شفق نيوز/ ذكر بيان صادر عن البيت الأبيض في 10 شباط/فبراير، أنّ الرئيس الأميركيّ دولاند ترامب ورئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي تحدّثا خلال اتّصال هاتفيّ عن التهديد الإيرانيّ في المنطقة.
والنفوذ الإيرانيّ في العراق هو محطّ اهتمام الإدارة الأميركيّة على نحو خاصّ، حيث أكّد الرئيس الأميركيّ في 2 شباط/فبراير من خلال تغريدة على "تويتر" أنّ "إيران تستولي وبسرعة على العراق أكثر فأكثر". ومنذ سقوط نظام صدّام حسين في عام 2003، بدأ النفوذ الإيرانيّ في العراق يأخذ بالتصاعد، خصوصاً بعد إنهاء التواجد الأميركيّ في نهاية عام 2011.
ومنذ استلامها السلطة في 20 كانون الثاني/يناير، عمدت الإدراة الأميركيّة الجديدة إلى اتّخاذ مواقف صارمة تجاه إيران، ممّا أدّى إلى زيادة وتيرة الخلافات بين البلدين.
فردّاً على اختبار إيران صاروخ باليستيّ واستهداف بارجة سعوديّة بصاروخ في سواحل اليمن من قبل الحوثيّين المدعومين من إيران، حذّر مستشار الأمن القوميّ الأميركيّ السابق مايكل فلين في 1 شباط/فبراير إيران في شكل رسميّ، وندّد بنشاطاتها التي "تزعزع الأمن والازدهار والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".
ومن جهّته، وصف وزير الدفاع الأميركيّ جيمس ماتيس في 4 شباط/فبراير إيران بـ"أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم"، وكرّر الوصف نفسه نائب الرئيس الأميركيّ مايك بنس في كلمة ألقاها في 18 شباط/فبراير في مؤتمر ميونيخ الدوليّ للأمن.
وردّاً على التصريحات الأميركيّة هذه، شدّد وزير الخارجيّة الإيرانيّ محمّد جواد ظريف في 3 شباط/فبراير من خلال تغريدة على "تويتر" على أنّ إيران "لا تكترث لهذه التهديدات".
ومن جهّته، صرّح نائب القائد العامّ لحرس الثورة الإسلاميّة العميد حسين سلامي في 2 شباط/فبراير بأنّ "صواريخنا وبارجاتنا الحربيّة وراجمات صواريخنا ستزداد يوماً بعد يوم".
وهدّد قائد القوّة البريّة لحرس الثورة الإسلاميّة في 22 شباط/فبراير العميد محمّد باكبور العدوّ بـ"صفعة قويّة على الوجه إذا أخطأ التقدير".
ولكنّ الخلافات هذه لم تقتصر على التصريحات، حيث تشير تقارير صحافيّة إلى تحرّكات أميركيّة في المنطقة من أجل إنشاء حلف عسكريّ معادٍ لإيران يضمّ دولاً عربيّة، ويتشارك التقارير الاستخباريّة مع إسرائيل.
وثمّة مخاوف من تحويل العراق مرّة أخرى إلى ساحة تصفية حسابات بين إيران وأميركا. وفي مؤشّر واضح إلى عدم رغبة العراق في الدخول في صراعات إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة، لم يتضمّن البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء العبادي في 9 شباط/فبراير حول مكالمته الهاتفيّة مع الرئيس ترامب، تطرّق الطرفين إلى التهديد الإيرانيّ. وفي مؤتمره الصحافيّ الأسبوعيّ الذي عقد في 14 شباط/فبراير، وفي إطار سؤال حول مكالمته مع الرئيس الأميركيّ، صرّح العبادي بأنّ "هناك عداء بين الولايات المتّحدة الأميركيّة وإيران... نحن لسنا طرفاً في هذا العداء". وعاد العبادي وأكّد هذا الموقف في مؤتمره الصحافيّ الذي عقد في 21 شباط/فبراير.
