاح) الإبتدائية، ثمّ انتقل إلى بغداد بعد ثورة 14 تمّوز 1958 للعمل في مؤسسة الدراسة الكردية، وساهم في عدة لجان لوضع المناهج الدراسية، حيث شارك في تأليف العديد من كتب (القراءة) و(الحساب) باللغتين العربية والكردية. وقد كلّفته لجنة تغيير مناهج التعليم الإبتدائي في وزارة المعارف ( التربية والتعليم) بوضع مشروع تبسيط (القراءة للصف الأول) ألا وهو كتاب (القراءة الخلدونيّة) الموضوع من قبل (ساطع الحصري)، فقام بتغييره من (قراءة زير زيران) إلى (دار داران)؛ إستناداً إلى جهل الطفل العراقي بكلمة (زير) الشامية، التي تعني (بستوگة) باللهجة العراقية، في حين (دار) كلمة شائعة وفي مقدور الطفل فهمها وإستيعابها بسهولة. وكذلك اشترك في لجنة تأليف القراءة الكردية؛ بعد أنْ تقرّر تدريس اللغة الكردية في مدارس منطقة الحكم الذاتي ومناطق تواجد الكرد كأغلبيّة سكّانية؛ إثر اتفاقية (11 آذارسنة 1970) ولقد إرتأى استخدام الكلمات المشتركة بين اللهجات الكردية. وفي السنة نفسها ارتقى إلى رئيس مفتشين (مشرفين) في الوزارة ، ثمّ أحيل على التقاعد في 1972.
وهنا تجدر الإشارة إلى كون الأستاذ عبد السّتّار كاظم من أبرز الطلائع المتقنين للرياضيّات الحديثة، التي برع وأبدع فيها ونال شهادة أساطين الرياضيّات في العراق في سبعينات القرن الماضي، و راح يدرّس طرق تدريسها في الدورات الخاصّة التدريبية – التأهيليّة لمعلمي المدارس الإبتدائية. وكذلك ساهم في دراسة ومقارنة اللغة الكردية ولهجاتها وألّف كتاباً بهذا الخصوص عنوانه ( ذيل كتاب اللهجات الكردية المقارنة) نشره المجمع العلمي الكردي – العراقي.
وكان من مؤسسي نقابة المعلمين / كردستان التي عقدت مؤتمرها الاول التأسيسي في مدينة شقلاوة في 1959.
دوره القومي :
كان عبدالستّار كاظم منْ أوائل مناضلي الحركة القوميّة الكرديّة التحرّرية في أقصى الجنوب الكردي؛ فقد أسّس مع لفيف من الشبّان الكرد في خمسينات القرن الماضي في مدينة الكوت أوّل تنظيم للحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) في مدينة الكوت، وكان مسؤولاً عن العديد من المناضلين القدامي ومنهم: الشخصية السياسية المعروفة حبيب محمد كريم، والأدباء :محمّد البدري، عبّاس البدري و محمّد دارا…ولقد شهِد الشاعر محمّد البدري بدوره القومي الريادي في مقالة له في صحيفة (التآخي) (ع 4759 في 20 / 5/ 2006) قائلاً: ” ..الحزب الديمقراطي الكردستاني في الكوت في عام 1956 م كان يتألف من السادة المؤسسين : سلمان بيجان، علي اكبر براري، طاهر نادر، عبد الستار كاظم و نامي مامكه”
كما ” كان قريباً من الحزب الشيوعي العراقي ” و” إنتمى إلى المقاومة الشعبية” حسب قول نجله الدكتور مؤيّد عبدالستّار.
دوره الثقافي :
بعد إحالته على التقاعد، تفرغ الأستاذ عبدالستّار كاظم لحراكه الثقافي المشهود باللغتين الكردية والعربية، حيث عمل محرراً في صحيفة (التآخي) التي غدا اسمها (العراق) في 1974 وراح ينشر ايضاً مقالاته ودراساته النقدية وترجماته في جريدة (هاوكارى = التضامن) والمجلّات : (به يان = الصباح)، (روشنبيرى نوى = المثقف الجديد)، (شمس كردستان)، (كاروان = القافلة) و(المعلّم الجديد)…
وكان عضواً في :
– نقابة الصحفيين العراقيين .
– المجمع العلمي العراقي.
– إتحاد الكتاب والناشرين العراقيين.
– جمعية الثقافة الكردية.
– هيئة تحرير(المعلم الجديد)
كان الأستاذ عبدالستار كاظم ذا إلمام جيّد بلهجات اللغة الكرديّة، وبرز في نقد العديد من تحقيقات دواوين الشعراء الكرد القدامى، بل كان من المترجمين القلائل في التصدّي لترجمة قصائد أولئك الشعراء إلى اللغة العربية، كما ترجم قصصاً قصيرة كردية لكتّاب كرد، ومنها مجموعة (الذئاب) لحسين عارف وهو من أبرز روّاد الحداثة في مضمار القصة والرواية، وجاء في تقديم الأستاذ كمال غمبار لها:
“…بذلَ جهوداً مشكورة في أنْ يكون دقيقاً قدر المستطاع في ترجمته، وأميناً على نقل العبارات بشكل تتماشى واللغة العربية من حيث أسلوبها البلاغي الخاص.
أشدّ على يد المترجم لجهده المضني وحماسه لترجمة هذه المجموعة بالشكل المطلوب.
وهي تكاد تكون أولى مجموعة قصصية لقاص كردي معاصر تترجم الى اللغة العربية”
×××××××××××××
وفيما يلي نماذج من ترجماته للشعر الكردي الكلاسيكي:
(1)
الشاعر الكردي صيدي والرّحى وشيرين
الملا محمد سليمان الملقب بـ (صيدي) من شعراء هورامان المشهورين (1199- 1265هـ) تغنّى بشعره الأجيال ، وصار بعضه بحكم الفولكلور.
نظم باللغة الأدبيّة التي كانت سائدة آنذاك، ونظم باللهجة المحلّية، كما انه لمّعَ شعره بالفارسية والعربية، و ضمّن أشعاره الكثير من التعابير التي كانت متداولة عند الصوفيين، كما ضمّنها العديد من التعابير القرآنية .
كان شاعرنا معروفاً بحبه للحسان، وأكثرَ من الغزل والنشيب بهنّ حتى كاد ذلك يؤثر على مركزه الديني .
وهذه القصيدة هي إحدى أشهر قصائده ، فآثرت أن أترجمها لتعريف قرّاء العربية بصيدي ، وعسى أن أكون وفقت.

