شفق نيوز/ شكل انهيار ”خلافة داعش“ المزعومة، ومقتل أبو بكر البغدادي، أهمية رمزية، إذ أدى ذلك إلى نهاية جهد استمر 5 سنوات لهزيمة داعش، والذي شاركت فيه أكثر من 70 دولة.
ويأتي ذلك وسط انسحاب القوات الأمريكية من أجزاء من سوريا، مع بقاء بعض قواتها في مناطق أخرى من شرق سوريا وتحديدًا في محافظتي دير الزور والحسكة، لمطاردة خلايا داعش النائمة.
إلا أن الهزيمة البطيئة لتنظيم داعش، تركت فراغًا في العراق وسوريا، إذ وقعت المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، في أيدي قوات مرتبطة بإيران، وتركيا، والولايات المتحدة، وروسيا.
ووفقًا لمقال نشرته مجلة ”فورين بوليسي“ الأمريكية، للكاتب سيث فرانتزمان، بدأت صراعات جديدة تظهر، بما في ذلك الاحتجاجات في العراق وغزو تركيا لسوريا، فضلًا عن الصراع المحتمل بين إسرائيل والوكلاء الإيرانيين، مثل حزب الله، وهذه أنباء سيئة للأشخاص العاديين الذين يسعون إلى التعافي من فترة حكم داعش الوحشية.
تحدي السلام
ويبدو أن العراق وسوريا كسبا الحرب، ولكنهما خسرا السلام، فقد كان تنظيم داعش يحتل منطقة تعادل مساحة بريطانيا، وأدت الحرب ضده إلى نزوح ملايين الناس واختفاء الآلاف.
فعلى سبيل المثال، لا يزال هناك 3 آلاف ايزيدي مفقودين بعد أن استهدف تنظيم داعش هذه الأقلية في العراق العام 2014، وهناك المئات من المقابر الجماعية المنتشرة في جميع أنحاء العراق وسوريا، وحتى الآن لا تزال فرق الطب الشرعي في بداية عملية تحديد هوية أصحاب الرفات.
وأشار فرانتزمان إلى أن قرار الولايات المتحدة المفاجئ بمغادرة أجزاء من شمال سوريا التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة من قبضة داعش، مهد الطريق لغزو تركي أجبر نحو 200 ألف شخص على ترك منازلهم، ولا يزال الوضع يتدهور.
وقال “خلال رحلتي الأخيرة إلى شمال العراق في سبتمبر، التقيت لاجئين ايزيديين لا يزالون يعيشون في خيام بالقرب من مدينة دهوك، وقالوا إنهم لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، لأن المناطق في قراهم المحيطة بجبل سنجار مليئة بنقاط تفتيش مسلحة، وبعض هذه النقاط تديرها وحدات التعبئة الشعبية، وهي مجموعة من الميليشيات الشيعية التي أصبحت الآن الذراع الرسمية لقوات الأمن العراقية، والتي اُتهمت بقتل المحتجين في أجزاء أخرى من العراق في أكتوبر“.
الهجوم التركي
ونفذت تركيا غارات جوية في سنجار، زاعمة أن حزب العمال الكوردستاني الذي تعتبره تنظيمًا إرهابيًا، موجود هناك.
وفي شمال العراق، لا يزال تنظيم داعش موجودًا بأشكال مختلفة، حيث يتسلل من وإلى القرى الواقعة جنوب الموصل، ويستغل انعدام التنسيق بين حكومة إقليم كوردستان المتمتعة بالحكم الذاتي والقوات الاتحادية العراقية، ويخلق هذا التداخل بين القوات العسكرية شعورًا بعدم الأمان، على عكس الاعتقاد السائد في النظام العراقي، الذي يظن أنه استعاد الأمن بعد هزيمة تنظيم داعش عسكريًا.
وأشار الكاتب إلى أن الشعور الذي ينتاب المرء عند التحدث إلى ضحايا الحرب على أيدي تنظيم داعش، هو أنه من الرقة في سوريا إلى الموصل في العراق، لا يزال هناك جرح خطير قد لا يمكن شفاؤه بسهولة، فتقدم القوى المختلفة، مثل المقاتلين السوريين المدعومين من تركيا بالقرب من تل أبيض في سوريا، وتغيير مواقع قوات الولايات المتحدة لتأمين حقول النفط بالقرب من دير الزور، يهملان المجتمعات المحلية، ويظهران التنافس على الأرض والسلطة والموارد.