ويقول لقمان الفيلي، وهو سفير سابق للعراق لدى الولايات المتّحدة الأميركيّة ل"المونيتور" إنّ "المؤشّرات الأوليّة تعكس ازدياد الضغوط على العراق، وخصوصاً إذا قورنت إدارة ترامب بإدارة الرئيس باراك أوباما الذي كان يأمل في تحسين العلاقة مع إيران".
ويضيف الفيلي "الحكومة العراقيّة تراقب عن قرب تحرّكات البلدين التي ممكن أن تأثّر سلباً على العراق ومحاولة إدارة مخاطرها".
ويقول ميثم بهروش، وهو خبير في شؤون العلاقات الدوليّة في جامعة لوند السويديّة إنّ "إيران في أقوى حالاتها في العراق. فقد اكتسبت الجماعات المسلّحة العراقيّة القريبة إلى إيران خبرة قتاليّة كبيرة من خلال حربها ضدّ "داعش"، وهي الآن مزوّدة بأسلحة ومعدّات لم تكن تملكها سابقاً، إضافة إلى أنّه أصبح لدى هذه الجماعات رصيد جماهيريّ بسبب نجاحها في صدّ زحف "داعش" في عام 2014، إلى جانب دورها البارز في تحرير مناطق مهمّة من العراق، وهذا الرصيد سوف يمكّنها من المشاركة القويّة في الانتخابات المقبلة".
وشهدت سنوات الاحتلال الأميركيّ صراعاً عسكريّاً بين الفصائل المسلّحة المدعومة من قبل إيران والقوّات الأميركيّة في محاولة من إيران لإبعاد خطر الهجوم الأميركيّ عليها. وفي هذا الإطار، يقول بهروش الذي يتابع السياسة الإيرانيّة الخارجيّة عن كثب لـ"المونيتور": "في حال صاحبت التصعيد في التصريحات تهديدات عسكريّة واقعيّة، سوف تستخدم إيران الفصائل المسلّحة العراقيّة للضغط على الولايات المتّحدة الأميركيّة. وهذا قد یؤدّي إلى صدام عسكريّ بين الطرفين على الأراضي العراقيّة".
ومن شأن أيّ صدام عسكريّ بين القوّات الأميركيّة وهذه الفصائل تقويض مساعي رئيس الوزراء العراقيّ في احتواء الفصائل الشيعيّة في العراق، ممّا يعني تعاظم النفوذ الإيرانيّ، وهذا ما يناقض أهداف إدارة ترامب في الحدّ من النشاطات الإيرانيّة في المنطقة.
وعلى عكس غريمه نوري المالكي، لا يعتبر العبادي مقرّباً من إيران، حيث طفت خلافات بينه وبين عدد من قادة الحشد الشعبيّ المقرّبين من إيران على السطح في الماضي، حين اتّهموه بتهميش قوّات الحشد الشعبيّ. وفي حال الشعور بخطر محدق، سوف لن تكتفي إيران بالضغط العسكريّ والأمنيّ، بل ستستخدم نفوذها على الصعد كافّة من ضمنها الساحة الانتخابيّة، حيث ستدفع بوتيرة أقوى لانتخاب رئيس وزراء مقرّب إليها للحدّ من النفوذ الأميركيّ في العراق.
ومن جهّة أخرى، فإنّ وقوع أيّ صدام بين القوّات الأميركيّة والفصائل العسكريّة المدعومة من إيران سوف يشتّت جهود تلك الفصائل التي تلعب دوراً بارزاً في محاربة "داعش"، ويفتح المجال أمام هذه القوّة الإرهابيّة للعودة. وهذا أيضاً يناقض هدف الولايات المتّحدة الأميركيّة لدحر "داعش" المتمثّل في توقيع الرئيس ترامب أمراً رئاسيّاً يدعو فيه المسؤولين الأمنيّين في إدارته إلى إعداد خطّة للقضاء على "داعش" خلال ثلاثين يوماً.