شفق نيوز/ شكلت قضية اعتقال مجموعة من عناصر حزب الله العراقي التحدي الأمني الأبرز منذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، وامتحاناً أمنياً قد يؤشر الى طبيعة مسار المشهدين السياسي والأمني المحفوفين بالمخاطر في العراق خلال المرحلة المقبلة.
وليس من المبالغة القول يمكن ان تؤرخ التطورات الامنية الداخلية في العراق خلال المرحلة المقبلة بتعابير مثل "ما قبل المداهمة" او "ما بعد المداهمة" التي جرت ليل 25-26 حزيران/يونيو الجاري، ذلك ان ما بعد انقضاض قوة مكافحة الارهاب على مقر الفصيل الشيعي المقرب من إيران، قد يترك أثاراً كبيرة على مسار الأحداث، بخاصة انه جاء بعد ساعات على تصريح للكاظمي خلال لقاء مع مجموعة من الإعلاميين والصحفيين والمحللين السياسيين، إنه "لن يسمح بمغامرات لأطراف خارجية في العراق" موضحا ان "التدخلات الإقليمية في العراق لن تنجح إلا اذا كان هناك طرف في الداخل يعمل على ذلك".
وتأتي عملية المداهمة في توقيت حساس، اذ نفذت بعد اقل من اسبوعين على انتهاء الحوار الاستراتيجي الاميركي العراقي، وقبل اقل من شهر على زيارة الكاظمي المقررة الى واشنطن في تموز/يوليو المقبل، وزيارته الوشيكة قريبا الى طهران.
والى جانب ارتداداتها الداخلية، فأن الرسالة التي تحملها المداهمة التي نفذها جهاز مكافحة الارهاب، متعددة الجوانب، وتعكس على ما يبدو تصميما من الكاظمي للظهور بمظهر رجل الدولة الحريص على سيادة البلاد واظهار الوجه الصارم في مواجهة التحديات الامنية والعسكرية، ما يستوجب من الاطراف الاخرى المعنية، التوقف عنده مليا. إلا أن رسالة زعيم العصائب قيس الخزعلي والذي لخص ما يحدث بمطالبة الكاظمي بـ”تجاهل” ما يحدث، تخلق جملة قراءات للمشهد المتعكر اصلاً.
وللدلالة على شدة حساسية الموقف، قال الخبير الامني هشام الهاشمي لوكالة شفق نيوز انه "بعد الحوار الاستراتيجي العراقي الاميركي، أخذ السيد رئيس الوزراء من فصائل الحشد مواثيق ان يبتعدوا عن استفزاز المصالح الغربية في العراق، لكنهم لم يلتزموا بالعهد وبدأوا بهذه المواجهة".
وكان الهاشمي يتحدث الى ما أشارت اليه أيضا قيادة العمليات المشتركة حول احباط هجمات كانت خلية حزب الله العراقي تعتزم تنفيذها ضد المنطقة الخضراء ومواقع عراقية واميركية اخرى.
لا بل ان قيادة العمليات المشتركة اضافت جوانب أخرى لما جرى حيث تحدثت كما ورد في بيانها الى وكالة شفق نيوز، عن "تحرك جهات مسلحة بعجلات حكومية وبدون موافقات رسمية نحو مقرات حكومية من داخل المنطقة الخضراء وخارجها تقربت مِن احد مقرات جهاز مكافحة الارهاب داخل المنطقة الخضراء، واحتكت به تجاوزاً. وهذه الجهات لاتريد ان تكون جزءاً مِن الدولة والتزاماتها وتسعى الى البقاء خارج سلطة القائد العام للقوات المسلحة الدستورية والقانونية".
وقال مصدر أمني لشفق نيوز ان تلك العناصر بقت منتشرة ضمن منطقة الجادرية ومحيط الخضراء، للضغط على إطلاق سراح المعتقلين، منوها انه "بعد مفاوضات قادها ابو زينب اللامي مسؤول أمن الحشد، تم استلام المعتقلين، إلى في مبنى مديرية امن الحشد في منطقة القناة شرقي بغداد، بإنتظار قرار قاضي التحقيق الخاص".
كما حذرت القيادة المشتركة من انها "وفي الوقت الذي نؤكد فيه خطورة هذا التصرف وتهديده لأمن الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي، نبين أن هذه الجهات قد استخدمت قدرات الدولة. وبما لا يمكن السماح به تحت أي ذريعة كانت. ونؤكد الإصرار على مواصلة المسيرة في تحقيق الأمن للشعب العراقي وإيكال الأمر الى القضاء السلطة المختصة".
وفي اطار التزامها بالمسار القضائي هذا، كشف مصدر أمني مطلع، عن مصير العناصر ال14 لكتائب "حزب الله" والتي جرى اعتقالها خلال عملية مداهمة بتهمة التورط في هجمات صاروخية على أهداف مدنية وعسكرية.
