2017-03-31 06:26:00

شفق نيوز/ صالة انيقة رحبة في طابق علوي يطل على نهر الفرات غدت اليوم مكانا مثاليا لزوار مقهى (مزاج) الذي يشكل بأثاثه الجميلة وبابتكاراته الملفتة واركانه المنظمة مثل ركن الكتاب ومنصة عقد القران وصالة المناسبات العائلية فضاء اجتماعيا وثقافيا يزداد رواده يوما بعد آخر.
ما ان تدخل صالة المقهى العائلي الذي يستقبل المتزوجين وغير المتزوجين من كلا الجنسين، تشعر بأناقة ملحوظة وسكينة تعم المكان، فثمة موسيقى هادئة تشيع في ارجائه نوعا من الحميمية بصحبة اقداح القهوة والشاي العراقي والاراكيل بروائحها النفاذة، حديث الزبائن اقرب للهمس وخطوات عاملات المقهى لاتصدر الضجيج.
تقول صابرين (25 عاما) وهي موظفة في صحة ذي قار "لم اجد من المقنع ان يكون عالم الاعمال حكرا على الرجال، وان تكون المقاهي بوصفها اماكن للراحة والاسترخاء ممنوعة على النساء، مما جعلني اتساءل اذا اردت تقديم خدمة ملموسة لنساء مدينتي، كيف يمكن لي الجمع بين مشروع يلبي حاجة اجتماعية وثقافية ويكون مربحا بحدود معقولة في الوقت ذاته. من هنا ولدت فكرة مشروع مقهى مزاج".
وتضيف حول مشروعها "ترددت في بداية الامر بسبب ظروف المدينة غير المشجعة، لكني سرعان ما تلمست تفهما ودعما من عائلتي، خاصة من والدي الذي شجعني كثيرا على عكس والدتي التي بقيت متحفظة، فضلا عن دعم الاصدقاء، وانا أتفهم تماما تحفظ البعض على هذا المشروع لان المدينة لم تشهد طوال تاريخها خطوة مماثلة".
صابرين التي وجدت في شريكها الطموح احمد الخطيب العون والدعم المطلوب تفكر اليوم جديا بتطوير مشروع المقهى ليكون اقرب الى النادي الاجتماعي الذي يوفر عضوية للراغبين بالاستفادة من خدماته الاخرى، فهي تسعي حاليا لافتتاح صالة عرض سينمائي تلحق بصالة المقهى الرئيسية وتقدم افلاما عالمية تناسب ذوق العائلة وبواقع عرضين في الشهر مقابل اجر رمزي، كما تستخدم قاعة المقهى في عقد الندوات او ورش العمل التي تقيمها منظمات المجتمع المدني.
المقهى يحتوي على مكتبة تضم مجموعة من الكتب الادبية والفكرية المتاحة لرواده بشكل مجاني وتجري فيه بادرة ثقافية سميت"نادي القراءة" إذ يختار احد الزبائن كتابا معينا لقراءته ثم مناقشة محتواه من قبل المجموعة بعد مرور نحو اسبوعين.
يقول احمد الخطيب "أعجبتني فكرة ان يمضي رواد المقهى وقتا ممتعا ونافعا في الوقت نفسه، فتبرعت بمكتبتي الشخصية للمقهى،  فضلا عن تبرع بعض الاصدقاء بمجموعة من الكتب".
اعضاء نادي الكتاب اختاروا في جولتهم الاولى رواية (عزازيل) للكاتب يوسف زيدان وتمت مناقشتها ثم جرى اختيار (ملحمة كلكامش) بعدها، وهناك مقترحات قراءة اخرى من بينها مناقشة اعمال البعض من ادباء ذي قار".
ويوفر المقهى حجوزات مسبقة لزبائنه ومعظمهم من النساء في مناسبات الزواج والخطوبة واعياد الميلاد، بالإضافة الى الاحتفال بأعياد رأس السنة وعيد الحب. واقام المقهى حفلا خاصا بعيد الحب في شهر شباط الماضي حضرته عشرات العائلات الى الدرجة التي اعتذرت فيها ادارة المقهى عن استقبال ضيوف آخرين.
وشاركت صاحبة المقهى التي لها رصيد من الاعمال المسرحية في فرقة مسرح المقهورين، بالأداء التمثيلي في عرض مسرحي عنوانه "فالنتاين" جرى عرضه في المقهى بمناسبة عيد الحب.
