شفق نيوز/ مع انتصاف العام 2020 حفلت الشهور الستة الأولى بأحداث كبرى في العراق والمنطقة والعالم، والتي لها تاثيراتها فيما بعدها. من تفشي فيروس كورونا في العالم الى اغتيال قاسم سليماني وابومهدي المهندس في العراق، وصولاً الى مقتل الاميركي من أصول افريقية جورج فلويد في اميركا وتفجر الاحتجاجات الشعبية في وجه الرئيس دونالد ترامب بشكل عنيف.
العديد من الاحداث العاصفة التي ألمت بالبشرية خلال الشهور الستة الاولى، والمفارقة الساخرة أن مؤشرات السنة الجديدة بدأت منذ شهرها الاول بأحداث خطيرة أشاعت أجواء من التشاؤم حول العالم ازاء ما ستحمله بقية شهور السنة الجديدة طالما انها استهلت في شهرها الأول باغتيالات وكوراث وازمات.
وتكمن أهمية رصد هذه الاحداث التي سجلت، أن لها تداعياتها الكبيرة سواء في الدول التي جرت فيها او في تأثيراتها على محيطها الجغرافي او حتى العالمي كما بالنسبة الى انتشار فيروس كورونا الذي عطل الحياة الاقتصادية في اغلب دول العالم، ويخشى ان يكون دفع بالاقتصاد العالمي الى مرحلة مشابهة للكساد العظيم الذي اصاب العالم قبل نحو 90 سنة.
اغتيال سليماني- المهندس
ولنبدأ من العراق الذي شهد أول وأخطر الاحداث التي أثارت مخاوف في البلد والمنطقة برمتها بإحتمال اندلاع حرب اقليمية – عالمية، بعدما اغتيال الاميركيون قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي في العراق ابو مهدي المهندس، بغارة جوية قرب مطار بغداد الدولي.
وجرى الإغتيال الاميركي في الثالث من يناير، بعد يومين على قرار المتظاهرين في محيط السفارة الاميركية فض اعتصامهم امامها الذي بدأ في اليوم الاخير من العام 2019 احتجاجاً على غارات اميركية استهدفت مواقع للحشد الشعبي في كل من العراق وسوريا واوقعت عشرات الضحايا. وفض الاعتصام بطلب من رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي. واُضطرت الولايات المتحدة الى الاستعانة بقوات اميركية خاصة جُلبت سريعاً من احدى قواعدها في الكويت، لتعزيز حماية السفارة في بغداد.
صحيح أن المتظاهرين انسحبوا واخلوا الخيام المنصوبة في محيط السفارة في الاول من كانون الثاني، الا ان اغتيال قاسمي والمهندس جاء بعدها بيومين، ونفذ الرئيس ترامب خطة الاغتيال بكل الاحوال قائلا إن الايرانيين مسؤولون عن مقتل واصابة اميركيين في قصف صاروخي استهدف قاعدة عسكرية اميركية.
تحول كبير في الاحداث جرى ايضا مع موافقة البرلمان العراقي في الخامس من يناير/كانون الثاني على قرار يطالب الحكومة بـ "إنهاء تواجد" القوات الأجنبية في العراق ويضمن عدم استخدامها لأراضيه ومجاله الجوي ومياهه لأي سبب، فيما دعا السيد مقتدى الصدر، وغيره من القيادات الشيعية الى طرد الاميركيين من الاراضي العراقية.
وتدهور الموقف اكثر في الثامن من يناير/كانون الثاني مع قرار ايران الرد على الإغتيال، بقصف قواعد اميركية بينها "عين الاسد" في العراق، تبين لاحقاً مع بيانات البنتاغون، انها بخلاف ما اعلنه ترامب، فانها تسببت في اصابة اكثر من 100 جندي اميركي ب"ارتجاجات في الدماغ".
