حكيم نديم الداوودي
خرائط جديدة
بين أفق وآخر خرائط من اللحم واللجم والرمل.. ظلال مسافات.. ومساق وهزات مصائر الشعوب الفقيرة والمضطهدة.. خرائط تلد تعسف محتليها.. وجوه تبدو على الخرائط ومصائر أمم أخرى تلفها الغموض والنسيان خلف براميل الدم والبارود والذهب المهرب.. يا هذا اللعوب على كل حبال السياسة في العالم .. لا تخفي أسمال ظلمك وزرك بحق أمة الانفال .. أعلن اعتذارك لهم عن ظلملك التاريخي قسمتك في رسم الحدود.. اترك على الطريق لون اعتذارك وسوف يبصق على لحدك الملايين .. أنت من شوهت الحلم وذبحت الأفق من ضحكة الشمس.. ياعراب المكائد ويا أعدل فكر في ظلم بني الكرد .. ويا خاذل وناكث الوعد والعهد في خسران مصير الكرد أعرفتم من أنا .. أدريتم من أنا؟ أنا جيل ثورات الكرد .. أنا خاصم من ظلم في حسابات الكرد .. اليوم في خريف العمر أتوكأ على الجيل الجديد وأشرب من ماء يقين .. قالوا لي حلمك بلا نوم ونومك بلا حلم .. قالوا لي: أفق أيّها المنبوذ من فقرك العاري ومن يباس الطموح .. الطرق من حولكم دائرية .. لولبية .. مُغلقة ربما الآن لا نهاية لها.. ولا محطة ولا مرفأ.. فلا جهات تمنحك سرّ الخروج.. كتبوا لي في التواصل الإجتماعي.. ليتنا كنا عشب البراري نصدّ الريح والعاصفة ولا شأن لنا بما يعجن الوقت ويقلم مخلب الخيانة والعناد.. ليت أمنياتُنا تمرُّ كالعروسة إلى فردوسها ليتنا ساريةً وسط العراء تسلقنا دمعتنا.. تُطفيء جمرَعنائنا.. هم يمرّون من بيننا كالموتى.. كالأكاذيب.. كالذئاب يحترفون الخديعة..
أماه...! الرعاعُ الرعاعُ/ قادمون من أقصى البقاع/ الطامعون بدمنا المُراق على أرصفة الضياع.. أماه، غدنا مُباعٌ من دون علمنا، فأين نرسي متاعنا/ وربما يضيّفنا مرسى بلا تاريخ وقاع... الرعاعُ الرعاع / جاؤوا حشوداً من خلف الحدود بالإرهاب والقتل وبسفك الدماء.. دمروا الحضارة وهدّوا علينا وعلى أحبتنا سقف الأمان/ زَينوا بالقار والتخلف واجهات المدارس والنوادي.. قمعوا ترنيمة الأوتار بسوط الجهل.. ذبحوا وريد الأغاني وأطفَأوا شموع الصفاء.. صلّوا شكراً ركعتين على نِعم الدمار والخراب.. إنهم بغاةٌ رعاعٌ لا ينتمون لا للسِلم ولا للدين الحنيف / شِرذمةٌ جناةٌ قدموا من سديم مجهول.. لا ليلةٌ ظلماءٌ تظلّهم ولا ضوء النهار.. لا ينتمون الى شواهد التاريخ ولا للحقب الجميلة.. بل أشتات همجية بلباس العفة قذفتهم رياح صرصر، أشعلوا في كل بيتٍ فتنة طائفية وعِرقية.. فرقوا بين الناسِ، وباتت الأخوة بينهم نسياً منسياً... تأكل بعضهم لحومَ بعضٍ، ويسفك جاهلهم دماء رموز النور، ومحافل العلم والعلماء... جاؤوا مع الطوفان كالزلزال دمروا أعراسنا.. يبّسوا أغراسنا.. وأضرموا المحِل فينا وفي حقولنا / يتّموا زهو السنابل.. سرقوا من الحصاد كبرياء مناجلنا.. الرعاعُ الرعاع... موتٌ تفشى... وزمن يباب باتَ يمشي في دروبنا، وفي سويداء قلوبنا... لطّخوا بالفتن العمياء نجيعنا.. زلزلوا قبور رموزنا.. وعظماء تاريخنا.. هم من أضرموا النسيان ودخان البدع في أجداثنا.. هم الذين رسموا على واجهات عصرالفضاء والذرة مخالب تخلف تنز بالقيح والدماء.. الرعاع الرعاع .. سوف ينتهون وتنقضي أيامهم السوداء.. وستذبل أوراقهم الصفراء مع خريفهم .. ويلفّهم سراب العار.. بعد ما ذبحوا آمالنا.. وغيّبوا عنا منذ الحقب الطويلة حقنا الضائع.. يهلّ عليهم الوهل بجولة واحدة.. بصرخة مجلجلة من أفواه صنّاع الغد والحياة.. ينهار بنيانهم المزيف وتنمحي شعاراتهم البراقة.. أماه لا تضني سيوفهم الصدئة ستقهرالزمن.. هم حشرات مؤذية يهلكون أبدان العباد.. المارقون وحدهم قتلة الأحلام الطرية.. الكذابون بشعاراتهم الإيمانية جاؤوا من دهاليز أحقادهم الظلامية.. أذلاء هم يجرون أذيال خذلانهم ينوؤون بمخازيهم.. كل أنهار الوطن لا تغسل ما علق بأجسادهم النتنة.. كلّ شلالات كوردستان ومياه أهوار الجنوب لا تزيل رائحتهم الكريهة.. جاؤوا بإسم قيم السماء، زرعوا الوطن طولاً وعرضاً بمشاهد الخراب وبالجثث المتناثرة.. بالثكالى واليتامى والباحثين عن لقمة العيش في تلال القمامة.. حشود تلو الحشود.. شوّهوا قدسية السماء.. أغتصبوا الشرف، وإبتدعوا في مسميات النكاح.. أكلوا الأخضر واليابس.. صحّروا غرفنا الجميلة التي كانت تزهو بالموسيقى.. وبالأحلام الوردية.. أماه...! الرعاعُ الرعاعُ / قدموا من أقصى البقاع/ طمعوا بدمنا المُراق، على أرصفة التشتت والضياع.