وأكد على ضرورة النظر إلى فترة ما بعد البغدادي على أنها سلسلة من الأحداث والصراعات المترابطة التي نشأت بعد النكسات التي واجهها تنظيم داعش في العام 2017.
وتشمل هذه القائمة استفتاء حكومة إقليم كوردستان في سبتمبر/ أيلول 2017؛ ومحاولة الهجوم على حقول النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية من قبل المرتزقة الروس المدعومين من النظام السوري في فبراير/ شباط 2018، وتهديدات تركيا بغزو شرق سوريا وهجومها النهائي على قوات سوريا الديمقراطية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وسلسلة هجمات قذائف الهاون والصواريخ بالقرب من المنشآت الأمريكية في العراق، والتي يُزعم أنها نُفذت من قِبل عناصر موالية لإيران، والغارات الجوية المنسوبة لإسرائيل التي نُفذت في سوريا والعراق ضد المنشآت المرتبطة بإيران.
منع عودة داعش
ظاهريًا، يبدو أن النزاعات في سوريا والعراق قد انتهت في الفترة ما بين 2017 و2019، حيث التقى ممثلون عن روسيا وتركيا وإيران عدة مرات كجزء من عملية أستانا، واتفقوا على دوائر النفوذ في سوريا والعراق، والتي تهدف لمنع عودة تنظيم داعش، ولكن القوى التي ظهرت خلال الحرب في العراق وسوريا عادت الآن لتطارد الجميع تقريبًا.
ويوجد في قوات الحشد الشعبي العراقية مجموعات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وشنت قوات الحشد التي تم تشكيلها لمحاربة تنظيم داعش بعد فتوى المرجع الشيعي في العراق علي السيستاني في العام 2014، حملة قمعية ضد المتظاهرين خلال الفترة الأخيرة، والآن يريد قادتها السياسيون إنهاء الوجود الأمريكي في العراق. بحسب التقرير.
وجمعت تركيا فصائل معارضة لتشكيل الجيش الوطني السوري الذي تستخدمه الآن لمحاربة القوات الكوردية، ويذكر أن الجيش الوطني قد اُتهم بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في المناطق التي ساعدت تركيا في السيطرة عليها.
حرب محتدمة
وأشار فرانتزمان إلى أن هناك حربًا محتدمة من أجل النفوذ في سماء العراق وسوريا، حيث يبدو أن إيران وإسرائيل ينظران إلى سوريا كممر إستراتيجي، فمن وجهة نظر إسرائيل، سيترجم دور إيران المتنامي في سوريا إلى تزويد طهران لحزب الله بصواريخ دقيقة تهدد إسرائيل على خط المواجهة الممتد على طول مرتفعات الجولان.
وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية قواعد إيرانية مزعومة على طول هذا الطريق، وتقول وزارة الدفاع الأمريكية، إن هناك آلافًا عدة من قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ومن جانبها تقول إسرائيل إنها قصفت عشرات الأهداف المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في سوريا في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني خلال الغارات الجوية التي شنتها ردًا على إطلاق الصواريخ من سوريا.
وذكر الكاتب أن أفضل طريقة للنظر إلى المشهد المعقد لفترة ما بعد البغدادي، هي باعتبارها سلسلة من دوائر نفوذ القوى الإقليمية والعالمية، والتي تعمل من خلال الوحدات شبه العسكرية المحلية.
وعلى سبيل المثال، تريد تركيا السيطرة على شمال سوريا بالكامل سواء مباشرة أو باستخدام قوات تابعة لها، وهي تدير الآن مناطق حول عفرين، وإدلب، وجرابلس، وتل أبيض.
وهذا توسع غير مسبوق لنفوذ أنقرة لم يسبق له مثيل منذ الإمبراطورية العثمانية، كما أسفر اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا عن دوريات مشتركة بين البلدين، وتوقف العمليات التركية.
