وقد تم تصوير المواطن البريطاني واسمه جمال الدين الحارث، قبل لحظات من تفجير نفسه في هجوم على منشأة عسكرية على أطراف مدينة الموصل في العراق.
وبعد وقت وجيز من تفجير سيارة مفخخة قرب قاعدة للجيش، أعلن التنظيم في بيان أن الحارث كان يقاتل معهم تحت اسم "أبو زكريا البريطاني".
وكان الرجل الذي أرسل إلى غواتنامو في عام 2002 بعد أن تم القبض عليه من قبل القوات الأميركية في أفغانستان، قد اعتنق الإسلام وغيّر اسمه من رونالد فيدلر في عام 1994.
وكان قد دافع عن نفسه بأنه ليس إرهابياً، وادعى أنه قد أسر من قبل طالبان بعد زيارة قام به لمنطقة الشرق الأوسط كجزء من عطلة دينية.
وعقب حملة مكثفة من قبل حكومة توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، قادها ديفيد بلانكيت وزير الداخلية، كان قد أطلق سراح المواطن البريطاني بعد عامين في 2004.
وبعدها رفع دعوى لطلب تعويض على أساس أن عملاء بريطانيين كانوا يعرفون أنه بريء أو تواطأوا في سوء معاملته لكنهم التزموا الصمت، وأسفر ذلك عن تعويض له قدره مليون جنيه إسترليني.
وقام الحارث من مال التعويضات بشراء منزل من ثلاث غرف شبه منفصل في ستوكبورت بمانشستر الكبرى بمبلغ 220 ألف جنيه استرليني، لكنه عانى من العثور على عمل بعد الإفراج عنه.
وفي وقت إطلاق سراحه من غوانتانامو، قال ديفيد بلانكيت وزير الداخلية: "لا أحد تمت إعادته، سوف يكون في الواقع خطراً على أمن الشعب البريطاني".
ولكن اتضح أنه على الرغم من أن الأجهزة الأمنية كانت على إدراك باحتجازه السابق، فإن الحارث الذي عمل مصمم مواقع على شبكة الإنترنت لبعض الوقت، كان قادراً على الهروب من المملكة المتحدة في عام 2014 للقتال مع داعش في سوريا، ما أدى إلى مقتله في نهاية المطاف.
وقال شقيق الحارث "ليون جيمسون" لصحيفة التايمز: "أنا لا أخجل مما فعل ولن يكون ذلك، فقد كان هذا قراره بنفسه، ولا يسعني إلا أن أقدم النصيحة له لو أنه طلب مني ذلك".
وأضاف أنه كان قد أحضر معه القرآن ذات يوم إلى البيت، قائلا: "كنا ندعم ذلك، نعم.. حيث إننا لم نر منه أي شيء قبيح، غير أن العناء لم يبدأ إلا في وقت لاحق. ويبدو كأنه قد جرّ إليه".
الزوجة إلى سوريا
وقد تم الكشف عن رحلته في عام 2015 من قبل زوجته البريطانية شوكي بيغوم وأولادها الخمسة، عقب هروبها من داعش بسوريا.
وقد تزوجت منه بيغوم قبل خروجه من منزل العائلة في برمنغهام للقتال في سوريا، وحيث طارت إلى البلاد التي مزقتها الحرب، بهدف إقناع زوجها الحارث بالعودة إلى المملكة المتحدة.
ومع ذلك فقد فشلت محاولتها وتحملت محنة استمرت لمدة عشرة أشهر وهي تتنقل كرهينة بين المسلحين بينما كانت تحاول الهرب.
وفي عام 2015 كانت قد تحدثت مع قناة 4 وقالت: "أريد أن أعود إلى المملكة المتحدة فهي وطني فقد ترعرعت هناك وكل أصدقائي فيها، وأسرتي".
لكنها عبرت عن مخاوفها مع التطورات التي حصلت من ألا تحصل على العدالة في بريطانيا. وذكرت أن عليها الانتظار لبعض الوقت لإنها إذا عادت فقد تواجه اتهامات بالإرهاب.
وقد أكدت السيدة بيغوم، وهي خريجة قانون من مانشستر، أنها لم تدعم المتطرفين، وقالت إنها كانت تريد فقط أن تقنع الحارث بالعودة إلى منزل الأسرة.