تؤكد صابرين ان نحو 80 في المئة من النساء اللواتي يزرن المقهى يستمتعن بشرب الاركيلة مع الشاي، في حين يفضل الرجال شرب القهوة بأنواعها وتدخين السجائر وهناك جدار الامنيات الذي جاءت فكرته عشية الاحتفال براس السنة الحالية إذ يكتب الزبون أمنية شخصية ويعلقها على الجدار ثم يتم رفعها بعد تحققها.
وبحسب القائمين على ادارته فان اغلب رواد المقهى هم من الموظفين بشكل عام ومن مختلف الاعمار مع الاقبال الملحوظ للشباب من كلا الجنسين فضلا عن كبار السن الذين يأتون لقضاء وقت هادئ بعيدا عن اجواء المنزل وروتين الحياة اليومية.
حيدر العبودي موظف في عقده الرابع يحضر للمقهى برفقة زوجته الموظفة ايضا نهاية كل اسبوع بعد ان يطمئن على بقاء ابنائه عند اقربائه. ويقول "في نهاية كل اسبوع تقريبا اعتدنا على الذهاب الى مكان ترفيهي، لكننا وجدنا ضالتنا في مقهى مزاج ليس فقط بسبب ندرة الاماكن المماثلة وانما بسبب هدوء المكان والخصوصية التي ينعم بها رواده وانعدام الازعاج تماما".
ولا يمانع العبودي في ان تحظى زوجته بوقت هادئ في زيارتها للمقهى برفقة صديقاتها في العمل في حال انشغاله. في حين تقول الزوجة: انها مسرورة لوجود اماكن خاصة بالعائلة في الناصرية التي تفتقد الى المرافق الترفيهية المناسبة".
علي الياسري رجل آخر يرتاد مقهى مزاج يقول "أخبرتني زوجتي عن المكان بعدما عرفته من خلال صفحتها على الفيسبوك واعتدنا على زيارته مرات عدة لاننا نشعر فيه بنوع من الحرية والاطمئنان".
ويشير الى ان بعض المتقولين المتطرفين على هذه المبادرة في مواقع التواصل لا يريدون للمرأة ان تكون حاضرة في المجال الاجتماعي العام، او ان يكون دورها مساويا للرجل.
ورغم مراعاة المقهى لخصوصية رواده الا انه يسعى لتلافي اية تجاوزات يمكن ان تحدث، سواء من خلال تصميم القاعة المفتوحة او باعتماده نظام كاميرات مراقبة ولم يسجل المقهى الذي تقع مسؤولية حمايته على قوى الامن السياحي اية حوادث.
وتؤكد صابرين الى ان مدينة الناصرية ضحية لظروف قسرية فرضت لونا متشددا لم يكن معهودا فيها قبل سنوات. حيث كانت النساء ترتاد دور السينما وقاعات المسرح برفقة عائلاتهن.
وتقول الناشطة المدنية ومسؤولة مركز تمكين للمشاركة والمساواة  علياء عبد الكاظم ان "خطوة المقهى هي خطوة ايجابية تعزز روح الثقة لدى المرأة وتفتح افقا للتواصل الاجتماعي بين الافراد. لذا على المنظمات المدنية دعم هذه المشاريع الصغيرة مثلما على الاطراف المتنفذة بالمحافظة تفهم الروح الايجابية في هذه المبادرات التي تسعى لإعادة الحياة في الواقع العراقي".
اما الباحث الاجتماعي عبد الرزاق علي يرى ان واقع التهميش والغبن والتمييز بحق المرأة التي لها النصيب الاوفر في هذه التداعيات يمكن ان يواجه بمصدات تمثل مبادرات فردية يمكن ان تتطور الى ظاهرة مدنية اوسع.
ويقول "في عراق متعثر يرفع شعارات حقوق الانسان والديمقراطية والحريات فإن هذه المبادرات ستكون لها ثمار مهمة على الصعيد الراهن والمستقبلي في حال اتجه القائمون عليها  الى تحويلها الى اكثر من مجرد مقهى فيمكن ان تكون ملتقى ثقافي ينظم الفعاليات الثقافية والفنية بما لها من فوائد لدعم الحياة المدنية في واحدة من اعرق مدن العراق في انتاج النخب والشخصيات الثقافية والفكرية.
niqash