شفق نيوز/ بعد شهر على الاعتداء الذي خلف العدد الأكبر من القتلى في بغداد، منذ سقوط نظام صدام حسين، ما زالت صور الرعب ماثلة أمام الناجين الذين يجهدون في إعادة تأهيل ممتلكاتهم واستئناف حياتهم الطبيعية. وتلقى هؤلاء رسائل تضامن من مدينة نيس الفرنسية ومدن أخرى في العالم تعرضت لاعتداءات في الأشهر الأخيرة، دعت إلى الوقوف مع العراقيين. وأقيمت مراسم لتذكر الضحايا في ساحة التحرير، وسط بغداد، نظمتها مجموعة «أفاز»، وعلقت ملصقات ووزعت بطاقات تحمل رسائل من دول مختلفة. وجاء في رسالة وقعتها سيدة فرنسية اسمها مانون من نيس "قلبي وأفكاري مع جميع الضحايا، لن ننساكم أبداً". وتغطي آثار الحريق واجهات وزوايا المباني القريبة من متجر سامي عزيز القريب من موقع التفجير في منطقة الكرادة حيث قتل 323 شخصاً، عدد كبير منهم احتراقاً وهم أحياء، بينما ما زالت رائحة الحريق منتشرة بقوة في المكان. ولا تفارق مشاهد الرعب عزيز الذي وصف ذلك اليوم بأنه يشبه "يوم القيامة". وهو يقوم بإصلاح محله، وكذلك يفعل آخرون على مقربة منه. في الثالث من تموز (يوليو) الماضي فجر انتحاري حافلة صغيرة مفخخة في منطقة كرادة، ما تسبب بسقوط مئات الضحايا المدنيين بين قتلى وجرحى. وتعذر التعرف إلى جثث عدد كبير منهم بسبب الحروق التي أصيبوا بها. وتعد كرادة من أبرز المناطق التجارية في العاصمة، وتشهد توافد أعداد كبيرة من أهالي بغداد والوافدين إليها للتبضع من محلاتها التجارية المتنوعة والممتدة على طول شارعها الرئيسي. وانتشرت في المنطقة التي كانت يوماً تعج بالحياة، عشرات اللافتات السوداء المعلقة في كل اتجاه حاملة أسماء وصور الضحايا. ومعظمهم من القتلى أو الجرحى الذين سقطوا بالعشرات، أقرباء أو أصدقاء. ويقول عزيز (40 سنة)، وهو صاحب محل لبيع الملابس "اختبأ عدد كبير من الجرحى هنا، وانتشرت دماء داخل المحل، نحن ننظف المكان الآن". ويتابع "احتراق العوائل أمام عيني لا يمكن أن يمحى من الذاكرة نهائياً". ويشير إلى طفله الذي اختبأ معه في المحل في ذلك اليوم، قائلاً "كان معي في المحل (...) إنه مصاب بذهول. في الحقيقة، نعيش كوابيس حالياً". ويضيف "حركتي مقيدة في البيت، لم أخرج منذ شهر". ويتابع بإحباط واضح "مستقبلي مجهول. ليست لدي أي حماية (...). أخاف أن أخرج من المنزل ولا أعود إليه". ووقع التفجير الانتحاري الذي تبناه "داعش" حوالى الواحدة بعد منتصف الليل تزامناً مع أحد أيام عطلة عيد الفطر. ويقول عزيز وهو يتفقد محله "الحياة كانت (...) سعيدة، الأمور كانت تسير في شكل طبيعي". وأدى اشتعال النيران التي خرجت بين المباني القريبة وصرخ أحدهم لاستدعاء رجال الإطفاء، وسط أنقاض انتشرت على الطريق، وحاول تصوير ما يحدث في كاميرا هاتفه النقال ولكن الدخان تصاعد وغطى الشارع بالكامل. ويصف الحادثة بأنها "كانت مرعبة (...) أكثر من مرعبة، كنا في الحقيقة في يوم القيامة". وأدى التفجير وما أعقبه إلى دمار وأضرار في الممتلكات بقيمة ملايين الدولارات، وإلى قطع موارد عيش عائلات بكاملها تعيش حداداً على أحباء. ويروي عزيز "أمس جاءتني امرأة قتل زوجها واحترق محله وضاع ما لديهم من مال، ولم يبق غيرها وطفلها، وقالت لي إنها لا تملك ثمن حليب" لطفلها. وأشار وهو يواصل عمله، إلى أن تكاليف الإصلاح تقدر بما بين خمسين إلى ستين ألف دولار، إضافة إلى خسارته بضاعة تقدر قيمتها بحوالى 100 ألف دولار. واستطاع علي محمد (28 سنة) الذي يملك محلاً للملابس في الجهة المقابلة من الشارع الهرب ليلة التفجير عبر منفذ خلفي قبل أن تلتهم النيران المبنى. ويتذكر ذلك قائلاً "هربت بالملابس التي ارتديها، وعندما وصلت إلى الشارع كانت النيران اشتعلت في كل المبنى". ويضيف "سمعنا انفجارات من قبل، لكننا لم نشاهد نيراناً كهذه (...) يمكن أن يحترق كل شيء في خمس ثوان". ويشير إلى أنه فقد نحو 150 من أصدقائه جراء الانفجار والحريق الذي حدث في المكان. ويقول بحسرة "أصدقائي أعزاء، التقيهم بالعادة أكثر من عائلتي، أمضي معهم حوالى 14 ساعة خلال ساعات العمل كل يوم". وبقي لمحمد الذي كانت عائلته تملك محال تجارية عدة في الشارع ذاته وخسرت أكثر من نصف مليون دولار جراء التفجير، محل واحد يعيد فتحه. ويبادر متطوعون لمساعدته في إزالة الدمار وإصلاح المحل. ويشير هو إلى أن السلطات الحكومية لم تبادر إلى مساعدة المتضررين. وعلى رغم إعادته طلاء جدران المحل، ما زالت آثار الحريق واضحة تحت الطلاء. ويصف وضعه بأنه "صعب، صعب جداً، لكن يجب أن نعود إلى الحياة (...). لا نستطيع الرحيل عن البلد ولا يمكن البقاء من دون عمل". أما عزيز فأكثر تشاؤماً "لا أعتقد بأن الحياة ستعود كما كانت من قبل (...) هل سيعود الزبائن أنفسهم؟ طبعاً لا".
ا ف ب