وقالت لقناة 4 الإخبارية: "كنت أفكر في مستقبل الأطفال. كان ذلك جزءاً من الأسباب. وهل سيعود زوجي؟ كل هذه الأمور كانت تشغل عقلي".
وأضافت: "وقد شاهدت في الأخبار أن داعش في هذه المرحلة يسير من السيئ إلى الأسوأ، لهذا قررت أن أذهب لمحاولة التحدث معه وإيقاظ بعض مشاعره، في الوقت نفسه كنت أريد أن أراه وأن يرى الأطفال والدهم، بما في ذلك طفلنا الصغير".
وبعد أن وصلت سوريا عاشت السيدة بيغوم في منزل مزدحم بالنساء بمدينة الرقة، مع عشرات النساء اللائي كن أيضاً يبحثن عن أزواجهن.
وفي نهاية المطاف، تم لمّ شمل الأسرة لتعيش السيدة بيغوم وأطفالها مع زوجها الحارث، حيث انتقلوا إلى منزل قرب مدينة الباب في شمال سوريا، لكن خطتها باقناعه بالعودة فشلت في تحقيق هدفها.
وذكرت الأم أنها كانت قد خططت أن يظل أولادها لشهر واحد فقط في سوريا، وتغير ذلك بعد سرقة حقيبتها التي كانت تتضمن أغراضها من هواتف وجواز سفر وأموال، ما جعلها محاصرة.
وقد سألت زوجها لمساعدتها على الخروج، ولكن دون جدوى. كذلك باءت مناشدتها لمحكمة إسلامية لإعطائها الإذن بالمغادرة، وجاء رد المحكمة: "إن النساء والأطفال ينتمون لدولة (داعش)"، وبالتالي لا يحق لهم المغادرة.
وقد أنقذت سالمة من قبل جماعة على صلة بتنظيم النصرة، وكان آخر موقع معروف لها في سوريا، على الحدود التركية.
ومن ثم عاودت قصة الحارث في الظهور بعد انتشار صور له على الإنترنت وهو يظهر مبتسماً، بجانب ما يبدو أنه أسلاك متصلة بزر مفجر ديناميت.
سنوات غوانتانامو
وقد زعم داعش أنه نفذ هجومه الأخير الذي أودى بحياته، خلال معركة الموصل الحالية وحيث وقعت العديد من الإصابات في الهجوم، لكن لم يتم تأكيد ذلك، وقد ورد اسمه على أنه "أبو زكريا البريطاني".
وبعد إطلاق سراحه من غوانتانامو، كان الحارث قد تحدث عن المعاملة التي لقيها على يد الحراس، وقال في عام 2004 لصحيفة ميرور: "النقطة المهمة هي محاولة السيطرة نفسيا عليك".
وقال: "لم يكن الضرب بقسوة سوء التعذيب النفسي، فالكدمات سرعان ما تشفى بعد أسبوع، لكن ما سواها يبقى معك".
وأضاف: "بعد فترة لم نعد نطالب بحقوق الإنسان. أصبحنا نطالب على الأقل بحقوق الحيوان".
وقال إنه تعرض للاستجواب أكثر من 40 مرة من قبل المسؤولين الأميركيين، وفي بعض الأحيان تمتد المقابلة إلى 12 ساعة متواصلة، وفي 9 مرات كان قد استجوب من قبل عملاء بريطانيين.
وأخيراً أطلق سراحه مع خمسة آخرين، جنباً إلى جنب مع ثلاثة هم: راهول أحمد، آصف إقبال وشفيق رسول.
التحولات والحياة الاجتماعية
وقد تحول رونالد فيدلر إلى الإسلام ومن ثم حوّل اسمه لجمال الدين الحارث وسافر إلى باكستان في التسعينات، وفي تلك الفترة كان يقيم في شمال لندن لفترة قصيرة مع زوجته الأولى ديبي أودوفين في عام 1997.
وزار لاحقاً أسترالياً لعدة أشهر في عام 2000 بعد أن بدأ علاقة عبر الإنترنت مع سامانثا كوك، ابنة عضو مجلس الشيوخ الأميركي بيتر كوك، ومكث معها في بيرث حتى منتصف عام 2000، قبل أن يعود إلى مانشستر.
