شفق نيوز/ تصريح عابر على لسان تركى الفيصل بن عبدالعزيز، أحد أبرز رؤساء أجهزة الاستخبارات فى المنطقة سابقاً، بشأن علاقات "القاعدة" بإيران، ملاذ عائلة أسامة بن لادن بعد 11سبتمبر، ومن قبلها قطر بدعمها المادي واللوجستي لعناصر التنظيم منذ عام 1995، عاد ليفتح من جديد الملف الشائك والمسكوت عنه، عن علاقات وتقاطعات زعيم القاعدة مع حكومات وأجهزة استخبارات دول المنطقة، في أعقاب الحرب الأفغانية، التي انتهت بخروج الاتحاد السوفيتي، ثم مغادرة أسامة بن لادن، أفغانستان، مؤقتاً، بخطط وطموحات في دور وأجندة إقليمية.
الفترة المعتمة، في مسيرة زعيم القاعدة الشاب، آنذاك، ما زالت حبلى بالمفاجآت، فمع حلول عام 1990، كانت حملة أسامة بن لادن المعادية لصدام حسين الخارج لتوه من حرب مريرة ضد إيران، قد وصلت إلى ذروتها.
لم يتردد أسامة في الإعلان عن مخاوفه، لدى أصحاب النفوذ، من الخطر الذى يمثله صدام على أمن دول الخليج، كما لم يتردد في التحريض والحشد علناً ضد النظام العراقي، بوصفه نظاما بعثيا علمانيا كافرا، يستوجب إعلان الجهاد ضده، كما لوح زعيم القاعدة بما لديه من مخزون الجهاديين، ذوى الخبرة في الحرب ضد السوفيت.
لكن مع الاحتلال العراقي للكويت في أغسطس 1990، دخل أسامة بن لادن على خط التفاوض وبشكل رسمي مع القوى الفاعلة في الأزمة، مبادراً بعرض نفسه كبديل للمساعدة العسكرية الأمريكية، وجيشها غير المؤمن، وأنه مستعد لإتمام المهمة، ودخول الكويت وطرد صدام حسين منها بقوات من "القاعدة"، قوامها مائة ألف مقاتل، من رفاقه السابقين في السلاح، في الحرب الأفغانية.
ووفقاً للرواية التي نقلها جوناثان راندل، فى كتابه المهم "أسامة"، استفاض زعيم القاعدة في شرح عرض تفصيلي، عن استعداد قدامى مجاهدي الأفغان لتدريب الجنود المشاركين، وعن إمكانية تنفيذ شركة بن لادن الإنشائية، أن تحفر خنادق وأفخاخاً في الصحراء تماماً، كما شقت الأنفاق والتحصينات الدفاعية، في أفغانستان، دون الوضع في الاعتبار الاختلاف الجذري بين طبيعة الكويت المنبسطة، وبين الطبيعة الجبلية الصحراوية لأفغانستان، وبالطبع انتهى عرض بن لادن بالرفض.
غير أن صفحة أسامة بن لادن مع صدام حسين لم تطو بعد على ما يبدو، بل إن الحديث عن تقارب لاحق بين أسامة، ونظام صدام، وعن لقاء تم بينه وبين رجال من المخابرات العراقية، أثناء إقامته في السودان، تحت حماية الجبهة الوطنية الإسلامية، بزعامة حسن الترابي، تحول فيما بعد إلى ذريعة للرئيس جورج بوش الابن، في سياق تبريره للغزو الأمريكي للعراق، متهماً النظام العراقي بالتعاون مع تنظيم القاعدة.
فيما مازالت ملابسات هذا اللقاء الغامض، بين زعيم القاعدة ورسل صدام الاستخباراتيين في السودان، وما انتهى إليه بالفعل، محل شك حتى هذه اللحظة.
في تصريحات سابقة له، قال سالم الجميلي رئيس شعبة أمريكا فى المخابرات العراقية سابقاً، إن "بوش أعلن أن صدام حسين أرسل أحد ضباطه إلى أسامة بن لادن.. وسكت.. لم يتحدث عن النتائج.. فهو صدق فى القول وكذب في المضمون".
واوضح أن المخابرات العراقية بعد حرب الكويت، قد حصلت على ضوء أخضر من صدام حسين، للتواصل مع إخوان سوريا، جناح عدنان عقلة، لإرسال رسالة إلى بن لادن المقيم في السودان، يعرض فيها التعاون مع العراق، ضد النظام السعودي، العدو المشترك، وكي ينتهى التواجد الأمريكي في الجزيرة العربية.