أيّتها الرّحى …أيّتها الرّحى
يا صخرةً صلدة ضئيلة الثمن
أقبلَ السّعد عليكِ
ما أسعدَكِ!
ها قد جاء الحبيبُ سعياً إليكِ
يا منْ نُحتْتِ بأيدٍ ماهرة
وعلى جسمكِ تبدو جراحاتُ الفؤوس
أنتِ ومنذ قديم الزمان
أليفة الحِسان
كأنّما (فرهاد) جاء بفأسهِ عليكِ
وكأنّ مقبضَكِ الرشيق
منْ غصنِ صفصافٍ رقيق
اليوم…وقِبلتي ذات الدلال والغنج
قد شرّفت
تبغيكِ أنتِ يا رحى شيرين جالسة
تطعم الرحى حبّا
والرحى جنّ جنونها
فهي تدور على نفسها بلا شعور
مسرعة في جريها كالفلك الجائر
وقد علا أنينها
تئنُّ من جور الحبيب
و نهد شيرين ذو العطر الزكي
كليمونة أو (شمّامة)
يرتجُّ تحت الثياب
منْ ذا أعزّ منك عندها
فكيف لا تمرحين؟!
بلْ كيف لا تصعّرين الخدّ وتشمخين
و سود ذوائبها العنبريّة
تدلّتْ حتى لامستكِ رؤوسها؟!
يا رحى
إليكِ أتضرّع
يدكِ في يدها
فحاذري أنْ تجرحيها
يدها تديركِ بمنتهى الدلال
ومن الحبِّ تعطيك ماتشتهين
وأنتِ كأيّ ظالم تسحقينه
وكالغبار تصيّرينه .
ضاقَ صدري
فصرختُ إيه يا رحى
ليتكِ صرتِ إرباً إربا
ما خطبكِ؟
يدُ شيرين هي التي تديركِ
لا نلتِ المُنى
فما هذا الأنين
فأيّ جرحٍ خطير فيك
لمْ يشفَ بعد؟!
دعي الأنينَ لي ليل نهار
أنا المُعَنّى من الهجران
و شحَّ على دائي دواء
أيّتها الرحى اللعينة
يا جوّابةَ الجبال والسهول
كفّي عن الدوران كهائم مجنون
إنها الحلوة شيرين …أتجهلين؟
إنها سالبة القلوب بالمكر
ستسلب منكِ اللب
وتصبحين أحدوثة الزمان
فلا يغريكِ منها العهد والوعد
إنما تجنو ألف مرّة
و وفاؤها لا يعدو ذرّرة !
وهي ليست تلك الحبيبة التي
تبقى على العهد
فما تشعرين
إلّا وهي تنهض عامدة
نافضة يدها من يدك
كأنّما لم يكن بينكما
ماكان من أمر
ستذهب من من حيث جاءت
وتظلّين وحدك
تحملين الهموم
و عندها تكفّين عن الأنين
لتعودين
صخرة صلدة عديمة الثمن
يملأ قلبك شوق وألم
و تبتلين
بألم بعاد الحبيب
ثمّ تكظمين الغيظَ و تصمتين
على جراحات خطيرة
عزيزة الدواء
و صمتك ذاك
أسوأ من صمت (صيدي)!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصائد للشاعر مولوي
(1)
فرصة العمر