ورسخت روسيا جذورها في مدينة اللاذقية الساحلية، وأرسلت شرطتها العسكرية إلى مناطق شرق سوريا، ساعية إلى استبدال القوات الأمريكية في المناطق التي انسحبت منها بالاتفاق مع تركيا.
وتفاوض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان على هذه الصفقة في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، والتي يتوقع أن ترسم حدود الصراع بين الوكلاء المدعومين من تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية، وقوات النظام السوري، ولا يبدو أن هذه الصفقة تعتبر حلاً سلميًا فعالاً، بل تشبه هذه الصفقة أكثر ما يحدث في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، حيث تشتبك القوات الموالية لروسيا مع الجيش الأوكراني يوميًا.
ولدى موسكو خبرة في إدارة هذا النوع من النزاعات في منطقة القوقاز وأجزاء أخرى من الاتحاد السوفييتي السابق، بما في ذلك: أبخازيا، وأوسيتيا، الجنوبية، وترانسنيستريا.
ميليشيات إيران
وتعمل إيران من خلال الجماعات شبه العسكرية الشيعية، مثل حزب الله، وقوات الحشد الشعبي، حتى أصبح لديها نفوذ لا مثيل له في العراق وسوريا اليوم.
وتحد الولايات المتحدة من نفوذها عمدًا بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، ولكن لا يزال لديها دور رئيس في المنطقة، خاصة مع وجود 1000 جندي وموظف أمريكي في سوريا، وحوالي 5 آلاف آخرين في العراق، ويتعاون الجيش الأمريكي بشكل وثيق مع البيشمركة في شمال العراق، ومعظم هذه الجهود نتيجة للحرب ضد تنظيم داعش.
نزوح المدنيين
وبالنسبة للمدنيين في المناطق الشاسعة المحررة من تنظيم داعش، يبدو المستقبل غامضًا، وتقول الحكومة الأمريكية إن التحالف ساعد في تحرير 7.7 مليون شخص.
وفي العراق، لا يزال هناك 1.6 مليون نازح داخلي وما يقرب من 230 ألف لاجئ سوري، وفرَّ 12 ألف سوري إضافي في أكتوبر/ تشرين الأول إلى العراق بعد الهجوم التركي، وذلك وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وفي المناطق السورية المستردة من تنظيم داعش، هناك أشخاص مُهجرون داخليًا يأملون في العودة إلى مناطق مثل الرقة، وتقترح تركيا إعادة توطين أكثر من مليون لاجئ من أجزاء أخرى من سوريا في المناطق التي احتلتها.
وذكر الكاتب أنه على الرغم من ادعاء تركيا أنها تريد إعادة توطين الناس، إلا أن هجومها تسبب بفرار حوالي 200 ألف شخص، واضطُرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى التدخل لتوزيع الأغطية على 52 ألفًا منهم.
وعلى الرغم من الحاجة الواضحة لبذل جهد كبير لمساعدة المدنيين، يقول البيت الأبيض إنه يركز على تأمين حقول النفط الآن، وإنه أنهى الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى تحقيق الاستقرار شرق سوريا، ويرى الكاتب أنه ليس لدى فسيفساء الأقليات والجماعات القبلية، الذين استهدفتهم الجماعات المتشددة، فرصة تُذكر لإعادة بناء حياتهم الآن في سوريا والعراق.
مصير عائلات داعش
وعلاوة على ذلك، فإن الآلاف من الأجانب وعائلاتهم الذين انضموا إلى تنظيم داعش محتجزون الآن شرق سوريا، وفي حالة من الجمود، بينما ترفض بلدانهم إعادة توطينهم، وعلى الرغم من إعادة بعض الأيتام البريطانيين مؤخرًا إلى المملكة المتحدة، إلا أن معظم الدول ترفض استرداد مواطنيها أو أبنائهم.
وقال سيث إن العملية الناجحة ضد البغدادي ترمز إلى فشل التكتيكات قصيرة الأجل، مثل قتل الإرهابيين، وتوفير الحلول طويلة الأجل لعدم الاستقرار والتطرف الذي أدى إلى ظهور تنظيم داعش، فلا تريد الحكومة الأمريكية معالجة هذه القضايا في العراق أو سوريا.
ورأى أن كل من شارك في الحرب ضد تنظيم داعش يرغب الآن في الحصول على حصة من الغنائم.