وحبست كل المنطقة انفاسها، فقد بلغت نار التوتر مرحلة خطيرة مع تهديد الحرس الثوري الايراني بضرب اي قواعد عسكرية في المنطقة ينطلق منها الاميركيون لشن هجمات على ايران، بما في ذلك في دول الخليج او اسرائيل. وسرعان ما بدأت اجواء الاحتقان تخف، مع تداول قرارات صادرة من الاميركيين، بإعادة انتشار واخلاء قواعد عسكرية لهم في العراق، من دون الانسحاب الكامل.
تظاهرات دامية.. فحكومة جديدة
وبالتزامن مع هذه الاحداث الخطيرة، كان العراق يغلي في اماكن اخرى. اُضيف بُعد جديد على هذا الملف الساخن مع تحول بعض تظاهرات العراق الى تحركات احتجاج ضد النفوذين الاميركي والايراني معاً، ووقعت صدامات بين مجموعات من المتظاهرين وبين مسلحين يعتقد انها مرتبطة بفصائل شيعية واوقعت عشرات الضحايا في عدد من المدن والمحافظات.
لكن ظلت التظاهرات التي انطلقت بشعارات معيشية في اكتوبر الماضي، مستمرة في العام 2020، وحصل تطور لافت في الحركة الاحتجاجية في 21 كانون الثاني، بعدما قطع المتظاهرون الطريق الدولي الرابط بين بغداد وبين محافظة بابل، ووقعت صدامات عنيفة مع قوات الامن بعدما انتهت المهلة التي منحوها للطبقة السياسية لتشكيل حكومة مستقلة جديدة بعيدة عن نفوذ الاحزاب والطوائف.
وكانت القوى السياسية تقوم بالفعل بمحاولات لتشكيل حكومة جديدة منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عندما استقال عادل عبدالمهدي وظل يقوم بمهمات تصريف الاعمال. لكن محمد علاوي الذي اختاره الرئيس برهم صالح في فبراير/شباط اعتذر عن تشكيل الحكومة في الاول من اذار، في ظل فوضى وتضارب مصالح سياسية في بغداد، اطاحت ايضا بحظوظ المرشح الثاني عدنان الزرفي في اوائل نيسان.
وفتحت الابواب السياسية للحل العراقي بترشيح برهم صالح لرئيس المخابرات مصطفى الكاظمي في التاسع من نيسان لتشكيل الحكومة الجديدة التي نالت الثقة من البرلمان في 7 ايار، ما ينهي خمسة شهور من الفارغ السياسي في بغداد.
جائحة كوفيد-١٩
رسمياً، سُجل اول ظهور لكورونا في مدينة ووهان في الصين في اواخر العام 2019، لكن اول وفاة سجلت رسميا كانت في 11 كانون الثاني/يناير الماضي، لتعلن بكين حالة الطوارئ القصوى في 24 من الشهر نفسه، ثم تبدأ دول العالم في السير على طريقها.
اما منظمة الصحة العالمية فقد انتظرت حتى 30 يناير/كانون الثاني، لتعلن حالة طوارئ عالمية لمواجهة الخطر، ما عرضها لانتقادات كثيرة بانها تأخرت في المبادرة، لتهم الجائحة أرجاء الكوكب ويصيب 8 ملايين انسان، وقتل اكثر من 400 الف شخص حتى لحظة إعداد التقرير.
لكن العراق الذي كان يكافح على جبهات متعددة لا تقل خطورة. تسلل له الوباء في 24 شباط 2020، ليسجل رسمياً اول إصابة بفيروس كورونا وتحديداً في مدينة النجف، بينما سجلت اول اصابة في العاصمة بغداد في 27 شباط/فبراير. لينتشر بشكل متصاعد من جنوبه إلى أقصى إقليم كوردستان.
واختبر العراقيون تحدياً جديداً من نوعه للوقاية من هذا الوباء الفتاك، اذ اعلنت السلطات حظرا للتجوال في العديد من المحافظات والمدن في محاولة لإحتواء الوباء ومنعه من الانتشار، لكن الإصابات بلغت مع انتصاف شهر حزيران/يونيو، اكثر من 20 الف حالة، كما فرضت السلطات في إقليم كوردستان اجراءات مشددة للوقاية من الفيروس، من منع التنقل بين المدن إلى تعطيل الدوام وحظر التجوال.
