شفق نيوز/ في حقيبة جلدية سوداء كانت كاميرا المصور العراقي الشاب "فريد بارام" تختفي من مكانٍ لآخر في دهاليز منزله بعيدا عن أعين تنظيم "داعش" الإرهابي.
ومنذ صيف 2014 وعقب سيطرة "داعش" على مدينة الموصل، لم تكن للشاب "بارام" (21 عاما) مهمة سوى إخفاء آلته التي قد تكون سببا في إنهاء حياته كما حدث مع العديد من الصحفيين الذين قتلوا في المدينة على يد التنظيم.
اليوم ينفض "بارام" الغبار عن كاميرته التي كان يواريها بحزن عن الأنظار، ليلتقط صور "الحياة" من وسط أنقاض دمار وخراب ما عاشته الموصل في السنوات الماضية.
والآن تخرج الكاميرا من الحقيبة السوداء لكي تنقل صورة "الفرح" والصورة "المشرقة" عن الموصل للعالم كما يقول "بارام" للأناضول.
ويضيف: "عاهدت نفسي عندما تشرق شمس الحرية على وجه الموصل، أن أنقل صورتها الجديدة".
يروي المصور الشاب كيف كان منشغلا بنقل حقيبته الجلدية التي تحوي كاميرته من مكان لآخر داخل بيته عندما كانت القوات العراقية تتقدم شيئا فشيئا في أحياء الجانب الشرقي للموصل وسط معارك عنيفة وقصف جوي ومدفعي.
وتابع: " كنتُ أخشى عليها خشيتي على حياتي".
يصور الشاب ضحكات الأطفال، فرحتهم وهم يلهون على الأراجيح، ابتسامة عفوية لأحد المارة.
ويضيف: "هدفي هو إيصال الوجه الآخر للموصل، وجه الحياة والأمان والحرية والسعادة، وليس وجه الدمار والخراب والجثث في الشوارع والسيارات المحترقة التي تبث الكآبة والحزن في قلوب الناس".
ويؤكد أن مدينة الموصل بحاجة إلى مثل هكذا صور مستدركا بالقول : "كي نعطي الأمل للناس بالعودة لمدنهم بعد الحرب وإعادة الحياة إليها من جديد".
وينشر "بارام" الصور التي يلتقطها عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي قال إنها تبعث الأمل وتبث الحياة السعيدة.
وتابع "ربما من يرى صور الدمار والجثث و الخراب في الموصل لن يفكر بالعودة، لكنه إن رأى هذه من المرجح أنه قد يعود للمدينة بأقرب فرصة".
وتبث عودة الحياة بشكل تدريجي للمدينة بعد سنوات من الظلمة والحرب الدموية العنيفة، "الأمل" في قلب المصور الشاب.
يضع فريد بارام كاميرته جانبا، وينظر الى حركة السيارات وهو يواصل الحديث عن أمنيته برؤية الناس بخير، وأن "ادعش" انتهى.
ويثق من خلال جولاته بإعادة الموصل إلى ما كانت عليه بفضل سكانها القادرين على إرجاع المدينة الى أفضل مما كانت عليه، كما يقول.
ويتابع : " عندما أرى جامعة الموصل والكتب والعلم الذي دُمَّر دائما أتذكر هولاكو عندما اجتاح العراق وأتلف جميع الكتب، لكن العراق نهض من جديد وأفضل مما كان عليه، والآن (داعش) قام بحرق الكتب في جامعة الموصل ودمر الحضارة وبإمكان الموصل أن تعود أفضل مما كانت بفضل أبنائها".
ويقتصر عمله على تصوير التفاصيل اليومية البسيطة للناس في المدينة وأنه لا صلة له بالسياسة كما يقول.
وتابع: "ليس شرطا أن يكون الاعلام عبر الفضائيات والتلفاز، بل هناك مواقع تواصل اجتماعي فيها ملايين المشاهدات نستطيع من خلاها نشر إنتاج الكاميرات وما توثقه من أحداث".
بارام بدأ عمله في مجال التصوير بالتقاط صور الموديلات، لكنه شعر أنه يختزن طاقات تصويرية أكبر من ذلك، وفق قوله فانطلق في ساحات وشوارع الموصل ليرى الناس المدينة من خلال عين كاميرته.
ويؤكد أن صوره تلقفتها الصحف العراقية وصفحات التواصل الاجتماعي.
ولا يزال الشاب يبحث عن فرصته التي قال إنها ستأتي في يوم ما، مؤكدا أنه يحلم بمعرض على مستوى العراق وعلى مستوى دولي كي يرى الناس وجه مدينته الجميل، وألا تختزن ذاكرتهم صور الخراب والدمار.
ويثق المصور بأن القادم أجمل لمدينته مضيفا : " ستنهض الموصل من بين الخراب وتطل بوجهها الربيعي الرائع ذات يوم، لأنهم يسمونها (أم الربيعين)، وهذا الاسم لم يأت عبثا".