علي حسين فيلي/ الكورد الفيليون ليست لديهم مشكلة مع القومية، والمذهب، لأن الكورد يحكمون في أربيل والشيعة في بغداد والعراق الحالي لايزال فدراليا موحداً، والمشكلة هنا تأخذ منحىً آخر، وهي عند جميع العراقيين والتي تخص الأرقام، وكل يوم نحن بحاجة الى عدد اكبر من الضحايا والتهجير والتشريد لكي تحل محل المآسي السابقة، الانسان بطبيعته لا ينسى من احب، ونحن في مأزق ارتفاع أصوات المغرضين، وسكوت المحبين، وهذا يذّكرنا بالمقولة المشهورة، وهي “اذا كان الاعلام يصب في مصلحة الناس يعبر عن لسان حالهم، ولكنه اذا كان تابعا للسلطة يعبر عن توجهاتها”.
الفيليون تعودوا على بعد الأحبة وبما ان حياتنا غير مستقرة لا يمكننا ان نتعامل بطمأنينة مع الواقع، وخلق ذلك فجوة عميقة بيننا وبين الشارع الكوردي والشيعي.
اليوم كوردستان أصبحت حساسة تجاه مصطلح “الشيعة” بسبب التوترات الموجودة، ومخاوف المستقبل، ونسيت ان جزءا من شعبها هم من اتباع المذهب المذكور، والشيعة ينبذون اي اقلية قومية تابعة لها تغرد بميول قومية، فكثرة التعداد والنفوس غطى الاعتراض الشيعي وهذه حقيقة العراق الحالي. وخلال العقد الأخير، تسيست كل اركان الحياة، وإخضاع أي مفهوم الى الربح والخسارة بعيدا عن القيم، والأدلة الواقعية، فمن الطبيعي ان توضع اضعف الحلقات في قفص الاتهام، وانا في هذا المقال سأتطرق فقط الى موضوعة الانتخابات، وفي اخر دورة التي جرت في 2014 والتي من الممكن ان نعتبرها قمة التراجع للفكر القومي في العاصمة الاتحادية بغداد كمثل نضربه، وقبل هذا قد تعرض الكورد الفيليون الى انتكاستين قاسيتين، احداها: قبل 2014 هي تفكك عرى الثقة، واهمال الكورد خارج الإقليم، والثانية: الطائفية في تجربتها الجديدة التي لقيت رواجاً في داخل الشارع، ومن الغريب ان أصحاب التوجهين من الفيليين لم يتمكنوا من تحقيق فوز، ولو بمقعد واحد في البرلمان العراقي، والتوجهان يتبرون من القصور لعدم استطاعتهم جذب ناخبيهم بفترة وجيزة وكسبهم وتعزيز الثقة بين الطرفين، فمن 100 بوستر دعائي 99% هي للتوجه المذهبي، وهي تحمل مفاتيح الجنة والجحيم. والكورد الفيليون – امام الحصانة الحديدية للقيادة السياسية القومية والمذهبية – اما يلتزمون الصمت، او يخوضون بمواضيع عاطفية لا قيمة لها في عالم السياسة، والوسيلة الوحيدة التي يلجأ لها الفيليون هي المنظمات المدنية غير الرسمية، ومع كل ما ذكرناه فإن دورة الحياة السياسية لهذه الشريحة تجمدت.
صحيح ان لعبة الأرقام في الانتخابات السابقة أدت دوراً في مشاركة العشرات من الفيليين بشكل عشوائي ليست له خلفيات واقعية، وبدلاً من ان ننهض بأنفسنا – كما كنّا نتوقع – إلاّ اننا لم نحرز شيئا، وصرنا محلاً للشكوك، انا هنا لا اقصد التوجهات القومية والمذهبية بذاتها بل حتى جبهة المستقلين من الفيليين لم تستطع ان تؤطر لها حيزاً في العالم الافتراضي لأحراز مقعد، واحد لها.
وما ملاحظ حاليا – حسب نتائج الانتخابات – ان مؤشر الفكر القومي الانساني، الذي نؤمن به قد تراجع نسبياً امام التوجه الطائفي صاحب التجربة الجديدة في إقليم كوردستان، واما خارج الإقليم النهج المتبع كلاسكي لدرجة ان بعض الشعب الكوردي هناك قد تأثر بالتدخلات الخارجية دفعتهم الى انكار انتمائهم، واما تلك التدخلات لم تخترق الدرع القومي لدى شريحتنا.
الفيليون اليوم بين 328 مقعداً في البرلمان العراقي لم يكن لهم ممثل واحد، وهذا ليس انتصاراً لجهة دون أخرى بل هو غياب لشريحة حية كان بإمكانها ان تكون حلقة وصل بين بغداد واربيل.
وعندما تعرضت تلك الشريحة “للجينوسايد” لم تكن الطائفية لها وجود، وانما كان هناك صراع قومي بين المظلوم والظالم، واما اليوم مع ترؤس الكورد والشيعة للسلطة فإن قضية الشريحة قد تراجعت الى مستويات المطالبة بالحقوق الشخصية للمتضررين فقط، والتي اقرّ التوجهان بمظلوميتهم كونهم كورداً وشيعة، وتجاهلوا ابسط متطلبات بقائهم ووجودهم، وبعد يأس كبير من أبناء الشريحة لإهمال وتقصير التوجه القومي نمت رغبة في المشاركة والمجازفة الطائفية الجديدة في الساحة السياسية كبديل متاح.