وقال المصدر الأمني، لوكالة شفق نيوز، إن ثلاثة من المعتقلين سيتم توجيه تهمة الإرهاب إليهم بموجب المادة 4 إرهاب وسيساقون إلى المحكمة بعد انتهاء التحقيقات الأولية. وأضاف أن من تبقى من المعتقلين سيتم إطلاق سراحهم.
وفي حديثه لوكالة شفق نيوز، رصد الهاشمي تحولات في اداء الفصائل المسلحة في المرحلة الماضية وصولا الى مرحلة التمرد القائمة حاليا، منذ ما بعد اغتيال قاسم سليماني وابومهدي المهندس في الثالث من يناير/كانون الثاني في هجوم المطار. وقال ان ما أسماها "خلايا الكاتيوشا" المسؤولة عن الهجمات الصاروخية، كانت تقول "لسنا نحن الفاعلين لكن نبارك اي عملية بالضد من الوجود الاميركي".
المرحلة الثانية هي مرحلة اذار/مارس، حيث يقول الهاشمي ان "التحدي بدا واضحا، على الرغم من ان الدولة في بياناتها الرسمية في عهد عادل عبد المهدي والقيادة المشتركة، صنفت هذا الفعل انه خارج عن القانون وانه عمل ارهابي، لكن بدأ التحدي يزداد".
اذا، ملخص المشهد بحسب الهاشمي هو اننا انتقلنا "من حالة التمرد الخفي الى حالة التحدي الواضح ثم الى حالة المواجهة" كما يجري الان، مشيرا في هذا السياق الى ان الخلية التي جرى مداهمة مقرها "ربما كانت تتهيأ لعملية واسعة ب23 صاروخ كاتيوشا يستهدفون فيه المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي ومعسكر التاجي" وان المداهمة أحبطتها.
لكن الهاشمي لا يبدو متفائلا بموقف الفصائل من هذه التطورات، اذ قال ان "هذه المواجهة قد تردعهم لكن ردعا مؤقتا خاصة ان خطاب الشيخ قيس الخزعلي يوضح ان هذا الردع مؤقت ولا نسمح لاحد ان يمنع خلايا الكاتيوشا من قيامها بهذه العمليات وعلى الدولة ان تفهم انه ليس من واجبها الا ان تغلس (تتجاهل) كما نطق هو بذلك".
وكان زعيم عصائب أهل الحق قال الجمعة إن "توجيه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي باعتقال عناصر من الحشد عبر جهاز مكافحة الإرهاب يعد فوضى عارمة"، معتبرا ان مداهمة مقر للحشد الشعبي هو "حدث خطير".
واذ اعتبر الخزعلي ان المسألة كان يجب ان تعالج من قبل رئيس هيئة الحشد، وان جهاز مكافحة الإرهاب "جهاز وطني قاتل الى جنب الحشد الشعبي ضد الإرهاب"، انتقد بيان العمليات المشتركة الذي "كتب من قبل الاميركان"، مذكرا بأن "بقاء القوات الامريكية في العراق يعد احتلالاً خاصة بعد تصويت البرلمان على اخراجها".
وفي مؤشر اضافي على خطورة الموقف في المرحلة المقبلة، وزعت "حركة الابدال" بيانا بعد عمية المداهمة، قالت فيه "اعلموا أن كل من يحمل صفة المجاهد والوطني جسدٌ واحدٌ لايغرنَّكم غيُّكم في اتباع العدو فسنزلزل اوكاركم التي حصنتها أمريكا لكم وإياكم أن لا تعوا مانقول لأننا سنفعل بما نوعد لأننا أحرار".
وفي مشهد لافت، تجمع مئات المتظاهرين في ساحة التحرير في بغداد الجمعة للتعبير عن تأييدهم لتحرك الحكومة ضد كتائب "حزب الله" العراقي . ورفع المتظاهرون لافتات تشيد بتحرك الحكومة ضد "الميليشيات والاحزاب الفاسدة".
كما ردد المتظاهرون، بحسب مقاطع فيديو، شعارات مؤيدة لجهاز مكافحة الارهاب الذي نفذ عملية مداهمة مقر "حزب الله".
وبالخلاصة، يمكن ان تكون "ليلة المداهمة" بداية لشرارت توتر اضافي في العراق، ويمكن لها في الوقت نفسه ان تتحول، الى نقطة بداية عراقية جديدة، اذا أحسنت الاطراف المعنية، بما فيها الكاظمي وقادة كتائب حزب الله والحشد الشعبي عموما، ادارة هذه المواجهة بالسياسة، لا بالسلاح.