انها فرصة العمر
ياروح اسرعي واستقبليه
ويا اجفان كوني
بساطا يمشي عليه
ويا انسان عيني
افترش الارض
لتطأك سنابك جواد الحبيب
وانت ياعين
بالدمع رشي السبيل
كيلا تلوث وجنتيه
ذرات الغبار
كيما يدخل المنزل في ابهى الحلل
ذو الخال والخد الاسيل

(2)
باقة البنفسج

ياشفاءّ
لآلام هذي الجروح البليغة
وضياءَ العين والقلب *
لـ ( معدوم ) التعيس
، وصلت الي
باقةُ البنفسج الجبلي **
اريجه الذي يفوح منه
عبيرُ وفاء الحبيب ***
ازاحَ غبار جراحات الفؤاد السقيم
وجدد عهد ذاك الغرام القديم
انما اشتياق بنفسج الرياض
وحب ورود سفوح الجبال
بشخص يليق
حديث ابتلاء بداء الغرام
تواً ، علا في صدره
دخانُ آهاتِ الجوى
يجري تمارين الهوى
والحبِ مثل الصغار
تارة يرنو الى قمم الجبال
وتارةّ وردا يشم
أما أنا ،
أنا الصريعُ ، المغمى عليَّ كمـيّـتٍ
محطم القلبِ
بسيل السقام
من فرط استعارِ أتون الغرام
نسيتُ النفس
نسيتُ الورود
××××××××
* (معدوم) هو (تخلّص) الشاعر مولوي
** استخدم الشاعر في وصف البنفسج (تله ديز) اي ذي السيقان الخضر الداكنة ،
فآثرت ان استعمل بدلها كلمة ( الجبلي)
*** الحبيب : يقصد الشاعر الشيخ ضياء الدين نقشبندي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)
اين انت ياساقي

إنـه الشتاء
العواصف اوصلت
ثلوج سفوح الجبال
الى عنان السماء
في الجبال الشامخات
بـيّـضَ بالثلج فوهات الكهوف
بردُ الرياح
كصائغٍ مُـبـدعٍ
قد أبدعَ في صوغِ
اقراطَ زينةٍ
لاذُنَـي غَـضُّ القوام
انصقل الثلجُ كمرآةٍ
مُـتأطرا بالضباب
كيما يُـمتعُ المحبوبُ النقيُ
نفسه بمنظره
هذا الحبيب
وذاك الـبَـنّـاء
كلً ينادي بلهفة ٍ
أينَ انتَ ياساقي
لتاتي لنا بالكأس ؟…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:

(1) سيرة أب.. الاديب المشرف التربوي عبد الستار كاظم السورملي
د. مؤيد عبد الستار
https://algardenia.com/maqa…/29491-2017-04-12-15-48-15.html…
(2) اعلام الكرد الفيلية : عبد الستار كاظم/ بقلم : احمد ياري / موقع جلجامش
(3) معلوماتي وأرشيفي الخاص