وفي أكتوبر 2001، سافر إلى كويتا في باكستان، على ما زعم أنها عطلة دينية، وكان ذلك قبل بضعة أيام من بدء الغزو الأميركي لأفغانستان المجاورة. وزعم أن طالبان قاموا باحتجازه واتهموه بأنه جاسوس بريطاني.
وبعد بضعة أشهر عثر عليه في أحد سجون طالبان من قبل القوات الخاصة الأميركية، حيث نقل إلى خليج غوانتانامو، وقد صنف على أنه مقاتل بالقاعدة، واعتبر مهدداً كبيراً للولايات المتحدة.
وعندما أطلق سراح الحارث في عام 2004، كان قد أعيد إلى إنجلترا من دون توجيه أي تهمة له.
الاحتجاج البريطاني
وقال النائب البريطاني المحافظ تيم لوغتون: "إنه لوضع مخز مقابل تأكيدات توني بلير أن هذا المتطرف لا يشكل تهديداً أمنياً".
وأضاف: "لقد كان واضحاً أنه خطر على بريطانيا وأمننا بشكل مستمر، وما زاد الطين بلة أنه حصل على مليون جنيه استرليني بسبب عدالة بلير الخرقاء والحكم على الرجل على بأنه بريء".
فيما قال النائب الليبرالي الديمقراطي جون بيو: "هذا يثير تساؤلات جدية حول تطمينات أعطيت بأن هذا الرجل لا يشكل أي خطر".
وأضاف: "لقد كانت ركلة في الأسنان أنه أخذ ثروة من أموال دافعي الضرائب بعد أن زعم أنه كان بريئاً، ومن ثم لاذ بالفرار إلى داعش وبات يشكل خطراً على المملكة المتحدة".
وقال: "يتعين على وزارة الداخلية أن تشرح كيف أنه كان قادراً على مغادرة البلاد بسهولة على الرغم من خلفيته التي تختلط مع أعلى قادة الإرهاب".
الهجوم الأخير
وقال تنظيم داعش إن الحارث واحد من اثنين من المسلحين الذين نفذوا الهجوم على موقع للقوات العراقية بالموصل، أثناء تقدمها في الجزء الغربي من المدينة.
ويظهر فيديو قيل إنه التقط يوم الاثنين الماضي، أسطولاً من السيارات في طريق مغبر، ومن ثم ينقطع الفيديو ليظهر مشهد عمود دخان متصاعد على مسافة ليست بعيدة.
ونعى بيان لداعش الحارث وذكر أنه قام بتفجير سيارته المفخخة ضد "الأعداء" وذلك بقرية تل كيصوم جنوب غرب الموصل، واصفا إياه بـ "الشهيد".
مستقبل السجناء
وقال كايل أورتن، المتخصص في الجماعات الإسلامية بجمعية هنري جاكسون الأمنية وهي مؤسسة بحثية: "إن فيدلر هو جزء من كادر كبير من الأشخاص الذين أطلق سراحهم من غوانتانامو عادوا مباشرة إلى صفوف القتال، وقد حدث هذا ويحدث ما يجعل مسعى إغلاق المعسكر يشكل تهديداً خطيراً جداً جداً".
وأضاف: "أن السماح لهؤلاء بالعودة للميدان يمثل تهديداً أمنياً ملموساً، وقد كانت حملة إطلاق سراح السجناء كارثية من حيث العواقب بالنسبة للأمن الغربي".
وقال أفضال أشرف، وهو مستشار سابق لمكافحة الارهاب للولايات المتحدة في العراق لبي بي سي، إن الحادث يبين "كيف أن بعض الناس في خليج غوانتانامو لا يرتقون لمرتبة الناس الجيدين".
فيما ذكر متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية: "إن المملكة المتحدة قد نصحت لبعض الوقت بعدم السفر إلى سوريا، وبعدم السفر إلى أجزاء كبيرة من العراق".
وأضاف أنه "تم تعليق جميع الخدمات القنصلية البريطانية في سوريا وإلى حد كبير في العراق، لأنه من الصعب للغاية تأكيد مكان وحالة الرعايا البريطانيين في هذه المناطق".
وقد ولد رونالد فيدلر لأسرة تعود جذورها إلى جامايكا في عام 1966 وهي ذات عقيدة مسيحية، وقد أسلم سنة 1994 وقد قتل هذا الأسبوع في الموصل في عملية تفجيرية.
عماد البليك