شفق نيوز/ حظيت مدينتا أُور يهودا ورمات غان بلقبين يرسمان ابتسامة على شفاه جميع الإسرائيليين، بصفتهما المعقلين الرئيسيين ليهود الشتات العراقي. فمدينة رمات غان تُسمّى “رمات بغداد” لكون معظم سكانها يهود من الشتات العراقي حتى الثمانينات، أما أُور يهودا فقد حظيت بلقب “بغداد الصغيرة”, لأنّ من يتجوّل فيها يظن أنّه موجود في قلب حارة اليهود في العاصمة العراقية بغداد.
“فوق النخل”- ليس اسم أُغنية وحسب
بات عنوان “فوق النخل” معروفا لدى الجميع كإسم الأُغنية المشهورة للمطرب العراقي ناظم الغزالي, ولكنّه يحمل معنى خاصا لدى القاطنين في رمات غان.
فبالنسبة للرامات غانيين يعني هذا العنوان أولا المحل لبيع المعجنات والحلويات التقليدية العراقية, لصاحبه هرتسل مراد المعروف للجميع ب “هرتسل من شارع هرتسل”.
يحتوي المحل على الكليجة العراقية بحشوة الجوز والتمر (المسماة باللهجة اليهودية “بعبع بتمر”) وعلى السمبوسك بالجبن، والسمبوسك بالحمّص والكعك العراقي. فهناك أيضا نوع اخر من الكعكات المرصعة بالسمسم والحوايج التي نقدّمها مع الملبّس في طقوس ختان الذكور.
كما نجد في المحل الحلويات العراقية المعروفة: راحة الحلقوم, والمن من السماء, الزلابية (زنكولة) شكرلمة باللوز، والبقصم العراقي.
توأم محل “فوق النخل” في أور يهودا تيسمّى “مخبر ناعاما” (نعمة) الذي يملكه يوسف مراد، وهو شقيق هرتسل مراد. ويعرض المخبز، بالاضافة الى كل أنواع المعجنات، الخبز العراقي والكوْرك اللذين يُصنعان بالفرن التقليدي العراقي. ويدور الحديث هنا باللهجة العراقية.
صناعة عراقية
من يزور مدينة أُور يهودا يدهش من كثرة محلات بيع المأكولات العراقية، ابتداء بالتوابل والمكسّرات، مرورا بالعمبة التقليدية وانتهاء بالكبة على كافة أشكالها. لكنّ المفاجاة الاكبر تكمن في الأسماء التي أُطلقت على المحلات مثل محل “اكو-ماكو” للمأكولات العراقية و”العراق الصغير” محل التوابل وال”ماي ورد” والحلاوة على كافة أشكالها وألوانها، ومطعم سعيد العراقي للحوم المشوية الذي يعرض في الوجهة البقلاوة والملفوف العراقي إضافة الى العوامات (زلابية). واعتاد هذا المطعم منذ سنوات طويلة على إقامة حفلات ايام الجمعة ليلا حيث يستضيف فنانين يغنون بالعربية واللهجة العراقية.
إضافة إلى الجو العراقي السائد في المقاهي حيث يلعبون الطاولة والنرد لقضاء الوقت والدردشة، على اصداء الأغاني والموسيقى العراقية، فإنك تجد حتى شارعين يحملان اسمي الموسيقارين العراقيين الشهيرين من أصل يهودي صالح وداؤود الكويتي.
وفي وسط أور يهودا نجد “متحف تراث يهود بابل“; والذي يؤرخ للحارة اليهودية البغدادية مصغرة ب”جاي خانتها” ومقاهيها ومحلات الخياط والصائغ والتنكجي والعطار والجزار في اجواء العمل ومصحوبة بالضوضاء والأغاني العراقية القديمة تنقلك الى الأجواء البغدادية الأصيلة.
كما تعرض في هذا المتحف الأزياء العراقية اليهودية والحلي والملابس التي كان يرتديها اليهود في النصف الأول من القرن الماضي في جميع مراحل حياتهم أي من المهد إلى الشيخوخة. وهناك عدة فترينات تحيط بنموذج للكنيس الكبير في بغداد القديمة، إلى جانب عرض تاريخ يهود العراق بالخرائط والأرقام والصور والوثائق ومخطوطات التوراة والكتب النادرة.
رمات غان موضع سخرية أثناء حرب الخليج الاولى
وتحولت رمات غان الملقبة برمات بغداد موضع سخرية وتهكم باعتبارها المدينة التي سقطت فيها اكثر صواريخ السكاد التي اطلقها صدام حسين في حرب الخليج عام 1991. ووفقا للرواية آنذاك فإن العمبة التي يشتهر بها يهود رمات غان كانت السبب في استقطاب الصواريخ العراقية!
لا شك أن الثقافة العراقية حاضرة بقوة في مدينتي “رمات بغداد” و”بغداد الصغيرة” المتاخمتين لتل أفيف. فأبناء الجيل الثاني والثالث ليهود الشتات العراقي لديهم أسماء اسرائيلية, ولغتهم هي “العبراقية” (عبرية+عراقية) ويفتخرون بجذورهم العراقية ويحافظون على العادات والتقاليد العراقية في إطار الهوية الإسرائيلية الجامعة. ومما لا جدال فيه أنّ الإسرائيليين يحتضنون جميع الثقافات, ويؤمنون بمبادئ التعددية وقبول الآخر. فالتنوّع في الثقافات يُثري الإنسان، يزيد من انفتاحه على الآخرين ويُنوع مصادر إلهامِهِ وبناء هويته.