داعش يطل برأسه قبيل حوار امريكي عراقي
وفي سياق لا يختلف كثيرا في خطره، علت في شهر شباط/فبراير الأصوات المحذرة من عودة دموية لتنظيم داعش الارهابي، وهو ما تبدى بوضوح في الاسابيع والشهور التي تلت، حيث ارتفع عدد العمليات الارهابية التي يشنها التنظيم بشكل لافت، مستفيدا على ما يبدو من الاماكن الرخوة الامنية ما بين كوردستان وبقية محافظات العراق.
وفيما كان عادل عبدالمهدي لا يزال يصرف الاعمال، وقبل يومين من تكليف الكاظمي تشكيل الحكومة، كان وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو يطلق دعوة في السابع من نيسان/ابريل، من اجل اجراء حوار استراتيجي بين واشنطن وبغداد في حزيران 2020، قائلا ان "جميع القضايا الاستراتيجية بين بلدينا ستكون على جدول الأعمال، بما في ذلك الوجود المستقبلي للقوات الاميركية".
الدعوة الى هذا الحوار ثم انعقاده في 10 حزيران 2020، من خلال "الفيديو كونفرس" حمل العديد من الجوانب المهمة، أولا بعدما دخلت العلاقات بين واشنطن وبغداد مرحلة اضطراب منذ اغتيال سليماني والمهندس، وثانيا بعدما انكشفت حصانة العراق اقتصاديا، بفعل تراكمات السياسات والممارسات السابقة، وبفعل الجمود الاقتصادي الذي تسبب به وباء كورونا في العراق والعالم.
انهيار تاريخي لأسعار النفط
هوى سعر برميل النفط الأمريكي إلى ما دون الصفر، للمرّة الأولى في التاريخ، بفعل تداعيات الاقفال العالمي الناتج عن فيروس كورونا.
لم يقتصر الأمر على ذلك. إذ دحرجت الحرب النفطية بين موسكو والرياض برميل النفط بين عشية وضحاها من فوق 50 دولاراً إلى 33 دولاراً.
وتبع ذلك انهيار مستمر بأسعار النفط لسلة اوبك، لامس عتبة الـ٢٠ دولاراً، هذا الأمر اثر بشكل مباشر على العراق حيث يعتمد الاقتصاد بالكامل على النفط والغاز، والميزانية تذهب بأكملها لدفع الرواتب، ولا توجد استثمارات كبيرة، سريعاً تجسد الإنهيار على الخزينة العراقية، لتتخذ بغداد قراراً بقطع رواتب موظفي إقليم كوردستان الذي يعاني اصلاً من مشاكل اقتصادية نتيجة خلاف قديم جديد على تصدير النفط.
تنفست بعض الشيء دول النفط الأوبكية على وجه الخصوص. بعد تفعيل اتفاق "أوبك+" التي خفضت بموجبها الإنتاج بـ10 ملايين برميل يومياً في مايو/أيار، لتقفز الأسعار وتلامس الثلاثين دولاراً، لكن هذا التعافي ليس كافياً للعراق الذي يُسعر برميل النفط في ميزانيته السنوية ما بين 40-50 دولاراً، وبات اليوم يعاني بشكل حرج من توفير رواتب موظفيه.
ماذا حدث لبقية العالم؟
-ليس ببعيد عن ضوضاء فوضى 2020، فقد كان نصف هذه السنة خانقاً على إيران، التي عُدت بؤرة تفشي الجائحة في الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك الأزمة الإقتصادية وانهيار عملتها المحلية نتيجة عقوبات فرضتها إدارة ترامب، وانقطاع سبل الحوار المعلنة بين طهران وواشنطن.