فحمل شقيق عدنان عقلة هذه الرسالة وذهب بها إلى السودان، وعاد إلينا بعد شهر، وقال إنه التقى بالشيخ أسامة بن لادن ونقل له الرسالة، وكان جوابه أن أسامة بن لادن يرى أن النظام البعثي في العراق هو نظام كافر وأنه المسؤول عن جلب الأمريكيين إلى المنطقة، وأنه لا يمكن أن يلتقى مع هذا النظام وأن صدام حسين لا يجوز التعاون معه.
كما أكد الجميلي أن نظام صدام حسين كرر محاولات مع أسامة بن لادن عن طريق حسن الترابي، ولكن بقى أسامة بن لادن على نفس موقفه في الرفض.
غير أن معلومات أخرى تحدد هوية رسول صدام حسين إلى بن لادن في السودان، وهو فاروق حجازي، أحد أبرز ضباط المخابرات العراقية السابقة، كما سبق أن عمل سفيراً للعراق في تركيا وتونس، وعمل محاضراً في شعبة الاغتيالات بجهاز المخابرات في عهد صدام، وكان لقاؤه بأسامة بن لادن عام 1994 وعرض عليه خطة للتعاون، معلناً استعداد القيادة العراقية للعمل معه على إسقاط النظام السعودي، ولم يسفر ذلك اللقاء عن أي اتفاق.
استمرت إدارة الرئيس الأمريكي، بوش ونائبه ديك تشيني، في إصرارها على وجود أواصر وارتباطات قوية بين صدام حسين وتنظيم أسامة بن لادن، على الرغم من أن اللجنة المستقلة بالتحقیق في هجمات 11سبتمبر2001، في تقريرها بشأن العلاقات بين العراق والقاعدة، قد انتهت إلي أن أسامة بن لادن قد درس إمكانیة التعاون مع العراق خلال الفترة التى قضاها فى السودان على الرغم من طبیعة نظام صدام حسین العلمانیة.
وقال التقریر الذى قدمته اللجنة إن الحكومة السودانیة "رتبت الاتصالات بین العراق والقاعدة"، وأن "ضابط مخابرات عراقيا كبیرا قام بثلاث زیارات للسودان، وتمكن أخیراً من الالتقاء بابن لادن سنة 1994، وأن بن لادن قد طلب إنشاء معسكرات تدریب إضافة إلى تقدیم دعم فى الحصول على الأسلحة، لكن العراق لم یرد على هذا الطلب، كما جاء فى نفس التقرير وقوع اتصالات بين المخابرات العراقیة وبن لادن فى أفغانستان بعد مغادرة الأخیر السودان "لكن لا یبدو أنها أثمرت علاقة تعاون بین الطرفین".
كما حاول حسن الترابى أن يكون راعياً للتعاون بين أسامة بن لادن وصدام حسين، فقد كان أيضا حجر الزاوية فى علاقة التحالف بين زعيم القاعدة وإيران، التى قدمت دعماً عسكرياً لرجال التنظيم عبر ذراعها حزب الله الذى قدم تدريباً لوفد من عناصر القاعدة فى الاستخبارات والأمن، وتفخيخ الشاحنات، فى لبنان.
غير أن الترحاب الترابي قد انقلب إلى النقيض بحلول العام 1996، بعد أن وجد زعيم الجبهة الإسلامية الوطنية نفسه، مضطراً لتقديم أسامة بن لادن قرباناً للرضاء الأمريكى عنه، عقب المحاولة الفاشلة للقاعدة فى اغتيال الرئيس محمد حسنى مبارك فى أديس أبابا 1995.
قام الترابى بطرد زعيم القاعدة من السودان، لكن قبل ذلك كان قد أسدى إدارة بيل كلينتون نصيحة من ذهب، بأن وجود بن لادن فى السودان هو الوضع الأمثل حيث يمكن وضعه تحت مراقبة دائمة، بدلاً من عودته فى محيطه الجغرافى المفضل فى أفغانستان، وهى النصيحة التى لم تعرها الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً آنذاك.
والأدهى من ذلك أن الأمريكيين، وفقاً لجوناثان راندل فى كتابه، قد رفضوا أيضاً عرضاً صريحاً من حسن الترابى بتسليم أسامة بن لادن عام 1996، مكتفية بإبعاد زعيم القاعدة عن أمواله واستثماراته فى السودان، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تعانى حتى تلك اللحظة فقراً معلوماتياً بشأن نشاط بن لادن وتنظيمه، ولم يكن لديها إدراك كاف حتى تلك اللحظة لخطورة أسامة بن لادن كزعيم إرهابى.