في هذا المتاه
في هذا المتاه غرفٌ للحلم الأرعن .. ولعزف المنفى رجعٌ بين المرارة والجذل والجدل العقيم.. أوغل في متاه مداري وفي الشفق الملازم لأهوائي المستترة.. أرى الصبح البارق موجع يحفر جدثاً لمتاه آخر.. يحفر الليل خطاه المبهمة .. يا صديقي المتيّم بحب الأرض أنثر قليلاً من ملح جنونك على جنوني المخبوء طي هدوئي وصبري.. أنا اليوم عازم على اختراق المسافة الفاصلة بين روحك وروحي.. هذه ربما إشارة لمكر فاضح.. وصدىً لمعترك قادم من تلك المتاه.. إصغِ إليّ أيُّها الغريب المفعم بالسقم الأصفر.. هو ذا العمر القصير يرينا ما لا نراه وما تراه العيون..
غطاء
في مدينتي المهجورة من أنفاس الخلائق ومن شدو الطيور والقبوج.. كان فراشي عبقاً برائحة أحلامي .. ومَنْ ضيّفوني أيام المحن بين تعاريجها.. في واعيتي .. شظايا صور بهيّة معلقة برموشي .. صورٌ لصبايا الأزقة.. لدفء الأحبة .. لذكريات الدروب.. وحين يغادرني دفء غطائي تساقط عليّ شرائح كائنات يضجّ بها ما وراء الحلم.. تذوب ملامح مّنْ اصطفوا حولي .. وغدوا هباءً حول فراشي.. ومن كانوا في مسيرة حلمي مجرد أضغاث وحطام من ذاكرة تلك الأيام..
لِمنْ ستكون الغلبة؟
في ساحة الغضب.. أرنو جمرة اللهب تلهو عصافيري .. تبحث مناقيرها عن أغنيات المنفى.. عن غرائبية في معاني المتاه.. ربَّما سيترك صديقي هذا المكان بلا وداع .. وسيغسل جراح بُعده من غسلين التعب.. ويتخطى يوماً مشاكسات مشواره .. أنا سأشرب معه نخب نجاته وأفتح لضحكته بوابة روحي.. هو خير مني وأجدى.. هو قبل الغياب كان صرحاً من التفاؤل والمسرات.. كان يتبضع كل يوم مثقاقيل الفرح من ضواحي مدينة الأعراس ويضع أنغامها في مزماره.. ما كان يعنيني اليوم بعد الضياع ما بين الأمصار.. وما يعني لي عام -98- زمن التشرد والفوضى ولا أسماء دهاقنة التهريب.. صخب.. شغب.. رماد.. وخرق للمألوف عبر الحدود.. كان همّنا ترك البلد لأبالسة السياسة عبر هدير التهديد والصخب.. لم ندرِ من بعدنا لمنْ ستكون الغلبة؟.. غليانٌ مستورٌ.. كبتٌ منظور.. قمعٌ.. وقتلٌ.. وإهانة مقصودة موصولة للجد وللأب والولد والزوجة.. زمن متصل بأوهام غابرة المتماهى في رحاب غد غائب.. آه .. ياهذا ألا ترى عجلة الدنيا من لا يبالي بها.. والدرب إلى اللاعودة سالكٌ.. سائبٌ يجري وفق مشيئة أساطين المهربين.. سكونٌ مطبقٌ في الطريق.. يلفه الخطر والضّياع.. الويل للويل من يجرع كأس ندمه يحطِّم كؤوس غضبه أمام صاحب الأقدار اللَّعينة.. هناك يولول اليأس من فرط التأمل.. أنت من بعدي حبيسة ذاكرة لا تسترجع يوميات رحيق الياسمين. اعذريني للإرث الثقيل.. تركت لك حقيبة من أشجاني وراء بوابة الوطن المبللة بوبل الخراب والوحل..