-حدث آخر يمكن رصده في إطار سجل العام 2020 حتى الان، الا وهو اعلان وفاة السلطان قابوس بن سعيد في العاشر من يناير/كانون الثاني، وهو الذي كان يحكم سلطنة عمان منذ العام 1970، وأحد اقدم الزعماء في المنطقة والعالم، وخلفه السلطان هيثم بن طارق بن تيمور. وقاد السلطان قابوس عمان بين عواصف المنطقة وعرف بمواقفه المثيرة للجدل وبدبلوماسية بلاده السرية التي فتحت قنوات متنوعة مع اميركا وايران والعراق واسرائيل.
-"صفقة القرن" التي ظل ترامب يتحدث عنها منذ العام 2019 لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، اعلن تفاصيلها في 28 كانون الثاني/يناير الماضي، متجاهلا الغضب الفلسطيني من بنودها خصوصا انه تضفي شرعية على الاحتلال اسرائيل للقدس وبعض مناطق الصفة الغربية، وتغلق ابواب العودة المحتملة للاجئين الفلسطينيين من الشتات والمنفى.
-حدث تاريخي اخر سجل في الشهور الستة الاولى من العام 2020، يتمثل في بدء سريان اتفاقية "البريكست" التي تنظم خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وذلك في 31 يناير/كانون الثاني، وهو تطور خلف تداعيات فورية على مكانة وقوة الاتحاد الاوروبي، وعلاقات المملكة المتحدة مع محيطها الاوروبي.
-وعلى الصعيد اللبناني، جاء تكليف حسان دياب لتشكيل الحكومة اللبناني بعد استقالة سعد الحريري قبلها بأكثر من ثلاثة شهور، لتضع لبنان في مرحلة جديدة، وقد نالت موافقة البرلمان في 11 شباط الماضي وذلك على وقع انهيار اقتصادي لم يعهده لبنان حتى في ايام الحرب الاهلية، وتظاهرات في الشوارع منذ 17 تشرين اول/اكتوبر الماضي. وأثار نجاح دياب في تشكيل حكومته آمالا باحتمال بدء أفول الطبقة السياسية التي احكمت قبضتها على البلاد منذ ما بعد نهاية الحرب الاهلية قبل 30 سنة، او ما عرف ب"المرحلة الحريرية" نسبة الى رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري وابنه سعد الحريري وفريقهما السياسي – الاقتصادي. لكن استمرار انهيار قيمة الليرة، والتباطوء في معالجة قضايا الفساد، أججا مشاعر الاستياء الشعبية واعادا المتظاهرين بزخم غاضب الى الشوارع في أكثر من منطقة.
-في سياق مواز، شهدت سوريا تغييرا في رئاسة الحكومة حيث اعفي عماد خميس من منصبه، وكلف وزير المياه حسين عرنوس رئاسة الحكومة بدلا عنه. وجاء هذا التعديل الحكومي في 11 حزيران/يونيو، بعدما تفاقمت الاوضاع الاقتصادية في البلاد بفعل سنوات الحرب التسعة وشح الموارد والعقوبات الاميركية والغربية.
والتي كان آخرها ما يعرف ب "قانون قيصر" الذي يشدد العقوبات على الاقتصاد السوري، ويضع عراقيل قاسية امام تعاملات سوريا الخارجية، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على المصالح التجارية المتبادلة بين دمشق وبغداد.
وخلال الاسابيع الماضية، انهارت الليرة السورية الى مستويات قياسية مقابل الدولار حيث لامس سعره الثلاثة الاف ليرة، بعدما كان بحدود ال900 ليرة في نهاية العام 2019، بعد ان كان الدولار يعادل نحو 46 ليرة سورية فقط قبل بداية الحرب.
-واذا كانت احداث 2020 لم تقنعك حتى الان بخطورتها وأهميتها، فقد جاء مقتل المواطن الاميركي من اصول افريقية جورج فلويد في 25 ايار/مايو، ليتوج القضايا المتفجرة على مستوى العالم. جريمة ارتكبها شرطي، سرعات ما تحولت الى كرة نار لامست جدران البيت الابيض، وهزت ثقة الرئيس ترامب بنفسه وبادارته، وذلك عشية الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، فيما تظاهرات الغضب والشغب عمت اكثر من 50 مدينة اميركية.